ذات التوصيفات الأربعة

ذات التوصيفات الأربعة

ذات التوصيفات الأربعة

 العرب اليوم -

ذات التوصيفات الأربعة

بقلم - حسن البطل

سأضيف من عندياتي توصيفاً رابعاً لبلادنا فلسطين. هي في التوصيف الديني: الأرض المقدسة. هي في التوصيف التوراتي: «أرض اللبن والعسل». أما في توصيف الجغرافيين الألمان فهي «القارة الصغيرة» لتنوع بيئاتها الجغرافية والأيكولوجية وغطائها النباتي. هي، رابعاً، أرض الينابيع. لماذا؟
هل حباها الله، أو حبتها الجيولوجيا وعلم طبقات الأرض، بأن تكون جبالها الأقرب للتلال، أو تلالها الأقرب للجبال، بأن تكون ذات طيات وتطبقات صخرية مائدية، خلاف معظم جبال بلاد الشام ذات الطيات الالتوائية. الأولى تكثر فيها العيون والينابيع، والثانية، كما في لبنان وقسم من سورية تمتاز بينابيع قليلة لكن غزيرة تتشكل منها أنهار دائمة الجريان، كما في لبنان بشكل خاص.
تبعاً لذلك، فإن التجمعات البشرية الأولى في القرى الفلسطينية، وبشكل خاص في الضفة الغربية، أقيمت حيث تتوفر عيون وينابيع. ويشمل هذا حتى التجمعات البشرية الأكبر، التي تطورت، لاحقاً وحالياً، إلى مدن، خاصة بعد عصر الكهرباء، بما مكّن من جرّ المياه من الينابيع والأنهار والبحيرات إليها، وصارت معظم التجمعات القروية والمدينية تتمتع بشبكات مياه جارية، بدلاً من الاعتماد المطلق وشبه المطلق على مياه الينابيع والعيون لنقلها للشرب وسقاية المزروعات، وإرواء قطعان الحيوانات من برك بناها البشر القدماء أمام الينابيع والعيون.
إلى ذلك، ابتكر الناس حفر الآبار في الصخر لجمع مياه الأمطار مؤونة فصل الشتاء البارد للشرب في فصل الصيف الحار، أو جمعها في برك لسقاية المزروعات، وخاصة في الوهاد التي بين التلال والجبال.
تنتمي بلاد بعل إلى المناطق الجغرافية نصف الجافة، مع ذلك فإن مجموع التساقطات المطرية فيها، خلال فصل الشتاء، لا تقل عنها في بعض البلاد الأوروبية التي تتمتع بتساقطات تتعدى فصل الشتاء، فإن معدل الأمطار في رام الله والقدس لا يقل عن معدلها في باريس ولندن.. لولا عامل التبخُّر في فصل القيظ.
فرط نمو الكثافة البشرية في الأرض المقدسة، التي صارت «مكدّسة»، كما في عموم جوارنا الإقليمي، وكذا حتى في العالم، صار يطرق أبواب احتمالات نزاع المياه، أو حتى حروب المياه العذبة، التي تشكل لا أكثر من 1% من كوكبنا المائي الأزرق، والباقي مياه البحار المالحة، القابلة للإعذاب بكلفة باهظة.
الاحتلال الإسرائيلي للضفة له جانبه المائي، أيضاً، فلولاه لكانت الأحواض المائية فيها كافية لاجتياز أعوام من سنوات الجفاف، إن سمحت إسرائيل ببناء سدود ركامية على الخوانق الجبلية، لكنها بنت الكتل الاستيطانية على مكامن الأحواض المائية الكبرى، وتنتج ما يعادل 75% من المياه الجوفية، ولا مقارنة بين حصة الفرد الفلسطيني من المياه وحصة الإسرائيلي أو المستوطن، وحصة القرية الفلسطينية وحصة المستوطنة التي لا تعلو سقوفها براميل خزانات كالتي تعلو بيوت القرى والمدن الفلسطينية، التي تتلقى إمدادات المياه يوماً أو أياماً محدودة في الأسبوع.
إلى ذلك، فإن المستوطنات تشن ما يشبه حرباً للسيطرة على ما يمكن من الينابيع والبرك المائية، وجزء من صراع قرية النبي صالح مع مستوطنة «حلميش» يتعلق، أيضاً، بالسيطرة على نبع للقرية الفلسطينية، ويضطر القرويون في العديد من المناطق لتشكيل فرق حماية الينابيع من تعديات المستوطنين.
نشرت «الأيام» نموذجاً لهذا النزاع في «عين فرعة» الواقعة بين بلدتي إذنا وتفوح جنوب غربي الخليل، حيث يحاول مستوطنو «ادوارا» و»تيلم» السيطرة على ذلك النبع الأثري لري قطعانهم وسقاية مزروعاتهم، بادعاء أن النبي موسى شرب منها، علماً أن موسى شخصيته دينية تاريخية يدور الجدل حول دخوله أرض فلسطين.
بسبب الطيّات الجيولوجية الأفقية أو المائدية لمعظم جبال الضفة الغربية، فإن تكوينها هذا هو ما يسمح بكثرة العيون والينابيع، ومعظمها قليل الغزارة أو متوسطها، بما لا يسمح بجر المياه منها، مع استثناءات مثل نبع عين سامية الذي يروي رام الله، لكنه لا يكفي سوى لـ 22% من حاجتها، والبقية يجري ابتياعها من مياه «ميكوروت» الإسرائيلية.
تتعمد إسرائيل خنق القرى والمدن الفلسطينية بالمستوطنات، والسيطرة المائية على الأحواض الجيولوجية، ومنع بناء سدود ركامية في خوانق الجبال، وتهدم آبار جمع مياه الأمطار في مناطق سيطرتها على المنطقة (ج)، وتتطلع إلى ضمّ منطقة الأغوار، التي تشكل 28% من الضفة بما في ذلك السيطرة على كامل شواطئ البحر الميت، وعلى كل مياه نهر الأردن.
في بقية مناطق الضفة تحفر إسرائيل آباراً ارتوازية عميقة، ما يؤدي إلى ضعف تدفق المياه من الينابيع والعيون الفلسطينية، كما تمنع السلطة الفلسطينية من حفر آبار ارتوازية عميقة.
هناك صراع على الأراضي، وآخر على الغابات، وكذلك على سرقة الزيتون أو قطعه.. وأيضاً صراع مائي، يدور بعضه على سيطرة المستوطنات على معظم الينابيع في أرض الينابيع.

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذات التوصيفات الأربعة ذات التوصيفات الأربعة



GMT 19:40 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط في شمال قطاع غزة

GMT 08:50 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

إسرائيل تقصف مواقع لحزب الله بجنوب لبنان

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مقتل 7 أشخاص وإصابة 15 آخرين في حادث سير بالجزائر

GMT 09:16 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

حرائق في منشآت طاقة روسية بعد هجمات أوكرانية

GMT 18:11 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

أيهما أخطر؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab