ما أهمية دراسة التاريخ؟
هل تعود أهميته إلى مجرد تدريسه في المدارس والجامعات والإلمام بتاريخ الأحداث ومعرفة أهم شخوص المرحلة؟
الإجابة عن هذا السؤال ظهرت في أفكار العديد من الساسة المخضرمين أمثال بسمارك، ومترنيخ وغاندي وشواين لاي، ونيلسون مانديلا.
ولكن من أهم من عبّر ببلاغة وعمق عن هذه المسألة السياسي العبقري ونستون تشرتشل في كتابه «أزمة العالم world crisis» الذي كتب عن الحرب العالمية الأولى، معبراً عن مدرسة البريطانيين شديدة التحفظ في التعامل مع التاريخ، والتي تعتمد أساساً على سرد الوقائع والبعد عن الاستنتاجات النهائية.
ولكن حتى طريقة السرد الصريح للوقائع وانتقائها ومحاولة الوصول إلى ما يعرف بالحقائق هو في ذاته موقف غير محايد.
مثلاً هناك مائة طريقة لسرد ما حدث في 7 أكتوبر 2023 في قطاع غزة.
تكمن المسألة في من أين تبدأ مسألة سرد الرواية؟
هل تبدأ تاريخياً من تاريخ ما قبل العبرانيين؟
هل تبدأ بسرد الكتب السماوية الثلاثة؟
هل تبدأ عملية السرد التاريخي من قرار التقسيم أم من نتائج حرب 1948 أم لما تلى حرب يونيو 1967 أم حرب أكتوبر 1973.
هل تبدأ القصة «بأوسلو» أم بانقلاب حماس على السلطة؟
هل تبدأ باستيقاظ الإسرائيليين المدنيين العزل في مستوطناتهم «لاحظ مستوطناتهم المدانة دولياً بالإجماع» على هجوم من حماس؟
من أي زاوية نكتب التاريخ؟ ومن أي تاريخ؟ وباستخدام أي وقائع؟ وبالتغاضي المتعمد عن أي وقائع؟
حتى المتفق عليه إنسانياً والمستقر في عرف القانون الإنساني زيفت له حكومة وأجهزة نتانياهو منطقاً خاصاً بها يعمق نظرية الضحية التاريخية «أي الشعب اليهودي» مقابل الدواعش الجدد «حماس».
في سرد هذا التاريخ بدأت من الساعات الأولى عملية سرد عن وقائع وفظائع إجرامية لما قامت به قوات حماس، وحتى الآن، ورغم قوة الآلة الإعلامية الإسرائيلية لم تستطع إسرائيل تقديم أدلة مادية ملموسة تدعم نظريتها في عمليات 7 أكتوبر.
المدعوم والثابت لكل باحث تاريخي متجرد هو الشهادات «صوت وصورة» الأسرى الإسرائيليين المدنيين عقب الإفراج عنهم الذين شهدوا - بملء إرادتهم – أمام عدسات محطات التلفزيون الإسرائيلية والدولية «عن حسن المعاملة والرعاية الكاملة التي لقوها من مختطفيهم».
الدرس المؤلم للغاية الذي نتعلمه إعلامياً وسياسياً من حرب غزة «هو أن الحقيقة المجردة ليست الوقائع الصريحة التي يمكن إثباتها، ولكن ما يمكن أن تسوقه وتبيعه إلى الرأي العام حتى لو شاهدها العالم من خلال بث مباشر يومياً لمدة 90 يوماً من القتل والهدم والتشريد والإبادة الجماعية».
التسويق السياسي والقدرة والنفوذ في بيع الوهم وتزييف الحقيقة هو ورقة التأثير الأولى الآن.
رغم ذلك كله فوجئت إسرائيل برأي عام مضاد لها، هنا وهنا نقطة، نقول: ألف شكر للسوشيال ميديا.