بقلم : أسامة غريب
البيان الذى ألقاه المجرم الهارب من العدالة بنيامين نتنياهو بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بين قطعانه المتوحشة والمقاومة اللبنانية لا يدل على حقيقة شعوره فى هذه الأيام العصيبة. لم يكن مجرم الحرب ينوى إيقاف القتال أبدًا وكان لا يعبأ بالخسائر الإسرائيلية الجسيمة فى سبيل أن ينجو من فترة السكون التى ستدفع فى وجهه بسيل من الملاحقات والأسئلة والتحقيقات التى استطاع تجنبها طيلة شهور الحرب.
ما دفعه لتوقيع الاتفاق شيئان: الأثر النفسى الرهيب الذى أحدثه قرار الجنائية الدولية التى أصدرت مذكرة باعتقاله ومعه رفيقه المجرم جالانت. نتنياهو يعلم جيدًا أنه لن يتم القبض عليه لأنه أولًا سيتجنب الدول الجادة فى تطبيق قرار المحكمة. وثانيًا، لن يشد الرحال ويسافر سوى إلى واحدة من الدول المارقة التى لا تعبأ بالمحكمة مثل الولايات المتحدة ومثل بعض دول أوروبا التى أفقدتها إسرائيل شرفها وجعلتها توافق على منح مجرم الحرب الحصانة مقابل أن يسمح لها بالقيام بدور دبلوماسى تتسوله فى لبنان!.
قرار الجنائية الدولية جعل القاتل الشرس يلين قليلًا بالقياس إلى أن موازينه قد خفّت كثيرًا على المستوى الدولى ولم يعد تبجحه يلقى الصدى المعتاد. وقد يمكن القول إن قرار المحكمة- على روعته- يتضمن هدفًا خفيًا هو عزل الوحش الذى يقود إسرائيل فى مقابل إنقاذ الوحشية ذاتها وصيانتها من أن تمس بها المقاومة أو الضغط الدولى على نحو يكسرها!.. يريدون إبقاء الدولة الضارية بأنيابها التى تنغرس فى لحم الأطفال قوية عفية، ولهذا شعروا بأن رئيس الوزراء إذا ما تم تجريمه فإنه سيسحب معه الإدانات كلها بما يرفع الضغط عن غيره من المجرمين فى إسرائيل ويصرف النظر ولو قليلًا عن عشرات الآلاف من الشهداء المدنيين الذين قتلتهم إسرائيل بتواطؤ العالم الحر!.
سبب آخر دفع الإسرائيليين إلى قبول وقف النار فى لبنان هو قدرة المقاومة على إطلاق الصواريخ والمسيرات بوتيرة لا تتوقف. لو أن جيش العدو سحق المقاومة كما كان يأمل لما أوقف ماكينة القتل قبل أن يدفن نصف الشعب اللبنانى، الذى يشكل المقاومة وحاضنتها، لكنه مع كل قدراته التسليحية المتطورة فشل فى احتلال الجنوب، ولقى مقاومة أسطورية لم تخطر له على بال.. وفى هذا الخصوص فقد شكّل يوم الأحد الدامى الموافق ٢٤ نوفمبر ألمًا مفصليًا لم تستطع دولة القتلة احتماله عندما تلقت كل المدن الإسرائيلية دفعات من الصواريخ والمسيرات التى مرت من الدفاعات الجوية بسهولة وأثارت الرعب لدى المستوطنين، وبهذا تأكدوا أن قدرات حزب الله لم تتضعضع كما كانوا يحلمون وأيقنوا أنهم بالقوة العسكرية لن يستطيعوا إعادة السكان إلى الشمال.
إسرائيل طبعًا أقوى عسكريًا مائة مرة من كل مقاوميها، ومع ذلك فإن شيئًا من أهداف الحرب لم يتحقق لها. صحيح أنها نشرت الدمار على نطاق واسع لكنها لم تكسر الإرادة ولم تدفع المقاومين إلى الاستسلام رغم القتال فى ظروف مستحيلة وسط التواطؤ والخيانة والشماتة فى الداخل والخارج.