بقلم:أسامة غريب
التنوير ممكن وليس مستحيلًا فى بلادنا المشبعة بالخرافة، ولكنه مع ذلك ليس سهلًا.
من خلال التجربة الشخصية يمكننى القول إن استخدام المنطق فى التحاور لإثبات فساد أفكار عفنة ليس هو الحل. نعم المنطق لا يكفى. يمكنك أن تحاور صديقًا متعلمًا محاولًا أن تثبت له بالبرهان أن الداعية الذى يحبه هو شخص جاهل، دجال، وأن فتاواه تأخذ المجتمع إلى الخراب.
فى البداية سيندهش الصديق ثم يطلب منك أن تأتى بالبرهان. سوف تقوم بفتح اليوتيوب وتُسمع هذا الصديق ما لذ وطاب من خطب ودروس يلقيها الداعية على جمهور من السامعين تمتلئ بتخاريف تجاوزتها البشرية مثل التأكيد على أن السبى جزء لا يتجزأ من الدين.
وأنه من الخير أن نجاهد الكفار ونأسرهم ثم نبيعهم فى الأسواق ونحصل على المال الذى يحل أزمتنا الاقتصادية، أو مثل أن علاج الحالات الصعبة لا جدوى منه والأفضل أن نتركهم يموتون ولا نعطل لقاءهم بربهم.. وغير هذا الكثير من الأفكار التى يحرض بعضها على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تحت لافتة نصرة الدين.
بعد أن يستمع الصديق إلى الفيديوهات لن يقتنع ولن يقل تعلقه بأصحاب الأفكار المؤذية وإنما سيقول لك: يعنى حضرتك لم تجد فى تراث هذا الشيخ أو ذاك الداعية إلا هذه التسجيلات وتترك كل الخير الذى قدمه للناس.
سيدفعك منطقه الأعوج إلى فتح المزيد من الفيديوهات لتثبت له أن زعيمه الروحى صاحب تراث كبير فى تسويق الجهل والخرافة وأن بضاعته الفاسدة وافرة للغاية، وأنها حتى لو كانت قليلة فهى كافية لإحداث خراب عقلى شامل بالمجتمع الذى يثق بصاحب البضاعة. عندها قد يجد صديقك أن كلامك معقول، لكن المشكلة أن معقولية طرحك ليست كافية ليقتنع. سيُحدّث نفسه بأن قدرتى على زحزحة وهز أفكاره لا تعود إلى صحة موقفى وإنما إلى نقص معلوماته هو، وسيُقنع نفسه بأن شخصًا متفقهًا عنه سيقدر بالتأكيد أن يرد على ترهاتى ويُخرسنى!. وطبعًا بعد أن يتركنى سيلوذ بأحد الذين يثق بعلمهم ليفيده فى شأنى.. ومن المؤكد أن هذا لن يقدم ردًّا منطقيًّا وإنما سينصح صديقى بالابتعاد عمن كانوا مثلى من ضعاف الإيمان خشية أن يتأثر بهم!.
ما أقوله حدث حرفيًّا مع صديق من كبار الأطباء، وخلصت من هذا إلى أن الحوار والمنطق مع العقلاء والمتعلمين لن يُجدى ليفتح عقولهم التى تصدق أن بول الجمل يشفى الأمراض، وأن الجن يتلبس الإنسان ويركبه، وأن المرأة كائن ناقص. ما الحل إذن؟. أعتقد أن نهضة مجتمعية شاملة تعيد الاعتبار للعلم قد تُجدى، لكن كيف السبيل إليها؟. ومع ذلك يجب ألا يستبد بنا اليأس، فبعض الأشقاء أظهروا قدرة على جعل الشيوخ، الذين حرموا قيادة المرأة للسيارة وحرموا الغناء والتمثيل وأثّموا السينما والمسرح، يغيرون آراءهم بالكامل، ويكاد بعضهم يصبح ناقدًا فنيًّا أو مدربًا لقيادة سيارات فى معاهد لتعليم النساء!.
ما أحوجنا إلى دراسة هذه التجربة وتطويرها والبناء عليها لأنها على أهميتها ليست كافية!.