المثقفون العرب

المثقفون العرب

المثقفون العرب

 العرب اليوم -

المثقفون العرب

بقلم - مصطفي الفقي

ترتبط الثقافة لدى كل أمة بلغتها الأصلية حتى قيل عن (لغة الضاد) إن الشعر هو ديوان اللغة العربية، لذلك فإن  الفكر العربىقديمه وحديثه مرتبط أشد الارتباط باللغة باعتبارها هى لسان النطق وهى أداة التفكير وهى وعاء الحقيقة، لذلك فإن ثراء اللغة العربية يضع على كاهل المثقفين العرب مسئولية أكثر من غيرهم فى ثقافات أخرى وحضارات مختلفة، والمثقف العربى تكون لغته الأولى هى العربية حتى إننا نعتبر أن تعريف العربى هو كل من كانت العربية لغته الأولى، وذلك لا يعنى عزلة الثقافة العربية فأبوابها مشرعة لدخول تيارات أخرى وأفكار متباينة، فالثقافة العربية عمومًا منفتحة على غيرها تأثرت بثقافات الجوار وبالتيارات الوافدة عبر تاريخ المنطقة وما أكثر حالات الاشتباك بينها وبين غيرها، وأستطيع أن أزعم أن أغلى سلعة تقدمها الأمة العربية للعالم المعاصر هى الثقافة وليست النفط أو المياه أو السياحة، بل هى صناعة الحضارة التى عرفتها المنطقة العربية من الأهرامات إلى برج بابل إلى مدائن صالح إلى البتراء إلى الزيتونة والقيروان والأزهر الشريف وكل معاقل التراث والفكر على الخريطة العربية، لذلك فإننى أدعو الآن إلى برامج سياحية مشتركة تضم مجموعة الآثار الباقية والبصمات التاريخية الكبرى لتكون تحت سمع وبصر المشاهد القادم إلى المنطقة العربية، وهو يحمل فى ذاكرته زخمًا كبيرًا من الأفكار وحشدًا من المعلومات عما يمكن أن يراه فى كل بلد عربى، وتلك فى ظنى هى جزء من رسالة المثقفين فى عالمنا المعاصر، فالتعريف بالعروبة لا يكون بالعبارات المعقدة أو الشعارات الصاخبة، ولكنه يكون بالتعرف على ما لدينا وهو كثير وما نملكه وهو عظيم، والمثقف العربى يتميز بسلبية المواقف رغم ثراء المعرفة لأنه يقيم حسابًا يوميًا لما يمكن أن يقول وما لا يمكن أن يقول، لذلك فإن مواقف معظم المثقفين العرب لا تعبر تعبيرًا دقيقًا عما يؤمنون به أو يتطلعون إليه إذ إن ضعف المشاركة السياسية أو الرغبة فى الانخراط فى عمل يقع تحت مظلة الدولة يجعله أحيانًا يفضل أن يكون مثقف السلطة قبل أن يكون مثقف الدولة ذاتها. وذلك عوار واضح فى فلسفة المثقفين العرب واهتماماتهم السياسية وتطلعاتهم المهنية، ونحن إذ نتطلع إلى مستقبل مختلف للثقافة العربية فإننا نضع أنفسنا أمام الاعتبارات الآتية:

أولًا: إن مسئولية المثقفين هى الأخذ بزمام الدولة والاتجاه به إيجابيًا والسعى نحو التحديث مع الحفاظ على توازن دقيق بين الأصالة والمعاصرة، والمثقف العربى بطبيعته يتميز بمسحة دينية فى أغلب الأحيان، ولكنه ليس معزولًا عن التيارات السياسية المعاصرة بل هو واحد من روافدها التى تغذى التربة التى تنبت الأجيال الجديدة، ولا نكاد نعرف مثقفًا عربيًا مرموقًا، سواء فى مصر أو الشام أو العراق أو الجزيرة العربية أو المغرب العربى كله إلا وقد اكتشفنا منظومة متداخلة من الاشتباك الواضح بين النظرة الدينية والرؤية الواقعية فى ذات الوقت، ولذلك فالمثقف العربى هو ابن أمته وقرين لغته وصنو مباشر للمناخ السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى الفترة التى يعيش فيها والبيئة التى خرج منها.

ثانيًا: لقد تداخلت السياسة والثقافة فى عصور متعددة، فلو أخذنا النموذج المصرى على سبيل المثال لوجدنا أن أسماء مثل أحمد لطفى السيد وطه حسين ومحمد حسين هيكل باشا وغيرهم كانوا كالعملة ذات الوجهين، وجه سياسى وآخر ثقافى فى عصر لم تكن هناك فيه خصومة قائمة بين الثقافة والسياسة، بل كان كل منهما يخدم الآخر، لذلك فإنه ليس غريبًا أن نقول إن الحركة الوطنية العربية فى الأقطار المختلفة قد اعتمدت على سواعد المثقفين، ولعل ثورة عام 1919 فى مصر هى خير شاهد على هذه الحقيقة وأبرز دليل على وجودها، بل إننى أضيف إلى ذلك صراحة أن كثيرا من ذوى المهن ومنهم أدباء وشعراء ومهندسون وأطباء قد انخرطوا فى الحركة الوطنية لبلادهم وأصبحوا تيارًا ثقافيًا فاعلًا يسعى لتحقيق أهداف الجماهير بوعى كامل ورؤية شاملة.

ثالثًا: إنه مثلما كان محمود سامى البارودى هو رب السيف والقلم فى توليفة نادرة بين قوة الجسد وعمق الفكر، فإن ذلك النموذج كان متكررًا فى دواوين الشجاعة العربية وأشعار الحماسة وروافد الفكر، بل إن المثقفين العرب قد حملوا أيضًا لواء القومية فى أوطانهم وفى المهجر، ولعل جبران خليل جبران هو نموذج فذ لذلك النمط من الثقافة التى لا تتراجع ولكنها تمضى مع روح العصر إلى أبعد مدى.

رابعًا: لقد أسهم الإسلام الحنيف فى دفع الثقافة إلى الأمام مع تعزيز المعرفة واحترامها، فقال تعالى: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ»، وقال أيضًا: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»، ودعت المسيحية إلى الاهتمام بالفكر والمعرفة حتى إن أديرة الرهبان مازالت تحوى حتى الآن تراثًا ثقافيًا ثقيلًا أفاد الفكر واللغة وشدد على الروابط بين الحياة فى الأرض والصعود إلى السماء.

إننى أقصد بهذه السطور أن ألفت النظر إلى أن الثقافة ليست خصمًا للحياة العصرية، بل هى داعم لها ومؤثر فيها ومرتبط بها، وسوف نظل دائمًا نتذكر المثقف الإيجابى الذى يستحق لقب (مثقف الدولة) لا مثقف السلطة وحدها، فالمعرفة لا حدود لها ولا حواجز أمامها لأنها تنطلق بالإنسان إلى مدارج العلا والمراتب السامية فى كل الحركات النهضوية التى عرفها تاريخ الإنسان المعاصر.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المثقفون العرب المثقفون العرب



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا
 العرب اليوم - وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول

GMT 06:02 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يخطط لمكافأة مدافعه روديجر

GMT 00:30 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

25 وجهة سياحية ستمنحك تجربة لا تُنسى في عام 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab