«سيدي الخَرْفان»؛ سكر فضّي

«سيدي الخَرْفان»؛ سكر فضّي!

«سيدي الخَرْفان»؛ سكر فضّي!

 العرب اليوم -

«سيدي الخَرْفان»؛ سكر فضّي

بقلم - حسن البطل

. وندعو الجدّ «سيدي»
وجدّي يخسر سيادته في أول المنفى، فلا قروش لأحفاده الشياطين في عبّ ديمايته/ قمبازه. وربطت النكبة لسانه، فلا يستجيب لتوسلاتنا: «سيدي - يا سيدي هات حكاية الشاطر حسن».
الآن، أعرف لماذا كان ينتهرنا، بلسان عييّ ويد مرتعشة لا تفارق باكورته: «روحوا تخيّبوا، الشاطر حسن مش عندي».
سيدي حسين «أبو مصباح»، وأبي مصباح هو «أبو حسين». مصباح أكبر أولاد حسين الثلاثة، وحسين أكبر أولاد مصباح الأربعة.
أحياناً، كان «سيدي حسين» يخصني ببوسة. سيدي حسين انفطر قلبه في سيلة الظهر، بعد الخروج من «طيرة حيفا» على ما يفطر القلب حقاً: شقيقه عيسى البطل، وقلب شقيق الجد انفطر على أصغر أولاده، وكان اسمه حسن.. أو انفطر قلبه لما أسمعه الابن للأب.. في سيلة الظهر، حيث دفنـّا «عيسى البطل» الأسطوري.
***
إذا خرف عقل سيدي حسين، وعيي لسانه، وريّلت بوساته على خدّي، فإن عينيه كانتا بصّتي جمر لما في صدره من حريق.
كنّا نلعب الطابة، وكانت عادته أن «يحلّس» بظهره على الجدار، وبكلتا يديه يمسك باكورته. وكان الملعب نهاية زاروب بلا منفذ.. نرجوه أن يبتعد إلى الجهة المفتوحة من الملعب. عبثاً. كيف يقوى الجد على الوقوف على ثلاثة: قدميه الواهنتين وباكورته.. دون أن يسند ظهره إلى الحيط.
منذ أن روى لي سيدي حسين قصة الشاطر حسن، صرت الوحيد، من بين أحفاده الذي لا يغنّي هازلاً: «سيدي الخرفان».
كان عيسى البطل صنديد حرب، يداً من أيدي عز الدين القسام، ذراعاً ضاربة في «الكف الأسود» 1936، وفي قتال 48 خضع لشرط الخروج وشرط القتال. كان قد تعدّى الـ 60 هو وشقيقه عيسى. فمن يرعى قطيع الأولاد والنساء.. غير الجد، لأن الآباء بقوا في ساحة الحرب.
أولاد عيسى وحسين الكبار (وبعض أحفاد حسين) حاربوا ثلاثة أشهر في «جيب الطيرة العربي» حتى سقط في 16 تموز 1948. شهران تحيط إسرائيل بـ «فلسطين طيرة حيفا» من الجهات الأربع!
***
سمع جدي حسين كلاماً قاسياً جداً من ابن شقيقه عيسى.. وكان اسمه حسن: «أنت يا بوي؛ وأنت يا عمي، كنتم تجيبوا السلاح من الشام، وإسّا تروحوا الشام مبهدلين، مجرجرين هالأولاد والنسوان.. لا والله، الموت في الطيرة مع الشباب أرحم». خطف حسن «مرتينة» أبيه عيسى الأسطوري.. وعاد إلى القتال في الطيرة.. لم يصل.. ولم يعد، كان على حافة سن الرجولة، عمره 41 عاماً. لو كان أكبر قليلاً لبقي محارباً؛ ولأنه كان أصغر قليلاً فقد خرج مع «الختيارية والنسوان والأولاد». عاد ليموت.. موفراً على نفسه رؤية «سيدي الخرفان»!
- «احكي لنا يا سيدي حكاية الشاطر حسن».
- «يلعن أبو سيدكم.. روحوا من وجهي. تخيّبوا».
.. ومن يوم حكى لي سيدي حكاية «الشاطر حسن»، صرت أنتهر الأولاد (كنت أكبرهم): «اللي بيضايق سيدي أضربه بوكس.. أوعى واحد منكم يغني: سيدي الخرفان!».
.. وعمتي بدرية، رحمها الله، ماتت بعد أبيها وهي لا تعرف السرّ. «سيدك خرفان.. خرفان. أبعثه للدكان يشتري السكر للشاي، فيشتري سكر نبات (فضّي)».
كلا، لم يكن خرفاً - اكتشفت لاحقاً - كانت القروش قليلة، وكان يرضى لنفسه أن يشرب الشاي محلّى بقطع «السكر الفضي».. وكان يتعمّد «الخرفنة»، لأنه كان يلقمنا ونحن نلعب بالحلوى الوحيدة لديه: قطع من مكعبات السكر الفضي.
إذاً، كان سيدي يعرف أن شيطنة الأولاد وراء الطابة تحتاج بطاطا، وتحتاج سكراً فورياً. وكان يقف وقفته العاجزة إلى الجدار.. فإذا تعبنا صاح بنا: «روح اشرب يا ولد»، فإذا شربنا «تعال خذ سكر».
***
لا قروش في عبّ ديماية سيدي. القروش قليلة في أيدي أولاده (آبائنا). كان إخوتنا الكبار يدسّون، خفية، مصروف البيت في جيوبهم. أخي الكبير «يشحّذ» أبي؛ وأبي «يشحّذ».. سيدي.
ذات يوم، في الطريق إلى دار عمي قاسم، بكيت لبكاء ذلّ الختيارية الخرفانين تحت وطأة النكبة. أرسلني أبي برسالة إلى شقيقه قاسم (كان أولاده يدسّون المصروف، خفية، في جيوبه)، على الطريق فتحت المكتوب. كان عتاباً مهذباً من الشقيق للشقيق حول مصاريف... سيدي. ومن اشترى له ديماية جديدة، ومن عليه أن يشتري له مشّاية جديدة، أو باكورة (إلا الباكورة.. فقد رفض جدي أن يستبدلها بأخرى جديدة). خرج بها، وسيموت.. ويتركها.. هي وتلك الساعة طويلة السلسلة.
***
كان يقف إلى الجدار ساعات، ثم ساعة.. ثم صار يقتعد الأرض.. وأخيراً، لزم غرفته أو (الخُشّة). مات سيدي خرفاً تماماً. كانت النكبة «عفريتة» سوداء في عمرها السابع عندما مات، وكان سيدي في عقده الثامن.
أذكر وقفته إلى الجدار. ديمايته. باكورته. طريقة القبضايات في انتعاله حذاءه. أذكر جمرة عينيه الغاربتين. أحسّ دموع عينيه على خدّي عندما روى لي «الشاطر حسن» حسب روايته هو. شيء واحد نسيته كلياً: قرفي الطفولي من بصاقه الذي «يريّل» من فم أدرد (بلا أسنان).
***
«حق العودة أو التعويض»؟
من يعوّض سيدي ذلّ السنوات الأولى من النكبة؟! ماتوا «خرفانين»!.     
حسن البطل
                                                                                     
* من قديم حسن البطل 8-7-1999

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«سيدي الخَرْفان»؛ سكر فضّي «سيدي الخَرْفان»؛ سكر فضّي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab