بقلم - أسامة غريب
فى خضم الحملة البربرية التى تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين فى غزة والضفة لا يجب أن نستهين بالدور الذى قامت به منظمة اليونسكو فى تأكيد فلسطينية المدينة المقدسة، أولى القبلتين وثالث الحرمين، حين نصت فى وثيقة دولية على أنّ «كل نشاط تقوم به إسرائيل، القوة المحتلة لفرض قوانينها وسلطتها فى القدس يعد غير قانونى وغير سارى المفعول». الجملة السابقة صدرت عن إيرينا بوكوفا البلغارية التى ترأست اليونسكو من 2099 إلى 2017. وربما يفسر مثل هذا الموقف الشريف كيف أن بعض الدول الكبرى لم تتردد فى الانسحاب من اليونسكو مثلما فعلت الولايات المتحدة التى خرجت من المنظمة عام 1984 قبل أن تعود فى 2003، وبريطانيا التى انسحبت فى عام 1984 وعادت فى 1997.. وقد كان الغضب سببه خروج اليونسكو عن الطوق وتبنّى مديرها مختار أمبو، السنغالى الجنسية، سياسة المدافعة عن التنوع الحضارى وفتح أفق النقاش الحر حول حقوق الإنسان ونزع السلاح ووقف برامج التسلح النووى. ويلاحظ بالنسبة للوظائف الدولية كمنصب السكرتير العام للأمم المتحدة أن الدول الاستعمارية الغربية الكبرى لا تدفع بأحد أبنائها إلى شغله، هذا على الرغم من النفوذ الطاغى لهذه الدول بالمنظمة وقيام الولايات المتحدة بامتطائها وتسخيرها للعمل على خدمة أهدافها. لقد تركوا المنصب يذهب ليوثانت (بورما) وبيريز ديكويار (بيرو) وكوفى عنان (غانا) وبطرس غالى (مصر) وبان كى مون (كوريا الجنوبية) وجوتيريش (البرتغال).
لماذا ومعظم هذه البلاد تنتمى للعالم الثالث وتأثيرها محدود فى السياسة الدولية والاقتصاد أيضاً؟ ولماذا الأمر نفسه ينطبق على منظمات الأمم المتحدة الأخرى كمنظمة الفاو ومنظمة الطيران المدنى الدولية ومنظمة اليونسكو ومنظمة اليونيسيف؟. أعتقد أن لهذه المنظمات دورا معلنا ومكتوبا فى ميثاق الأمم المتحدة يسعى لدعم السلام والحرية والعدل لكل دول العالم، وهناك دور خفى غير مكتوب يتمثل فى تكريس هيمنة الدول الكبرى على العالم. هنا يظهر واضحا للعيان أن ما يهم دول الغرب ليس أن يشغل الكرسى أحد أبنائها، وإنما أن يكون شاغل الكرسى واعيا لحدود دوره وألا ينسى نفسه ويصدق أنه مدير بحق وحقيق، ولعل الحيرة التى يعانيها الأمين العام الحالى تجد تفسيرا بعد أن زار غزة ورأى بنفسه الفظائع والأهوال التى تتعرض لها، ثم أدرك أنه لا يملك سوى المناشدة والشجب والإدانة اللفظية، وحتى هذه أغضبت القوى الكبرى وجعلت الإسرائيليين يهددونه ويطلقون فى وجهه الإهانات!. ولعل الشراسة والغل والوحشية التى تبديها الدول الصناعية السبع فى مواجهة الفلسطينيين تعود إلى الخشية من أن يتشكل نظام عالمى جديد نتيجة للحرب فى غزة، وكذلك للحرب فى أوكرانيا وهو الأمر الذى يسحب النفوذ الغربى من المنظمات الدولية ويجعلها تتطابق فى أداء مهامها مع المنصوص عليه فى ميثاق إنشائها، أى أن تكون منصات للعدل والحق والحرية والمساواة، وعندها لا بأس أن يتولى أمرها أمريكى أو بريطانى أو فرنسى بشرط أن يعمل طبقا لنظام جديد أكثر مصداقية وعدالة وهو ما تخشاه وترتعب منه أمريكا وحلفاؤها؟