بقلم - أسامة غريب
أثار الممثل بيومى فؤاد لغطًا كبيرًا بعد الخطبة التى ألقاها على المسرح فى موسم الرياض، ولم يكن هناك ما يبررها، فزملاؤه جميعًا ذهبوا وعادوا دون أن ينتقدهم أحد أو يشعر بهم أحد.. لكن المشكلة أن وسائل التواصل الاجتماعى التى أبدى ناشطوها غضبًا عارمًا نحو الأستاذ بيومى لم يتركوه فى حاله، وإنما حفروا وراءه واستخرجوا لقاء تليفزيونيًا استضافه فيه الممثل شريف منير.
الحقيقة أننى لا أشاهد التليفزيون منذ سنوات ولا أعرف عن برامجه إلا ما تثيره وسائل التواصل سواء بقصد المدح أو الهجوم. فى البرنامج المذكور، حكى بيومى عن أكبر مصيبة ارتكبها فى حياته الوظيفية.. فى البداية، أحاط المشاهدين علمًا بأنه كان يشغل وظيفة رئيس قسم ترميم اللوحات الورقية فى قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة إلى جانب وظيفة مدير إدارة حماية الملكية الفكرية.
ومن الواضح أن الثقة فى بيومى فؤاد كانت كبيرة بوزارة الثقافة حتى إنه شغل وحده وظيفتين على جانب كبير من الأهمية بدلًا من أن يقاسمه شخص آخر فى المسؤوليات!. قال بيومى لشريف منير وهو يضحك بشدة إنه كان يجهل أساليب الترميم، ورغم ذلك أصدر لموظفيه تعليمات خاطئة بوضع لوحة أثرية مهمة فى محلول مما أدى إلى تلف اللوحة وتخريبها تمامًا.
الأمر الغريب أن المذيع شاركه الضحك، وكذلك الضيفتان اللتان كانتا معه فى الاستوديو.. ظل الأربعة يضحكون ويصخبون ويهتزون طربًا لعدة دقائق، بينما بيومى فؤاد يحكى تفاصيل جريمة ارتكبها فى حق التراث المصرى، وهو المؤتمن عليه بحكم وظيفته عظيمة الأهمية.
الغريب فى هذا المشهد هو البساطة التى كان بيومى يروى بها ما حدث، وكأنه على ثقة بأن ما يقوله هو أمر عادى قد يثير الضحك، لكنه لا يدعو إلى أى مساءلة أو محاكمة.. والأغرب أن المذيع ومن معه كانوا على نفس الموجة مع الضيف وحسبوا أن ما يقوله جدير بالاستحسان والإغراق فى الضحك والمرح!.
عندما عدت إلى تاريخ الحلقة، وجدت أنها كانت فى عام 2018.. وقد مرت مرور الكرام، بدليل أننا لم نسمع عن محاسبة أو مساءلة أو تحقيق فيما فعله الموظف الهُمام فى لوحة أثرية.. خمس سنوات تكفلت باندثار الواقعة، فنسيها من شاهدها ولم يعرف بها من لم يشاهدها، حتى كانت الخطبة العصماء التى ألقاها الفنان على المسرح فى الرياض.
فهل هى الكارما التى تترك الأخطاء والأفعال السيئة فى حياة لتحاسب مرتكبها فى حياة أخرى؟ وهل يمكن أن يجلب الشخص بنفسه كارمته الخاصة لتكشف للناس ما فعله من قبل؟ وهل من سوء طالع المرء أن يخطئ فيستره الله فيأبى إلا أن يفضح نفسه حتى تكون سيرته على كل لسان؟.
الحقيقة أننى أتمنى أن يكون ما قاله بيومى فى البرنامج مجرد كذبة أطلقها بنيّة حسنة من أجل إثارة ضحكات الجمهور، فالكذب فى هذه الحالة أفضل بكثير من التعامل مع لوحة تراثية مهمة - طبقًا لكلامه - بكل هذا الاستخفاف.