ثقافة إنتو مين التدميرية تقديس الذات وشيطنة الآخر

ثقافة "إنتو مين؟" التدميرية: تقديس الذات وشيطنة الآخر

ثقافة "إنتو مين؟" التدميرية: تقديس الذات وشيطنة الآخر

 العرب اليوم -

ثقافة إنتو مين التدميرية تقديس الذات وشيطنة الآخر

علي الأمين

يمكن القول بثقة إن ثقافة "إنتو مين؟" تودي بلبنان الى مزيد من الانهيارات رغم ارتفاع شارات النصر. ذلك أن هذه الثقافة تزدري الآخر، بل تذهب الى حدّ عدم الاعتراف بوجوده، وتنطوي على ادّعاء المعرفة الكاملة، والتي تقارب الألوهة، إن لم تدعها. ليس في ثنايا هذه الثقافة ما ينطوي على ميل إلى الاكتمال بالآخر سياسيا وثقافيا ووطنيا وقوميا وانسانيا.

هي سمة الايديولوجيات الدينية وغير الدينية. الفارق في ما بينها ليس النوع، بل الكمّ، انطلاقا من ان متبني هذه الايديولوجيات يعتقدون ان الحقيقة الناجزة هي في ما يعتقدون به، وهذا أمر مشروع. لكن ما هو غير مشروع ومبرر الانطلاق من هذا الاعتقاد لتبرير فرضه على الآخرين بالقوة، واعتماد وسائل وآليات تترجم مقولة ان الغاية تبرر الوسيلة.

عندما يخاطب تنظيم داعش وأقرانه مناصريه وجمهوره، لا يقارب هذا الجمهور، المنصت الى خليفة الله على الأرض، الشك او الريبة مما يقول ويفعل. ليست مسيرة القتل ولا الحرق ولا الانتحار التي يمارسها الا وسائل من أجل هدف سام هو انشاء دولة الله على الأرض. في الأصل يتعامل اصحاب الايديولوجيات الدينية مع من يخالفهم في قناعاتهم بدونية. وفي الايديولوجيات الدينية تحديدا تساهم التربية الدينية، داخل مجتمعاتنا العربية والاسلامية، بتعميق هذا الشعور المرضي. هو الذي ينطلق من مفهوم الهداية، والذي يترجم، على المستوى الاجتماعي في معظم الأحيان، بنوع من الاستعلاء. تماما كما يحصل حين صعود الموجات الدينية في المجتمع. او بنوع من الانزواء عن المجتمع ورفضه او تكفيره حين تتراجع هذه الموجات. وفي الحالتين تساهم الايديولوجيات الدينية في تضخيم هذا الشعور لدى متبنيها، ليصبح هؤلاء اسرى خيار ازدراء الآخر "الضال" او تكفير المجتمع وتعنيفه. ودائما على قاعدة: "نحن اهل الهداية والايمان وهم الضالون او الكافرون"... والثنائيات في هذا المجال كثيرة.

"وإنّا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين". لا تجد هذه الآية القرآنية مكانا لها في الايديولوجيات الدينية، لأنها تنطوي على إقرار باحتمال ان يكون اصحاب الايديولوجيات على خطأ في الوجهة او الرأي او السلوك. كما هو احتمال الصواب في ما يقولون. لكن الأهم ان الحقيقة او الصواب هما غاية مشتركة وشرطهما الآخر. لكن لا شك ان استخدام الآيات القرآنية في عالم الايديولوجيات الاسلامية يتسم بنزعة تذهب في كثير من الأحيان الى تحويل هذه الآيات الى وسائل تبرير الأفعال والسلوك، أيّا كان هذا الفعل والسلوك. يكفي ان نجد هذا التصادم بين ايديولوجيات إسلامية متقاربة ومتصارعة. لدى كل طرف ما يكفي ليبرر أمام أتباعه شرعية استعداء الطرف الآخر وقتله.

ثقافة "إنتو مين؟" كفيلة باستكمال تدمير الدول والمجتمعات، لأنها ثقافة تذهب بالمجتمع نحو تقديس الذات على حساب شيطنة الآخر، وتنطوي في احسن الأحوال على شعور بالشفقة على الآخر او اتهامه بالجهل وعدم الادراك. وهذه الثقافة هي التي توفر سبل تفتيت المجتمعات. اذ تبدأ، في نموذج الايديولوجيات الاسلامية، بتقسيم الناس بين مسلم وكافر. ولا تنتهي بتقسيم الجماعة المسلمة بين اسلام اصيل واسلام غير اصيل. بل تصل في التفتيت إلى ادلجة الاجتهادات المذهبية في داخل كل مذهب وتحويلها الى دين تقاس هداية الناس وصلاحهم على ميزانه.

صناعة القسمة والتفتيت تقوى حين تتخذ بعداً دينياً. وصناعة الوحدة والتفاعل وقبول الآخر تتطلب فكرا ومشروعا قابلين للشراكة والتعديل والتطوير والتحديث. وهذا يتنافى مع الايديولوجيا، التي تنبذ الحقيقة السياسية في المجتمعات والدول، بما هي تفاعل بين افكار ومصالح محكومة لوحدة الشعب وتحت مظلة الدولة والوطن.

ثقافة "إنتو مين؟" توهم اصحابها – هذا ان كانوا صادقين - بأنهم ظلّ الله على الأرض، والمهتدون على هذه الأرض، القابضون على حقيقة السياسة والاجتماع، الذين يحق لهم ما لا يحق لغيرهم. يتوهمون أنهم بذلك يحققون سعادة المجتمع وغايات وجوده. ولينظر كل منا حوله فسيرى دولاً تتهاوى ومجتمعات تتفتت وكلاً يتحصن في جعبة تكفير تكفيه عناء التفكير والتأمل.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة إنتو مين التدميرية تقديس الذات وشيطنة الآخر ثقافة إنتو مين التدميرية تقديس الذات وشيطنة الآخر



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab