بقلم - مصطفى الفقي
عرفته منذ كنا شبابًا فى الجامعة عندما التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وكنت أنا فى السنة النهائية بها، وقد تعرفت على مجموعة من الشباب الواعد، فى مقدمتهم أحمد يوسف وأسامة الغزالى حرب وعبدالقادر شهيب وغيرهم من رموز تلك الدفعة الجديدة، التى تميزت بعد ذلك فى كافة المجالات، كان أسامة الغزالى أكثر المجموعة حديثًا فى خيمة المناقشة أثناء مرحلة التدريب الفكرى والتثقيفى لمنظمة الشباب العربى الاشتراكى، وكان الموجه السياسى لمجموعتنا المحظوظة هو المفكر الراحل عبدالغفار شكر، وجرت بنا المقادير، ومضى كل فى طريق حتى إذ جاءت نكسة يوليو 1967، فقلبت الأوضاع، وحينها استيقظ الجيل كله ذات صباح على هزيمة لم تكن واردة فى أسوأ التوقعات، وقد مارست عملى بعد ذلك فى السلك الدبلوماسى، وتوزع الرفاق من مختلف الدفعات، أحمد يوسف مضى فى دراساته العليا طالبًا نبيهًا واعدًا خلقًا وعلمًا بكل المعايير، وامتهن عبدالقادر شهيب الصحافة، حتى وصل إلى رئاسة مجلس إدارة دار الهلال، بينما ظل أسامة الغزالى حرب يمارس أنشطة متعددة بمركز الدراسات الاستراتيجية ومجلة السياسة الدولية، التى خلف بطرس غالى فى رئاسة تحريرها عندما أصبح الدكتور بطرس أمينًا عامًا للأمم المتحدة، وكان أسامة قد حصل على الدكتوراة من جامعة القاهرة بدرجة متميزة.
وواصل العمل الإعلامى بنشاط ملحوظ حتى أصبح اسمه مطروحًا على الساحة العامة، فنضجت أفكاره وتعمقت ثقافته وأكسبته التجربة العملية احتكاكًا وخبرة جعلته يعيد النظر فى كثير من معطيات العصر الناصرى، محافظًا على وطنيته ومتوازنًا بالانفتاح على كافة التيارات الفكرية الأخرى، رافضًا الحواجز الموروثة والقوالب الفكرية المفروضة، مفكرًا خارج الصندوق -كما يقولون- معيدًا النظر فى كثير من المسلمات التى جاءت حقائق العصر لتدحض الكثير منها، وظلت خطوات صعوده مشهودة على الساحة الثقافية والإعلامية، وكان عضوًا بارزًا فى ميدان أصحاب الرأى ورواد الفكر، وقد انحاز بشكل حاسم للتيار الليبرالى مساندًا المضمون الوطنى فى القضايا المختلفة كاتبًا ومتحدثًا وباحثًا أكاديميًّا، تقدم للترشيح نقيبًا للصحفيين.
وتردد اسمه بقوة مرشحًا لإدارة المكتب الصحفى للرئيس الراحل مبارك، بل فكر فيه المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، ليكلفه بحقيبة الثقافة بعد ثورة 25 يناير حين تبدلت الأحوال وتغيرت الظروف، وأتذكر جيدًا ذات صباح ونحن فى اجتماع حافل لقيادات الحزب الوطنى برئاسة الوزير الراحل صفوت الشريف، الذى كان أهم سياسى فى النظام السابق، فإذا بنا نفاجأ بالدكتور أسامة الغزالى حرب يطالب بإعادة النظر فى الدستور القائم وتعديل بعض بنوده سعيًا نحو المزيد من الانفتاح السياسى وطلبًا لترسيخ بعض التوجهات الليبرالية وتعزيز الوحدة الوطنية، ولكن الحديث فى ذلك الوقت عن تعديل الدستور كان يتأرجح بين مرحلتى التحريم والتجريم، وظن الكثيرون أن أسامة الغزالى حرب بهذه المداخلة المفاجئة ينتحر سياسيًّا، وفى معظم الاجتماعات التى شهدها الحزب كان صوت أسامة الغزالى حرب هو صوت وطنى مصرى يميل إلى الابتعاد عن الشعارات المستهلكة أو ترديد العبارات الرنانة، ظهر وكأنه مصرى صميم يدافع عن أفكاره.
معلنًا أن الأوضاع قد تغيرت، وأن المواقف قد تطورت، وحان الوقت للتجديد فى الفكر والتطبيق معًا، ثم قامت ثورة 30 يونيو، التى انحاز فيها أسامة غزالى حرب ومعظم أبناء جيله- وقد بلغوا من العمر عِتِيًّا- لتلك الانتفاضة الشعبية الفريدة فى تاريخنا الوطنى، والتى لا تضاهيها إلا الثورة الشعبية عام 1919، وقد نشط د. أسامة الغزالى فى بعض الجمعيات الفكرية والتنظيمات الحزبية مع عالِم الاقتصاد الراحل د. سعيد النجار، وبعضها الآخر اقترب فيها من بعض الأحزاب السياسية عند ميلادها رغبة فى التغيير الحقيقى واستشراف المستقبل الذى تتطلع إليه الجماهير المصرية، وبدأ يكتب بانتظام عموده اليومى فى الأهرام، الذى اتخذه منبرًا مدافعًا عن الحق كاشفًا للحقيقة يتعرض فى جرأة للمسكوت عنه ويشير إلى ملفات مغلقة تحتاج إلى إعادة القراءة فى ظل أوضاعنا الجديدة، فهو ابن بيت مثقف وشجاع هو وشقيقه، أستاذ الطب المرموق، د. صلاح الغزالى، الذى يتابع ملف الصحة العامة للمصريين، مع تركيز على تخصصه المرموق لمرضى السكرى، مع مطالب دائمة بالإصلاح المستمر لقطاع الصحة العامة فى البلاد.
تحية لهذه العائلة الصديقة، وتهنئة للصديق العزيز، الدكتور أسامة الغزالى حرب على انحيازه الغالب لمصلحة الوطن والنبش الدائم فى الأمانى المكتومة للمواطن العادى فى ظل تطورات هائلة وظروف صعبة وبيئة دولية معقدة ومناخ فكرى غير مسبوق.