الجِياد الأصيلة والأجيال الرصينة

الجِياد الأصيلة والأجيال الرصينة

الجِياد الأصيلة والأجيال الرصينة

 العرب اليوم -

الجِياد الأصيلة والأجيال الرصينة

بقلم:مصطفى الفقي

وأعنى بهذا العنوان ذلك السباق التاريخى المحموم بين جِياد النقد الأدبى المصرى فى سنواته الأخيرة، فلقد عرفت صلاح فضل منذ سنوات تمتد لأكثر من أربعين عامًا، كما أنه متزوج بشقيقة قرينة سفير زميل، هو الأستاذ أسامة العشيرى، كذلك فإن جابر عصفور على الجانب الآخر كان ملء السمع والبصر، أديبًا مرموقًا، وناقدًا معروفًا، وقد كانت بينهما علاقة مستمرة عبر السنين، لا هى بالحب الخالص ولا هى بالمنافسة الحادة، فصلاح فضل يكبر جابر عصفور بعدة سنوات، وكان «عصفور» يمثل مدرسة النقد الأدبى فى كلية الآداب، إذ يُعتبر حفيدًا مباشرًا من الناحية الفكرية لرائد الاستنارة، عميد الأدب العربى، الذى كان أستاذًا مباشرًا للدكتورة سهير القلماوى، التى كانت بدورها أستاذة لجابر عصفور، ويحكى الدكتور جابر- رحمه الله- أن الدكتور طه حسين، وهم فى مكتبه، كان يقول إن «سهير» قد وصلت.

فيُدهشون كيف أدرك ذلك، وهى لم تَطُلّ مباشرة أمامه، فإذا التفسير هو أن العميد تنسّم رائحة عطرها تفوح فى الطرقة المؤدية إليه، هكذا كانت حساسية مَن فقد حاسة البصر، فأغدق عليه الله فى الحواس الأخرى، أما الدكتور صلاح فضل فقد تخرج فى كلية دار العلوم، وهى ترسانة اللغة، أحد حصونها الكبرى، واشتغل بالأدب والنقد شعرًا ونثرًا، ثم طافت به الدنيا فى إسبانيا، حيث المعهد العربى الذى أنشأه طه حسين، ثم إلى أمريكا اللاتينية، فتكونت لديه عملية تطعيم ثقافى بين الأدب العربى والآداب الأخرى، وهو أمر جرى مثيله للدكتور جابر عصفور، الذى كان أستاذًا زائرًا فى جامعات أمريكية، فحدثت له هو الآخر عملية تطعيم ثقافى بين الآداب والحضارات، ولقد كان الرائدان الراحلان فرسى رهان فى سباق النقد الأدبى يعبران نهر اللغة، التى هى واحدة من أكثر لغات الأرض ثراءً وتألقًا، وكنت قريبًا من كليهما، إما بحكم عضويتى للمجلس الأعلى للثقافة، أو بحكم رئاستى الصالون الثقافى العربى، الذى كان يشرف بعضويتهما، إلى جانب رئيس وزراء مصر الأسبق، عصام شرف، ومعظم السفراء العرب فى القاهرة، وكنت أرى التنافس الإيجابى الذى يحكم العلاقة بينهما، والتى تبدو فى ظاهرها وثيقة قوية، بينما هى فى جوهرها لا تخلو من غيرة حميدة وتنافس محمود، وكان بينهما سباق محموم فى الحصول على الجوائز العربية، فكل منهما يضرب بسهم فى اتجاه معين، فإذا حصل جابر عصفور على جائزة القذافى لامه «فضل» لقبولها، وعكّر عليه مياه النهر من منطلق سياسى، وسعى هو من جانبه إلى جوائز الخليج، التى تمتع فيها «فضل» بميزات واضحة، فقد كان رئيسًا للجان التحكيم فى بعضها شعرًا ونثرًا، وعندما وقف الاثنان أمام جائزة النيل فى الأدب تدخل القدَر، فجرى تعيين جابر عصفور وزيرًا للثقافة، للمرة الثانية، فترك الساحة ليحصل على الجائزة رفيق دربه بلا منازع، بينما حصل عليها الدكتور عصفور فى العام التالى، ونحن نرقب تلك المنافسة الشريفة بشعور بالرضا.

فالرابح الوحيد هو القارئ العربى، والباحث الأكاديمى، والمتابع النشط لحركة النقد الأدبى على المستوى العربى، وتعرض الاثنان لوعكات صحية طارئة، فرحل جابر عصفور على غير موعد، وانتقل صلاح فضل إلى رحاب ربه بعده بعام وبعض العام، وشعرنا نحن الأصدقاء المشتركين بأن نهر اللغة العذب قد فقد اثنين من جِياده الأصيلة، واللذين شغلا الساحة واحتل كل منهما فراغًا فكريًّا وأدبيًّا كبيرًا، ولقد كانت لجابر عصفور معارك جانبية مع بعض الأزهريين، وكانت لصلاح فضل أيضًا معارك موازية مع بعض الدراعمة، وكنا نرقب كل ذلك فى إثراء واستنارة يُذكراننا بالمناوشات الفكرية بين رسّام العبارة طه حسين ونحّات الفكرة عباس محمود العقاد، وبعد رحيل جابر عصفور انشغل صلاح فضل فى شؤون مجمع اللغة العربية، حتى اشتدت عليه وطأة المرض، وذهب إلى حيث لا يعود الناس، وبذلك فقدت ساحة النقد الأدبى العربى عمودين راسخين طالما قرأنا لهما وعنهما عبر السنين، والجدير بالذكر أن كليهما كان شعلة تنوير بمفهوم ليبرالى عصرى ونهج دينى معتدل، فبشّرا بالحداثة فى الفكر والأدب، وأخضعا النص الأدبى لمقتضيات العصر، ويكفى أن نتذكر أن صلاح فضل هو الذى صاغ وثائق الأزهر، التى تمت برعاية إمامه الأكبر، منذ سنوات. إنها جِياد أصيلة من أجيال رصينة.. إن الفارسين اللذين ترجلا يقفان فى خشوع أمام مليك مقتدر، حيث لا منافسة ولا صراع لأنهما سكنا فى الملأ الأعلى!.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجِياد الأصيلة والأجيال الرصينة الجِياد الأصيلة والأجيال الرصينة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab