كل من لديه أى حد أدنى من الحكمة والمعرفة والمتابعة لموازين القوى الدولية سوف يدرك أننا على أعتاب عصر قريب يبدأ فى غضون سنوات قليلة، سوف تقود فيه الصين العالم الجديد.
مشوار طويل مشته الصين منذ أن تأسست حتى اليوم، واستطاعت أن تحول الكتلة السكانية التى تعتبر الأكبر فى العالم (مليار وأربعمائة مليون نسمة) إلى إضافة وقاطرة لتنمية، بدلاً من أن تكون عبئاً وعائقاً وسبباً للتأخر.
الآن، الصين صاحبة التسعة ملايين وستمائة ألف كيلومتر مربع، هى واحدة من القوى الأعظم فى حركة التجارة العالمية والمستهلك الأكبر لكل أنواع الطاقة (كهرباء، غاز، بترول، فحم)، مما يؤشر بحجم تأثيرها على حركة التصنيع فى العالم.
الصين أكبر مستثمر ومستحوذ على سندات الخزانة الأمريكية، وهى أيضاً صاحبة أكبر قوة برية وبحرية فى العالم وعضو قديم فى النادى النووى.
وثبت أن حالة «الصبر الاستراتيجى» التى مارستها الصين على مر السنين هى نموذج يحتذى به فى كيفية إدارة الدولة العظمى لشئون العالم.
اختارت الصين عدم التورط فى حروب، واختارت أن تتعامل مع الغير بمنطق المشاركة وليس منطق الهيمنة، واستطاعت «بذكاء ودهاء» أن تجعل من روسيا الاتحادية قاطرة الاصطدام مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى الوقت الذى تقوم فيه بكين بعمل صفقات واتفاقات معهما!
هذه الصين تتأهل من الآن، وفى عهد رئيسها «شى بينج» لأن تجلس أو تنافس على مقعد رئيس مجلس إدارة العالم.
تتحرك الصين من منظور أنها وريث للإمبراطورية الأمريكية المثقلة بالديون التراكمية التى بلغت 45 تريليون دولار.
تتحرك الصين من منظور أنها سوف تكون -فى آن واحد- أكبر منتج وأكبر مستهلك على كوكب الأرض.
هذا البلد العملاق، قام رئيسه فى أول زيارة خارجية له عقب تعديل دستور البلاد وانتخابه رئيساً مدى الحياة بزيارة دولة الإمارات لتوقيع 13 اتفاقية كبرى بين البلدين.
هذه الاتفاقات ذات قيمة فى تفاصيلها، لكنها تزداد قيمة فى مدلولها الاستراتيجى، لأنها تعبر عن حكمة القيادة الإماراتية فى حسن الرهان على القوى الأعظم الصاعدة من خلال «مد جسر قوى من التعاون بين البلدين».
هذه الاتفاقات تجعل الإمارات تتحدث «صينى» وتجعل الصين تفهم هموم الإمارات وتحدياتها فى منطقة أكبر خزان نفط وغاز فى العالم، وعلى بضعة كيلومترات من أهم مضايق ومعابر للطاقة والتجارة العالمية.
تدرك الإمارات أن التعاون الاستراتيجى مع الصين مسألة حيوية وأساسية لبلد معتدل وعاقل مثل الإمارات يعيش وسط منطقة مشتعلة مجنونة، من طهران إلى صنعاء، ومن دمشق إلى بغداد.
الرؤية الاستراتيجية السليمة هى المسئولية الأساسية على عاتق أى قيادة سياسية.
تحية للقيادة السياسية فى الإمارات، وسلمت رؤيتك دائماً يا أبوخالد!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الوطن