الشرق الأوسط الجديد الفيل في الغرفة

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

 العرب اليوم -

الشرق الأوسط الجديد الفيل في الغرفة

بقلم : أمير طاهري

مع بداية العام الجديد بدأت مراكز الأبحاث والدوائر السياسية تعجّ بالأفكار حول «مستقبل» لبنان وسوريا وفلسطين واليمن، أو اختصاراً: الشرق الأوسط. ويفضل بعض علماء المستقبل الحديث عن «شرق أوسط جديد» الذي أصبح ممكناً بفضل «تحرير» سوريا، والإبادة شبه الكاملة لـ«حماس»، والتراجع الخطير في أدوار «حزب الله» و«الحوثيين».

كل هذا يحدث في سياق من الشعور بالرضا والتفاؤل، حيث قرر خبراء السياسة أنه في منطقة لم تعرف أخباراً جيدة منذ عقود إن لم يكن منذ قرون، يجب أن يكتفي المرء بالأخبار «الأقل سوءاً». وعليه، فإن سقوط جزار دمشق هو خبر أقل سوءاً وليس جيداً، لأنه على الرغم من لحية أحمد الشرع المشذبة وربطة عنقه الحريرية وابتسامته المشرقة، لا أحد يعرف إلى أين قد يتجه الحكام الجدد.

لا بد أن نتفق على أن «الأقل سوءاً» أفضل من عدم وجود خير بالكلية. فمقارنةً بما حدث في بلدان «الربيع العربي» الأخرى، فإن ما تكشف عنه الأحداث في سوريا قد يبدو مُطمْئناً. خلافاً لما حدث في ليبيا، ففي حين دُمرت أدوات القمع التي كانت تستخدمها الدولة، لم تنهر هياكل الدولة السورية تماماً. ومن ثم، هناك أمل في أن تتمكن هذه الهياكل، إثر إصلاحها، من منع سوريا من التحول إلى منطقة أخرى غير خاضعة للحكم.

قد تتجنب سوريا أيضاً ما حدث في العراق، حيث أدى التفكيك الوحشي للجيش والشرطة النظاميين والإسراع في اجتثاث حزب البعث إلى خلق استياء عميق الجذور أدى بدوره إلى توليد العنف والحرب. وخلافاً لما حدث في تونس، فإن سوريا قد لا تواجه تهديد التحدي الإسلامي المتطرف، ولو كان ذلك لمجرد أن الحكام الجدد هم أنفسهم نسخة «مخففة» من هذه الآيديولوجية. مرة أخرى، وعلى النقيض من مصر في أيام «الربيع العربي»، لا تمتلك سوريا جيشاً منظماً جيداً لمواجهة العمل من خلال رسم الخطوط الحمراء.

في الوقت الراهن، تهتم 60 دولة على الأقل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بـ«الشرق الأوسط الجديد» المأمول. بعض الدول مثل روسيا وتركيا والولايات المتحدة موجودة عسكرياً في تلك البلاد، في حين أن البعض الآخر، مثل إسرائيل وحتى الأردن، لديه مصلحة تتعلق بالأمن القومي فيما قد يحدث هناك. كما أن مصر ودول مجلس التعاون الخليجي مهتمة للغاية لأسباب سياسية وأمنية. وعلى الرغم من مشكلته الحالية مع انعدام القيادة، فإن الاتحاد الأوروبي يشعر بالقلق أيضاً لعدد من الأسباب، بما في ذلك مستقبل ملايين اللاجئين الذين يتسبب وجودهم في حدوث توترات في جميع أنحاء الاتحاد.

تأمل أيضاً الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، التي تعتمد بشكل متزايد على النفط القادم من الشرق الأوسط، في الحصول على تذكرة في قطار الرفاهية الموعود، في حين أن الهند لن تقف موقف المتفرج في منافساتها المحتدمة مع الصين. وبدأ بعض الشركات العملاقة المتعددة الجنسية تتطلع بشغف كبير تحسباً للعقود السخية التي تتولد عن إعادة بناء المنطقة المدمرة.

كل هذا حسن وجيد، ولكن الحقيقة تظل أن الاندفاع الحالي في تبادل الأفكار بشأن مستقبل الشرق الأوسط يتجاهل الجانب الجيوسياسي لهذا الموقف المعقد.

هذا بدوره نرمز إليه بالفيل الموجود في الغرفة: الجمهورية الإيرانية. صحيح أن النظام الإيراني طُرد من سوريا، وكاد يفر من لبنان بصورة مهينة للغاية. وصحيح أيضاً أن أولئك الذين يبحثون عن حلول لعدد لا يُحصى من المشكلات في المنطقة لا يرغبون في رؤية الفيل المثير للمشكلات مشاركاً في حل المشكلات.

المشكلة هي أن الفيل الذي يرغب الجميع في تجاهله يمثل مشكلة كبيرة. وفي الوقت الحاضر، يقف مثل وحش جريح يكاد يستند إلى أقدامه حتى لا يُضطر إلى الوقوف على قدمين فقط لإمتاع المتفرجين. غير أن التفكير في «الشرق الأوسط الجديد» لا يتعلق باليوم وحده، ولن يكون له معنى إذا لم يكن يتوخى غداً وبعد غد. هذا الفيل لديه ميل وراثي إلى المروق والخروج عن السيطرة.

في افتتاحية الأسبوع الماضي، وصفت صحيفة «كيهان» اليومية، التي تعكس وجهات نظر «المرشد الأعلى» علي خامنئي «المشكلات الأخيرة التي واجهتها ثورتنا في سوريا ولبنان» بأنها «عقبات طفيفة على طريق مجيد نحو النصر الكامل». وباستخدام عبارة نشرها أرنولد شوارزنيغر في أفلامه، يقول القائد الثاني في «الحرس الثوري» الإيراني العميد محمد رضا نقدي: «لقد غادرنا سوريا لأن الأسد لم يعد يستحق الدعم. ولكننا سنعود!».

إن أي شخص مطَّلع على تاريخ إيران، في ظل نظام الهوس الديني، سيعرف أن النظام واجه خياراً قاسياً منذ البداية: إما أن يُصبح مثل بقية بلدان الشرق الأوسط، وإما أن يجعل الشرق الأوسط بأكمله مثل إيران.

على مدى العقود الخمسة الماضية، بذلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي واليابان وحتى روسيا والصين جهوداً عديدة لإقناع القيادة الإيرانية بالانضمام إلى شعار «إذا لم تتمكن من هزيمتهم، فانضمّ إليهم!»، ولكنها فشلت في دفعها للتحرك في هذا الاتجاه.

الفيل المارق هو ثاني أكبر وحش في المنطقة من حيث عدد السكان والأراضي وحجم الاقتصاد. كما أنه فريد في نوعه في العالم من حيث الاستثمار في الخبرة والخبرات في الحرب غير المتكافئة، وأخذ الرهائن، والإرهاب، وإفساد النخب في البلدان الضعيفة المجاورة بحقائب الأعمال الفاخرة الممتلئة بالدولارات.

وعلى مدى ثلاثين عاماً تقريباً، كانت طهران تنزع خيرات الإيرانيين لتغذية مقاتلي جماعات «المقاومة» في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن، ناهيكم بجماعات مماثلة حول العالم. ففي الأسبوع الماضي، داهمت الشرطة البريطانية اثنتين من «الجمعيات الخيرية» في لندن، التي ترتبط بطهران، واستُخدمتا في غسل الأموال لتمويل جماعات معارضة وهمية وتجنيد الشباب المسلمين للعمل في مجال سياسة «المقاومة». كما تعرضت «جمعيات خيرية» مماثلة لغارات في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا.

قد يتجاهل خبراء السياسة الفيل الموجود في الغرفة على نحو يُعرِّضهم للخطر.

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط الجديد الفيل في الغرفة الشرق الأوسط الجديد الفيل في الغرفة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab