لا هـواء على التلّـة

لا هـواء على التلّـة

لا هـواء على التلّـة

 العرب اليوم -

لا هـواء على التلّـة

حسن البطل
يقلم - حسن البطل

على تلّة النبي صموئيل، بالأمس، تذكّرت تلّة أخرى.. ورجل دين لا يذهب إلى النسيان. صيف العام قبل الفائت، صعدت مع صلاح التعمري تلّة ذلك الـ «هيردويوم» جنوب بيت لحم بضعة كيلومترات. هو راح يدور بعدسة كاميرته دائرة كاملة. يستطيع، هذا العام، أن يكرّر عمله، ويقارن صور الشريط بصور الشريط.. عن تقدّم طوق الاستيطان.

الهواء على التلّة، شمال القدس، كالهواء على التلّة جنوب بيت لحم. لكن أفق النبي صموئيل يبدو «مربدّاً» أكثر بالمستوطنات. كانت مرّتي الأولى للمكان، ولذلك «الوقف الإسلامي» الذي جدّده المجلس الإسلامي الأعلى في القدس سنة 1953، كما تقول لوحة شبه فسيفسائية على مدخله.

مرافقنا د. سعادة الخطيب، المدير في وزارة الإعلام يعرف المكان (كما كان) كما يعرف صورة فوتوغرافية لوجهه قبل عشرين عاماً. أيضاً، يعرف العقيد التعمري مسالك قرى جنوب بيت لحم.
يمكن أن يأتي هذا الانقباض إلى صدرك، على الرغم من الهواء العليل على التلَّتين، لأنه يمكن للقلب أن يتغذّى بأكسجين العقل. العين نافذة العقل، والعين لا ترى - بعد شروحات سعادة الخطيب - سوى تلالٍ تتربّع عليها مستوطنات: «نطاف»، «حمشاه»، «غفعات هارادار» التي تطبق على «بدّو»، بينما أجهزت «غفعات زئيف» على أنفاس «بيت سوريك».. وتقريباً أطبقت على عنق «بيت إكسا».

من مسجد/ مقام النبي صموئيل، أشار دليلنا بسبّابته: «هناك أراضي عائلة أحمد عبد الرحمن».. وإلى أبعد أشار إلى أراضيه هو. إلى تلة النبي صموئيل كانت الانتفاضة صعدت، وتركت بصماتها قويّة جداً على بيوت متناثرة تعيسة جدّاً. تعاهد القدس، ولا تنسى حيفا ويافا.. ودم الشهداء. أيضاً، الجرافات صعدت وجعلت أسنانها وجنازيرها بيوتاً كالأكواخ، كأنها أكواخ مسكونة. أصحاب البيوت المهدومة أعادوا «تكويم» بعض الحجارة الصحيحة، وترتيبها لجولة أخرى بين البناء المخالف وجرّافة الهدم والعقاب!

ماذا يرتّبون من مصير لـ «بدّو» و»قطنّة»؟ هل سيعتبرونهما (مثل الرام)، بمثابة «قدس خارج القدس» بينما يمتد نطاق «القدس الموحّدة» إلى «غفعات زئيف»؟ لا بدّ أن الطرق الالتفافية ستخترع الجواب كما يريده الإسرائيليون، الذين التفُّوا غرباً إلى بلدات إسرائيلية غرب القدس، ليجدوا مبرّراً لربط «معاليه أدوميم» بالقدس، من وراء ظهر «أبو ديس».

ونحن ننزل تلة النبي صموئيل، زادنا الولد سامي قهراً على قهر. سأل أباه الفلسطيني بالبلغارية (لغة أمّه): لماذا لا تبنون منتجعاً على «التلّة الخربانة» مثلما يفعل اليهود في الجوار؟ وستكونون أعلى من المستوطنات؟

في الطريق إلى بيت إكسا راح د. الخطيب يحدِّثنا بما قالته زوجته الروسية (أستاذة الرياضيّات) عندما زارت أراضيه المصادرة. يحصل أن أجنبياً قد يطلق كلاماً شديداً ضدّ اليهود. حصل هذا مع آنا (البريطانية - اليونانية) زوجة أحمد سيف (ابن المسمية السليبة، ثم ابن عقبة جبر.. المحتلة فالمحرّرة). وها هو الولد سامي - نصف البلغاري - يكاد يصبح كارهاً لليهود.  

لم يشفع «الكوشان» في حماية أراضي صديقنا، والناس لم تكن «تطوّب». والفارق بين هذا وذاك، كالفارق بين اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية.. وبين عدم اعترافها بالدولة الفلسطينية المزمعة.

في أراضي د. سعادة الخطيب المصادرة سألناه: هل زرعت الصنوبر؟ أجاب: زرعت 200 غرسة زيتون في سنة واحدة.. فأتت عليها - بعد حزيران - أسنان الغزلان، التي برمجوها (أو برمجها ربك) أن تقتات ورق الزيتون، وتعفّ عن ورق الصنوبر. نسيت الرجل الذي قلت إنه لا يذهب إلى النسيان؟ إنه المطران «هيلاريون كبوجي» الكاثوليكي الفاتيكاني، الذي ضبطته إسرائيل، في رأس الناقورة، مطلع سنة 1975 وهو يهرّب السلاح إلى الفدائيين من لبنان إلى فلسطين.

أثناء محاكمته، رفض أن ينظر إلى وجوه قضاته، ورفع صلاته إلى يسوع: «إذا نظرت - يا سيدي - من عليائك ستجد مدينتك المقدّسة سبية وأسيرة كما تركتها قبل ألفي عام». ربما لم ير ذلك المطران كيف صارت القدس تبدو من تلّة النبي صموئيل، ومن تلة «هيروديوم» المنسوبة إلى الإمبراطور الروماني الشهير.

بعض سفوح تلال بدّو وقطنّة تبدو كما في الأفلام عن «حمّى الذهب» مدرّجات ومصاطب صفراء أو بُنِّيَّة، ولكنها ليست مناجم، وإنما بُنية تحتيّة لمستوطنة «غفعات هارادار». بالفعل يوجد عامود طويل جداً بعين كهربائية غمّازة، كأنّه يسخر من مئذنة مسجد/ مقام النبي صموئيل.

.. وعلى جدران بيوت مهدومة في النبي صموئيل شعارات شباب الانتفاضة تعاهد القدس، وحيفا ويافا.. ودم الشهداء. أما الطريق إلى بدّو وقطنّة فهو ينتظر «بكدار».. ولكن ليس على لوحة معدنيّة عن مشروع طريق حقيقي ما زال مشروعاً، بينما تعمل جرّافاتهم من الصباح إلى المساء في نهش أرضنا.. عيوننا وقلوبنا، وحرمان العقل من أكسجين الهواء.

 

arabstoday

GMT 02:32 2024 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

صدّام حسين: رُبّ قومٍ ذهبوا إلى قوم!

GMT 00:43 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

الخسارة في السفارة وفي النظرية

GMT 01:41 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

«داعش» ليس أداة استخباراتية

GMT 01:44 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

الدولة اجتماعية ولو بمقدار

GMT 01:23 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

الاغترابُ: المفهومُ الفلسفي والواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا هـواء على التلّـة لا هـواء على التلّـة



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:30 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

إسرائيل تعتقل 40 فلسطينيا في الضفة الغربية

GMT 18:04 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 يضرب ولاية توكات شمال تركيا

GMT 02:31 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

سماع دوى انفجارات في أصفهان وسط إيران

GMT 06:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

تحطم طائرة في إحدى أقاليم جنوب روسيا

GMT 14:32 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

الحرس الثوري يهدد بمراجعة عقيدة إيران النووية

GMT 08:00 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

تركيا ترفع حالة التأهب بعد ضربة الزلزال
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab