بقلم - أسامة غريب
يثور الجدال هذه الأيام حول المقاطعة وجدواها، والمقصود هو مقاطعة الشركات التي أعلنت مساندة وتأييد الحملة البربرية الإسرائيلية لإبادة أهل غزة. ومن الواضح أن حملة المقاطعة وجدت استجابة في الشارعين العربى والمصرى بسبب الأعصاب الملتهبة جراء الشهداء الذين يتساقطون على مدار الساعة وجلهم من النساء والأطفال.
في مواجهة حملة المقاطعة على وسائل التواصل الاجتماعى ظهرت وجهة نظر طفت على سطح وسائل الإعلام تحذر من مثل هذه الدعاوى، لأنها- حسب رأى قائليها- لن تؤثر في الشركات الأم ومقارها في أوروبا وأمريكا، وإنما قد تلحق الضرر بالعمالة المصرية التي تعمل بهذه الشركات، وعددها ليس هينًا.
يقول أصحاب هذا الرأى إن الماركات أو البراندات العالمية المرجو مقاطعتها لا تحصل إلا على ثمن الفرانشايز، والمقصود به تقديم نفس المنتج مع نفس العلامة التجارية المعروفة دوليًا، وبالتالى فإن معظم الضرر سيلحق بالمستثمر المحلى وعمالته المصرية.
يثور في مواجهة هذا الطرح رأى يقول إن هذه المقاطعة وإن اتخذت شكل التأييد للفلسطينيين ولغزة المنكوبة، إلا أنها في واقع الأمر تتماهى وتتطابق مع دعوة حكومية رددتها وسائل الإعلام كثيرًا بشأن وجوب مقاطعة جمهور المستهلكين للسلع التي يرتفع ثمنها بدون مبرر، وبالنظر لمعظم البراندات محل المقاطعة نجد أن هذا المفهوم ينطبق عليها، فليس هناك معنى لأن يوجد بالسوق سندوتش دجاج بثلاثمائة جنيه، وليس هناك مغزى من وجود كوب قهوة بمائة جنيه.
وربما يكون الأوان قد آن لنعيد الاعتبار للمنطق والعقل، بعيدًا عن الفشخرة والتعلق بالماركة الأجنبية، وقد تعمل مقاطعة السلع مرتفعة الثمن بدون مبرر على ضبط السوق وخفض الأسعار وجعل الماركات الأجنبية تثوب إلى رشدها وتعرف أن كوب القهوة في المقهى البلدى أبوعشرة جنيه هو نفس ما يقدمه كوفى شوب (إكس)، وأن صورة الخواجة الأجنبى أو ماركته الملطوعة على الكوب لا تبرر مبلغ تسعين جنيه.
وهو الفرق بين الكوبين!. أما بالنسبة للعمالة المصرية فلن يلحق بها الضرر بالشكل الذي يتصوره معارضو المقاطعة، لأنه في الحالات المماثلة في كل البلاد التي مرت بنفس الموقف يحدث ما يسمى بالإحالة، أي أن العمالة لن يتم إلقاؤها في الشارع، وإنما ستتوجه شيئًا فشيئًا نحو العمل في الأماكن التي ستقدم المنتجات البديلة، فلو فرضنا مثلًا أن السوق تستهلك مليون قطعة هامبورجر في اليوم تحتاج في تقديمها للزبائن إلى عشرة آلاف عامل.
سنجد أن محلات جديدة ستدخل السوق فورًا ومطاعم قائمة بالفعل ستتوسع وتنشئ فروعًا جديدة لتجعل نفس المليون قطعة هامبورجر متاحة لتلبية الطلب، وهذا سيستوعب بالتأكيد العمالة التي غيرت فقط عنوان محل العمل ولم تتشرد كما يخشى البعض.
ثم إن هناك بُعدًا آخر للموضوع، وهو أن الجمهور المتعاطف مع أهلنا في فلسطين يريد ويحتاج نفسيًا إلى أن يقدم شيئًا بسيطًا لأشقائه المحاصرين حتى لو كان الامتناع عن التعامل مع من قالت شركتهم الأم إنها مستعدة لتقديم وجبات مجانية للجنود الإسرائيليين حتى يستمتعوا وهم يقتلون أطفال فلسطين!.