عن الأديان والحضارات

عن الأديان والحضارات

عن الأديان والحضارات

 العرب اليوم -

عن الأديان والحضارات

بقلم - حسن البطل

أثار الصديق عامر بدران نقاشاً حول جانب يراه في ما يميّز الديانات الإنسانية، قبل السماوية، عن الديانات السماوية ـ التوحيدية، وهو مكانة البصر في الأولى، ومكانة السمع في الثانية. في الأولى كانت علاقتها مع الرب ـ الخالق: أراك فأعبدك، وفي الثانية علاقة سمعية ـ بصرية: أعبدك ولا أراك!
للآلهة، في الديانات الإنسانية، تماثيل منحوتة أو صور تُرى فتُعبد، وفي الديانات السماوية ـ التوحيدية يعبدون إلهاً واحداً "لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد". القرآن الكريم "تنزيل من الرحمن الرحيم" على الرسول عن طريق الوحي. هذا في الإسلام التوحيدي أو في اليهودية دون الوحي وسيطاً، وموسى "كليم الله"!
يمكن الاتفاق مع ذلك، لكن هل يفسّر هذا لماذا يتذوّق البعض اللوحة والنحت والفن التشكيلي الحديث، ولماذا يتذوّق البعض الآخر أكثر الطرب والسماع.
هل العرب، التي هي "أمّة اقرأ لا تقرأ" هي: الأذن تعشق قبل العين أحياناً، وتبايع "على السمعِ والطاعة" وفيها من يدعي أن "الديمقراطية" ضربٌ من الكفر.
الحواس البشرية خمس، لكن يُقال: "ملء السمع والبصر" ولا يُقال: ملء الشمّ والبصر مثلاً؟ حسب نظرية التطور الداروينية، كانت حاسّة الشمّ والسمع ما قبل الإنسان المنتصب هي الأهم، لأنه كان أقرب إلى أديم الأرض، كما كان أرهف في حاسّة السمع وسط غابات ونباتات ملتفة، تحول دونه ورؤية الحيوانات الكاسرة.
ما لا يمكن الاتفاق عليه مع الصديق عامر، هو أن الأمم والشعوب التي تقدم "البصر" على "السمع" تقدمت بسبب ذلك، بدلالة نهضة الحضارات القديمة ـ المتجددة في الصين والهند بالذات أو مثلاً.
الحضارة الأوروبية الحالية، ذات الجذر الديني "البصري" تابعت تراث الحضارة البيزنطية والرومانية، ووضعت تماثيل ولوحات بشرية للسيد المسيح، خلاف ما في الديانتين التوحيديتين: اليهودية والإسلامية، وإلى حدٍّ ما خلاف المذهب المسيحي ـ البروتستانتي".
لماذا لا توجد في الفن الإسلامي، ذي فن المنمنمات الدمية مثل مايكل أنجلو؟ ربما نرى بعض السبب في ما جاء في الآية (4) من سفر الخروج: "لا تضع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورةً ما ممّا في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض.. لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ".
"التنزيل" في الإسلام، وصحائف موسى في اليهودية، لكن في المسيحية أربعة أناجيل كتبها بشر من أتباع السيد المسيح، تسمّى "العهد الجديد" وما قبلها "العهد القديم"، وهذا ما يجعل الحضارة الأوروبية ـ المسيحية أقرب إلى "البصر" والديانتين اليهودية والمسيحية أقرب إلى "اقرأ يا محمّد؛ اسمع يا إسرائيل".
لم يعد الفنّ البصري مرذولاً في الدول الإسلامية، ونصب جواد سليم في قلب بغداد، والسينما الإيرانية وريادة مصر للسينما العربية دليل على ذلك، كما عناية مصر بالحضارة الفرعونية، والعناية بالحضارات القديمة في العراق وسورية وفلسطين.
إذا كان السواح يذهبون إلى إيطاليا لرؤية "الأكروبول" فإنهم يذهبون إلى إسبانيا لرؤية الحضارة العربية ـ الإسلامية.
لأحد الفلاسفة الإغريق الكبار أن يقول: الحمد للآلهة التي خلقتني ذكراً لا أُنثى، أثينياً لا إسبارطياً. إغريقياً لا بربرياً" لذلك ذهبت الحضارة الإغريقية إلى الشرق، لأن شمال أوروبا كان "بربرياً".
العرب، آخر الحضارات القديمة التي تبحث عن طريق الانبعاث (من مدنيةٍ سَلَفَت..) متخلّفون ليسوا لأنهم حضارة السماع الشفهية، بل لأسباب أخرى غير الإسلام والسمع، والحضارة الأوروبية ـ المسيحية أسبابها غير الفنّ البصري، وتجده الحضارة القديمة الصينية والهندية أسباباً، أيضاً.
الشعوب تتغير، والسويديون المسالمون غير الفايكنغ المتوحّشين، والسويسريون غير مرتزقة حروب الباباوات، واليابانيون غير الكاميكاز والساموراي.. ألم يكن المغول برابرة، ثم أسلموا وبنوا حضارة منها "تاج محل" مثلاً.
لعلّ الحضارة الإسلامية آخر الحضارات، ولذلك فإن تجدّدها ونهضتها ستكون آخر الحضارات المتجدّدة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الأديان والحضارات عن الأديان والحضارات



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab