لبنان المزبلة والزعماء فوقها صيّاحون

لبنان المزبلة... والزعماء فوقها صيّاحون

لبنان المزبلة... والزعماء فوقها صيّاحون

 العرب اليوم -

لبنان المزبلة والزعماء فوقها صيّاحون

علي الأمين

لعل مشهد النفايات المتراكمة في احياء المدينة هو اشارة رمزية الى واقع الحال في البلد. فالنفايات هي سمة الخطاب السياسي في البلد. وقد بات لبنان حكاية مملة، محكوما بالدوران في الحلقة المفرغة التي تكشف عجز اشاوسة السياسة عن ان يكونوا رجال سياسة. هم فقط ديكة على المزابل السياسية والمذهبية، ينتشون ويجترون، معتقدين ان صياحهم يبشر بطلوع الفجر. هكذا يخاطبوننا. ترقبوا اطلالة القائد أو الزعيم، اطلالة الديك على ركام البلد او المزبلة.

هذا الديك يصيح، فاسمعوا صدى صوته في ارجاء غرفكم. صلوا وسلموا واصلبوا عقولكم. هؤلاء جعلوا البلد على قياسهم، اي على قياس المزبلة. ليس منهم من يتلو فعل الندامة على ما ارتكبه بحق الدولة والشعب... بحق الوطن. هم المنتصرون دوما ولو كان البلد مزبلة. هم القديسون والمعصومون، رافعو رايات النصر، مدمنو الانتصارات، وللمفارقة الدولة هي المهزومة، والعدل بات في المزبلة التي يقفون على قمتها، رافعين اشارة النصر.

الانتصار تلو الانتصار. لكن المهزوم هو الدستور، والقداسة تبقى ولا تمس. لكأنما الزعيم او القائد يجب الا يُسأل او يُحاسب. فهو لا يخطئ، بل لا ينطق عن هوى. في بلاد الناس العاديين لا قديسون ولا آلهة. فقط بشر يحاسبون ويتبدلون. في بلاد الناس العاديين يتغير القادة ويحاسب الزعماء. في بلاد الناس العاديين ينتصر الزعماء كما كانت حال رئيس الحكومة البريطانية ونستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية. لكن يسقطه شعبه في الانتخابات بعد الحرب. ببساطة لأن من ينتصر في الحرب لا يعني انه سينتصر في معركة البناء والتنمية وفي مرحلة السلم.

في بلاد الناس العاديين ومنها بلاد الكفر والاستكبار، لا يحلم الرئيس ان يبقى رئيسا حين يمنعه الدستور. لا يطمح الى الرئاسة حتى لو فتح العالم وأحدث نهضة اقتصادية لشعبه او حقق انجازات لم يسبقه رئيس اليها. ببساطة يخرج في الوقت المعلوم ومن دون تردد او تلكؤ او تمسك بموقع الرئيس. وتستمر الحياة، بل تتقدم الدولة وتقوى. لأنه في بلاد الناس العاديين لم يتوقف الله عن الخلق، وفيها توقف زمن المعجزات. فمن خلق هذا الرئيس او الزعيم او المسؤول يخلق سواه او افضل منه او حتى أقلّ شأنا... وهكذا الأحزاب في بلاد الناس العاديين ليس هناك رئيس حزب استمر لعقدين او طيلة حياته، ذلك ان هذه الأحزاب تمنع وصول الآلهة الى رئاسة الحزب.

في بلاد الناس العاديين من يشارك في السلطة وفي الحكم لا يتهرب من المسؤولية. يعلم انه مسؤول ومقتنع بذلك، فإذا أفسد مسؤول في الدولة وارتكب بحق المال العام، فلا تقتصر المسؤولية على المرتكب بل تطاول الوزير او الرئيس او غيرهما من كبار الحكام. لكن في بلاد القديسين ليس من مسؤول يشعر انه مسؤول. فهو من صنف القديسين لا يُسأل عما بين يديه من أمانة الناس والدولة، ولا عما يقوله "إن هو الا وحي يوحى".

في بلاد الناس العاديين ثمة مواطن لا يشعر بالدونية او الذلة، يدرك ان الوزير او الرئيس خادم للمواطنين. لا يؤمن بأن المسؤول، مهما علت رتبته في الدولة، هو من صنف المعصومين عن الخطأ. هل خطر ببال احد من اللبنانيين ان يحاسب او يسأل، ولو بهمس او بكلمة، قائد حزبه او زعيمه القابض على مقدرات عامة؟ أن يحاسبه عما فعل طيلة توليه المسؤولية؟ وهل يخطر في باله ان يقول له بالفم الملآن: لقد أخطأت؟ بل اكثر وأكثر: هل يخطر بباله انه يخطئ ويجب ان يحاسب على خطئه؟

للمفارقة بلاد القديسين هي بلاد المستضعفين والمحرومين والكادحين. لا ينطبق الاستضعاف والحرمان على شعب او فئة اجتماعية، بل يترافق مع تقديس القائد والزعيم او المسؤول. ويتلازم تقديس المسؤول، رئيسا كان او قائداً، مع نشر الجهل وكبت المعرفة وإعاقة الوعي بالشعارات الرنانة التي تؤول دائما الى عبادة المسؤول والانسحاق امامه ودائما بقوة الجهل والتقديس.

هي مفردات ومعان تتسرب الى تفاصيل حياتنا الوطنية لتراكم النفايات، حيث تنسحق الانسانية والمواطنية فداء لهذا الديك الذي يصيح منتشيا برائحة النتن فوق مزبلة، ونحن معه منتشون.

 

arabstoday

GMT 08:25 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:23 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:17 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 08:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانون السوريون وفخ المزايدات

GMT 08:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الباشا محسود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان المزبلة والزعماء فوقها صيّاحون لبنان المزبلة والزعماء فوقها صيّاحون



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab