المستقبل العربى والرؤية الغائبة

المستقبل العربى والرؤية الغائبة

المستقبل العربى والرؤية الغائبة

 العرب اليوم -

المستقبل العربى والرؤية الغائبة

بقلم - مصطفي الفقي

أصدرت كتابًا فى تسعينيات القرن الماضى بعنوان (الرؤية الغائبة) تركزت موضوعاته حول قضية استشراف المستقبل وامتلاك مفاتيح الغد من خلال تكوين تصور شامل ورؤية متكاملة لما يمكن أن تؤول إليه الأمور، وقد استقبل النقاد والقراء الكتاب بحفاوة أعتز بها، ولكنى وجدت اليوم بعد ما يزيد على عشرين عامًا من صدور ذلك الكتاب أننا بحاجة إلى التركيز على ما جاء فيه والإلحاح على القضايا الأساسية والمسائل المهمة التى تعرض لها، فنحن أحوج ما نكون حاليًا إلى تشكيل منظور مشترك يجمع بين أطراف المشهد الحالى فى الوطن العربى مع التركيز على قدرة الخيال السياسى والتأمل العميق فيما يمكن أن نصل إليه، وفى ظنى أن الفارق بين النجاح والفشل، بين الإنجاز والجمود إنما يتوقف أساسًا على امتلاك الرؤية أو فقدانها حتى على المستوى الفردى، فالفارق بين إنسان وآخر هو امتلاك أحدهما لرؤية شاملة ونظرة عميقة تضىء له الطريق وتسمح بفهم المتغيرات قبولًا أو رفضًا، فحكام مصر المعاصرة على سبيل المثال يسعون وفقًا لرؤية مرحلية لتغيير الأوضاع إلى الأفضل – من وجهة نظرهم – فعبدالناصر كان يرى أن حركة التحرر الوطنى والإيمان العميق بالقومية العربية يشكلان معًا الرؤية الحقيقية لمستقبل المنطقة، كما رأى السادات أن الانفتاح الاقتصادى والعزوف عن السياسة المركزية الشديدة والاتجاه نحو الغرب بأوراق اعتماد مقبولة تختلف عن سياسات سلفه هى معطيات جديدة تسمح له بتشكيل رؤية لم تكن متاحة من قبل، فى الوقت الذى رأى فيه الرئيس السيسى أن الدولة العصرية الحديثة هى مدخل الرؤية لمستقبل الوطن من خلال قوات مسلحة جادة وقوية وإصلاح اقتصادى فعال وتدعيم للأمن المصرى فى الداخل وعلى حدود البلاد فضلًا عن إيمانه بضرورة تيسير الحياة على المواطنين رغم كل المتاعب والمصاعب التى لا ينكرها أحد ولكن التحدى الجسور لدعم الوطن وتقوية أركانه هو أمر ليس سهلًا على الإطلاق وفيه معاناة وتضحيات لا ينبغى إغفالها، كما أننى أظن صادقًا أن الرئيس مبارك كان يسعى إلى تثبيت الأوضاع والحفاظ على الوطن وأرضه ومقدراته كما هى بلا زيادة أو نقصان وكانت رؤيته الحقيقية هى أنه الحارس على الوطن والموظف الأول فيه! وتلك رؤية قد نختلف معها، ولكننا لا نملك الآن الاعتراض عليها فقد رحل الرجل طيارًا عسكريًا جسورًا ووطنيًا مصريًا بكل ما له وما عليه، فقضية الرؤية إذن هى نتاج لإعمال العقل والبعد عن الأوهام حتى لو استغرقنا فى الأحلام، فالرؤية التائهة تبدو كالفريضة الغائبة التى لا نستطيع الإمساك بها أو ترديد محتواها ما دمنا لا نعمل من أجلها ونكرس التعليم والثقافة والإعلام لها ونستمد من المؤسسة الدينية ما يدعم أمرها، فالتفكير فريضة إسلامية والاجتهاد حق شرعى فى إطار الثوابت، كما أن نبى الإسلام يقول: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ليترك الباب مفتوحًا أمام سبيكة الأفكار والرؤى والأحلام التى تصنع فى النهاية الرؤية الغائبة التى نريدها، إن شابًا لديه تصور كامل لمستقبله هو بالتأكيد أفضل عشرات المرات من شاب تائه يترك نفسه لمقادير الظروف ورياح المستقبل، ونحن فى الوطن العربى يجب أن نسعى لتشكيل منظومة متجانسة من الأفكار والملاحظات التى تعين على توسيع دائرة التصور وتسمح بارتياد المستقبل فى خطوات ثابتة دون أيد مرتعشة أو أفكار مهترئة حتى تتعود الأجيال الجديدة على أن تصنع لنفسها رؤية واضحة تمضى وراءها وتعمل من أجلها بدلًا من الاستسلام للزمن مع تكرار الأخطاء فى كل مرحلة إذ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ولكن الذى نلمسه هو أن الصراعات العربية المتكررة تعيد إنتاج ذاتها أحيانًا بنفس السيناريو وبمجموعة الأخطاء التى جرت، فضرب الطيران المصرى فى قواعده ومطاراته مرتين الأولى فى عام 1956 والثانية فى عام 1967 لم تخرجنا منه إلا الرؤية العسكرية الشاملة التى مهدت لحرب أكتوبر الظافرة وأزالت عار الهزيمة ومكنتنا من الدخول إلى دائرة الانتصار وتبنى الرؤية الصائبة، ولعل ذلك كله يفسر لماذا اخترت عنوانًا للكتابة هذه المرة عن الرؤية الغائبة وأهميتها ذلك أننى أعتقد عن يقين أنه لا يمكن قراءة المستقبل إلا بتبنى مجموعة الرؤى التى تشد المجتمع بل والوطن كله إلى الأمام، وبالمناسبة فقد تكون كل هذه الأفكار حاضرة فى بعض العقول ولكن القائمين عليها لا يستوعبون مفهوم الرؤية أو تعريفها الأدق لذلك فإننا نظن مرة أخرى أن التعليم والتعليم قبل غيره هو الذى يملك مفتاح الفرج ويفتح آفاقًا لا نراها فى الأوضاع العادية، ولكننا ندركها فى إطار الرؤية المدروسة والفهم المشترك كما يجب ألا نستسلم للماضى وقصصه وأحداثه فمنه نأخذ العبرة ولكننا لا نستمد منه بالضرورة الرأى المقبول لفترة مستقبلية، فلكل زمان أوانه ولكل مرحلة رموزها ولكن تبقى الرؤية فى النهاية هى مصدر الإشعاع وشعلة الاستنارة وخريطة الطريق.

 

arabstoday

GMT 04:44 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

بحر الكعبة

GMT 04:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 19:01 2024 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

سقطات النجوم “بتوع البيبسي”!

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

GMT 03:27 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

مشروع إنقاذ «بايدن»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المستقبل العربى والرؤية الغائبة المستقبل العربى والرؤية الغائبة



 العرب اليوم - هنية يؤكد أن أي اتفاق لا يضمن وقف الحرب في غزة "مرفوض"

GMT 00:37 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح
 العرب اليوم - أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح

GMT 14:29 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

الإفراط في تناول الفلفل الحار قد يُسبب التسمم

GMT 00:29 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

نعم لغزة وفلسطين ولا للميليشيات

GMT 03:16 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

جولة في مطار بيروت لتفنيد تقرير تلغراف

GMT 06:07 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

الأهلي يعلن فوزه في مباراة القمة رسميًا

GMT 15:54 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

غوغل تجلب الذكاء الاصطناعي إلى طلاب المدارس

GMT 14:45 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

أسماك القرش تُودي بحياة ممثل أميركي في هاواي

GMT 07:46 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إصابة خطيرة لفارغا لاعب منتخب المجر في يورو 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab