بغل يفهم «قانون الاستطاعة»

بغل يفهم «قانون الاستطاعة»

بغل يفهم «قانون الاستطاعة»

 العرب اليوم -

بغل يفهم «قانون الاستطاعة»

بقلم - حسن البطل

بغل ذكي، يفهم، بالسليقة، ما تيسر له الفهم من قوانين الجاذبية، التي تستبعد بعض قوانين الحركة.
لذلك البغل، وللبغال كلها «ايطلا ظبي» كما قال امرؤ القيس، ولكن ليس لأي بغل «ساقا نعامة». 
امرؤ القيس فارس شاعر، أو شاعر فارس، وأما ذلك «الطنبرجي» الذي يسوط «أيطل البغل» فهو فلاح على الأغلب، أو ربما حراث صار، في زمن حواجز الحصار، يتكسّب بنقل الناس المتعبين بين الحاجزين.
على الحواجز ينحط الجنود إلى قطّاع طرق، وينحط الحنطور الملوكي إلى طنبر العوام، والحوذي إلى طنبرجي.. لكن البغل يبقى بغلاً.. قد يفاخر الحصان، والده غير الشرعي، بأن فخذيه (ايطليه) تليقان بعضلات بطل العالم في كمال الأجسام .. وقد يغار لأن ساقيه ليستا في دقة «ساقي النعامة» التي كانت لفرس امرئ القيس.. ولا حتى في دقة ساقي الحمارة، والدته غير الشرعية.
بغل ذكي، أكثر ذكاء من «الحصان الحديدي»، أو السيارة. قبل المنعطف، يضطر سائق السيارة إلى كبح السرعة عن طريق ناقل السرعة (الغيار بالعربية أو «الغير» بالفرنجية، كما الكحول بالعربية.. وغير العربية).
قبل نزول منعطف الحاجز، يغير البغل، دون حاجة إلى سوط الحوذي، سرعته من المشي، أو الخبب، إلى العدو، وبعد صعود المنعطف يغير سرعته من العدو إلى الخبب.
يتسابق «الطنبرجية» بين الحاجزين، كما يتزاحم السائقون، خارج الحاجزين، على الدور، عن حق وعن زور. 
البغل يفهم الطريق و«قانون الاستطاعة» أكثر من صاحبه العاقل، أو يفهم صاحبه أكثر مما يفهمه صاحبه. أول دروب البشر شقتها حوافر الدواب، أو أظلاف القطعان.
يتظاهر البغل الكهل بالأدب الجم، ويفسح في الطريق للبغل الشاب. لكنه، في الواقع، لا يحيد عن أدب.. إلا لأنه مدفوع بذكائه الغريزي، الذي صقله العمر والتجربة، فالطريق المستقيم أقصر الطرق، حقاً، لكن بعض «التعرجات» الخفيفة تشكل تحالفاً مع قانون الاستطاعة: أقل جهد لصعود درب معبد، مع أقل تبديد للطاقة.. لأن سنابك البغل (والحصان والحمار) تنزلق على إسفلت الطريق.
لو أن هذا السيد الفراهيدي عاصر زمن الإسفلت تحت سنابك الخيل والبغال، لربما أضاف لذكاء الدواب الفطري بحراً آخر غير بحر يتيم هو بحر «الخبب». 
لو أن السيد الفراهيدي عاصر زمن «الكاسيت» لأضاف إلى بحور الشعر من تناغم الإيقاع بين صوت سنابك البغل، على طريق - حاجز سردا، وصوت «الدبكة» وموسيقى «الشبابة». 
الناس تدبك عدواً وتدبك خبباً! 
معظم الطنابر التي تجرها البغال على دروب الحواجز زمن الحصار، مزودة براديو كاسيت، تصدح بإيقاع الدبكة، ربما لأن هذا الإيقاع يطرب آذان الركاب والدواب أيضاً، ويستحث البغل على مراودة قانون الاستطاعة... ما استطاع.
لا يجفل البغل لو «طرقع» الحوذي بسوط يستحثه على نقل سرعته من الخبب إلى الجري. 
كان الفارس المقنّع «زورو» فارس طفولتنا، فهو يرسم بكرباجه الطويل والرشيق حرف Z، وكان طرزان بطل طفولتنا، فهو يتنقل من شجرة إلى شجرة، موظفاً قانون الجذب المركزي وقانون الطرد المركزي.
.. وفي شبابنا جعلنا كوستا غافراس يساريين زيادة عندما صنع لنا فيلم Z عن الاغتيال السياسي، عن الطغاة والأحرار. وعن الإمبريالية والشعوب الثائرة.
كرباج الطنبرجي مجرد سقط متاع من أنبوب بلاستيكي أسود يستخدم في البناء الحديث، بديلاً لأنابيب معدنية، وأما «القيود» التي يكبل بها جنود الاحتلال أيدي الناس، فهي استخدام، مبتذل وجهنمي، لأدوات ربط الأسلاك في البناء الحديث بعضها إلى بعض.
على تلك الحواجز مارس الجنود قانون الاستطاعة الخاص بهم الذي هو القوة، وعليها مارس الناس قانون الاستطاعة الخاص بهم.. الذي هو سعة الحيلة.
... وأما البغال، وحيوانات الجر، فهي التي جعلت «قوة الحصان» مقياساً من مقاييس قانون الاستطاعة، بغل بقوة حصانين في غياب سيارة بقوة 18 حصاناً.
راكباً على الطنبر الذي يجره بغل قوي، أو بغل هرم، مجرب وذكي، اكتشفت أن ظهر البغل «يتلوى قليلاً، كما يتلوى ظهر الفقمة في ماء البحر. هذه طريقته التكتيكية في تطبيق جانبي لقوانين الاستطاعة.. وأما مصممو السيارات التي لا تتلوى، فقد احتالوا بالشكل الانسيابي، ووضعوا له معادلة ميكانيكية، أو «ايرودناميك».
ما الذي تغير؟ كان الحوذي الماهر يرتقي إلى درجة «كونستابل» أيام حروب الممالك على ظهور الخيل.
وأما الجندي المحتل فقد انحط، بعد تعادل «قانون الاستطاعة» الاحتلالي مع «قانون الاستطاعة» المضاد للاحتلال.. إلى مجرد قاطع طريق.

حسن البطل

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بغل يفهم «قانون الاستطاعة» بغل يفهم «قانون الاستطاعة»



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
 العرب اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab