علي الأمين
نجح الجيش اللبناني في الاستفادة من تجارب المواجهات التي خاضها أو أُقحِم فيها داخل بلدة عرسال ومحيطها. هذا مؤدّى ما يخلص اليه عدد من الدبلوماسيين الغربيين في الآونة الأخيرة. فالمعارك الأخيرة التي انفجرت في جرود عرسال، وقبل ذلك في مناطق القلمون الشرقي، كان من أهدافها اختبار ردّ فعل الجيش اللبناني تجاه الخطر المتأتّي من الجماعات السورية المسلحة وتلك المصنفة إرهابية. وفي القراءة الدبلوماسية الغربية أنّ الجيش اللبناني مستمرّ في تثبيت مواقعه الحدودية، في سبيل المزيد من تحصين جبهته والعمل المدروس على تمدّدها على طول الحدود مع سورية.
ليس من أزمة سلاح لدى الجيش اللبناني، كما كان الحال عليه قبل عام وأكثر. مستوى التسلح جيّد ويتم بشكل يلبي حاجة المواجهة مع التنظيمات الارهابية. وعلى أهمية موضوع السلاح، فإنّ الاوساط الدبلوماسية الغربية نفسها تشير إلى أهمية المعادلة السياسية – العسكرية التي نجح الجيش اللبناني في المحافظة عليها وعلى توازناتها الدقيقة. وذلك عبر تثبيت موقع الجيش كمصدر قوّة لكل اللبنانيين، ورمزاً لوحدة الشعب، ولصمود المؤسسات الدستورية.
فمواجهة الإرهاب والخطر على لبنان تتطلب إدارة سياسية وأمنية وعسكرية، تحول دون تسرّب الارهاب وتمدّده في لبنان، وتمنع توفير حاضنة اجتماعية أو سياسية له داخل لبنان. وفي الوقت نفسه تحمي الوحدة الداخلية.
تجربة صيف 2014 في عرسال ومحيطها لم تكن لصالح الجيش ولا لبنان. لقد بدا الجيش حينها غير ممسك بزمام المبادرة، وسبّب ذلك خسائر من العسكريين وخطف آخرين، وسواها من نتائج أمنية وسياسية سلبية على لبنان والمؤسسة العسكرية. لكنّ هذه الصورة تغيرت اليوم. وفي تقدير المصادر الدبلوماسية أنّ أداء المؤسسة العسكرية يكتسب احتراما دولياً، وتزداد حاجة اللبنانيين لإلى دوره كل يوم، وهذا بحدّ ذاته مصدر قوّة لجنوده لم تتحقّق لسواه في لبنان.
خلاصة ما يمكن استنتاجه من مصادر دبلوماسية غربية، وهي لا تبدي أيّ اعتراض جدّي على قتال حزب الله في مناطق القلمون وفي جرود عرسال، أنّها لا تجد في انتشار الجيش في جرود عرسال مكسبا عسكرياً له. وتعتقد أنّ مثل هذه الخطوة لو حصلت، تبقى خسائرها أكبر من المكاسب التي يمكن أن يحقّقها الجيش ولبنان. وتعتقد هذه الأوساط أنّ منطقة القلمون، وامتدادها نحو جرود عرسال، ستكون ساحة مواجهة يمكن وصفها بالمصيرية لأطرافها. وتضيف هذه المصادر أنّ طبيعة المواجهات في سورية، وفي ظلّ الاصطفاف الإقليمي الحادّ، تجعل مختلف المتصارعين يدركون معنى هذه المنطقة ودلالاتها في حساب الخيارات والخطط قبل سقوط النظام السوري، غير السريع.
وتشرح المصادر سبب استبعاد التحوّل السريع في موازين القوى خلال وقت قريب، بأنّ صوت التسوية خافت في سورية، ومختلف أطراف الصراع في هذا البلد تقاتل وفي بالها أنّ معركتها وجودية. هذا حال نظام الأسد، وحال أعدائه. لذا فالسقوط لن يكون قريبا ولا سريعاً.
تتساءل هذه الاوساط إن كان حزب الله قادرا على حسم المواجهة على امتداد الحدود الشرقية وامتدادها في مناطق القلمون الشرقي، وعما إذا كان في استطاعته وقف تمدّد الحركات الإرهابية. هذه الأوساط تشير إلى تقارير عسكرية لديها تصبّ معطياتها الأخيرة في صالح حزب الله عسكرياً. وهي تميل إلى ضرورة انتظار الأسابيع المقبلة ريثما ينجلي غبار المعركة، لمعرفة النتائج النهائية لحملة حزب الله العسكرية.
لا تستبعد المصادر الدبلوماسية حصول تطوّرات عسكرية على امتداد الحدود الشرقية في اتجاه الجنوب. لاسيما أنّ التطوّرات الميدانية في الجنوب السوري تكشف عن تقدّم القوات السورية المعادية للأسد وحزب الله في تلك المنطقة، وهو ما يثير القلق في ظلّ غياب التسويات. قلق من تحرّكات قد نشهدها نحو مناطق العرقوب اللبناني وحاصبيا. لكنّ هذه المصادر تلفت إلى وجود اتفاق ضمني بين إسرائيل وحزب الله يقوم على منع إسرائيل مجموعات سورية من التسلّل باتجاه هذه المنطقة، في مقابل وقف أيّ نشاط عسكري من قبل "محور الممانعة" ضد إسرائيل، عبر الجولان المحتل أو في جنوب لبنان. وهذا الاتفاق صامد منذ أشهرٍ، ومرشّح للاستمرار. وهو مجال اختبار لإمكانية بناء تفاهمات يحتاجها بعض الأطراف في مواجهة الإرهاب وتمدّد فوضاه.
وسط هذه المعادلات المتداخلة، في خضم مواجهات سورية مرشحة إلى مزيد من القتال والعنف، تبدو ثابتة حتى الآن سياسة دعم الجيش اللبناني وتسليحه والالتفاف الوطني حوله، في ظلّ قناعة بأنّ مؤسسة الجيش هي الحصن الأخير لوحدة الشعب والمؤسسات.