اقتحام غزة.. لماذا كان حتمياً وضرورياً من منظور صانع القرار الإسرائيلي؟
من أفضل الإجابات المنطقية عن هذا السؤال ما سمعته وشاهدته من قبل العقيد محمد دحلان، القائد الأسبق للأمن الوقائي الفلسطيني في غزة.
قال العقيد دحلان: «إن الهجوم على غزة، من وجهة نظره، له سببان:
الأول لمواجهة التقصير الذي تم في 7 أكتوبر أمام الرأي العام الإسرائيلي ورفع العار. الثاني: كل شيء في إسرائيل هو انتخابي له علاقة بالكرسي».
ويدرك دحلان أن دخول غزة لن يكون نزهة، بل سوف يدفع ثمنها كل المحاربين من الطرفين.
ويعرف دحلان غزة عن ظهر قلب منذ أن انضم وهو صبي إلى شباب حركة فتح، بعدما نشأ طفلاً في خان يونس، وأمضى سنوات في المعتقل، ثم تطور في تنظيم حركة فتح حتى أصبح قائداً للأمن الوقائي في غزة، وصعد للجنة المركزية بالانتخاب، ثم وصل إلى الخلاف والصدام مع السلطة الفلسطينية الحالية؛ بوصفه يمثل تياراً إصلاحياً تغييرياً.
ورغم الخلاف الجذري الفكري بين ما يمثله دحلان وحركة حماس، إلا أنه اتخذ موقفاً داعماً «للفعل المقاوم» الفلسطيني؛ لأنه يدرك أن الشارع سوف يقف مع من يستطيع أن يفعل أياً من الاثنين؛ إما أن يحارب الاحتلال، أو أن يصل معه إلى تسوية نهائية.
ولا يطرح دحلان نفسه كلاعب في مستقبل غزة في مرحلة ما بعد الحرب مع «حماس»، وحينما تهدأ المدافع، ويتم طرح السؤال الكبير: وكيف سيتم التعامل مع المستقبل السياسي لغزة؟
واضح للجميع الآن فشل مشروع فصل غزة عن جسم مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة.
وواضح للجميع أن محاولة حل مشكلة التكدس الديموغرافي للسكان في غزة (360 كم يسكنها 2.2 مليون مواطن) على حساب مشروع «جيورا أيلاند»، القائد السابق للأمن القومي الإسرائيلي، بترحيل سكان غزة إلى سيناء، هي حل مرفوض مصرياً وفلسطينياً، وتم النص على رفضه بإجماع 54 دولة في قمة الرياض الأخيرة.
وأعجبني ما قاله دحلان: «لن ننتقل من غزة إلا إلى القبر».
السؤال الذي لا توجد له إجابة إنسانية أو منطقية هو: أما كان المطلوب، حسب ادعاء إسرائيل، هو كسر ونزع قدرة «حماس» العسكرية، فلماذا كل القتل والتوحش والإجرام والتعذيب والحرمان والتجويع والتشريد على المدنيين العزل، ومعظمهم من النساء والشيوخ والأطفال والرضع؟
إنه المرض النفسي المسيطر على شخصية اليمين الإسرائيلي المتطرف.
هذه العقلية التي ترى أن كل من هو غير يهودي هو شريك في جريمة السبي التاريخي للشعب اليهودي.
انضم إلى ذلك سبب اخر، هو الادعاء بأن ما حدث في 7 أكتوبر الماضي من «حماس» لم يكن رد فعل على الاحتلال، ولكن جريمة متوحشة يجب أن يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني إلى الأبد.