مواجهة متأخّرة بين الإسلام السعودي والعروبة

مواجهة متأخّرة بين الإسلام السعودي والعروبة

مواجهة متأخّرة بين الإسلام السعودي والعروبة

 العرب اليوم -

مواجهة متأخّرة بين الإسلام السعودي والعروبة

طلال سلمان

فجأة، ومن غير مقدّمات، قررت السعودية تغليب العروبة على رايتها الإسلامية٬ وانضبط مناصروها والسائرون في ركابها فجاهروا بعد غربة طويلة بعروبتهم، واتخذوها منصة للهجوم «العقائدي» الجديد، متخلّين من دون تمهيد أو تبرير عن الخطاب الإسلامي الذي اعتمدته المملكة المذهّبة منذ إقامتها بالسيف فوق مهد النبوة وأرض الرسالة، وأعطتها اسم الأسرة الحاكمة.
هذا مكسب مهم. إذ اعتاد العرب أن تعتبر المملكة المذهَّبة مَن قال بعروبته «مرتداً» أو في أحسن الأحوال كافراً وفي أتعسها «مشركاً».
الطريف ان جماعات سياسية عديدة في مختلف الأقطار العربية وتحديداً في المشرق، قد ارتبكت وهي تحاول تعديل خطابها التقليدي لتحل العروبة محل الإسلام، من دون أي تبرير أو تفسير.
بلغ الأمر ذروته في المؤتمر الدوري لوزراء الداخلية العرب الذي انعقد الأسبوع الماضي في تونس، والذي أدت الغالبية من هؤلاء الوزراء، بقيادة وزير الداخلية السعودي معززاً بطابور مناصريه في «مجلس التعاون الخليجي»، وبعض من التحق من بين الوزراء في اللحظات الأخيرة بموكب العروبة المظفر، ليعلنوا الحرب على «حزب الله» في لبنان وتصنيفه «تنظيماً إرهابياً» يستحق أن يُقدَّم على «القاعدة» أو «داعش» بخليفته البغدادي وجيش الذبّاحين في «دولته الإسلامية».
تمّ تمرير القرار بصيغة توصية، وتم تجاوز رئيس الدورة وزير داخلية تونس، وجرت محاولة لطمس اعتراض لبنان وتحفّظ العراق والجزائر. كان المطلوب تحقيق انتصار سياسي على إيران، بغض النظر عن النتائج والتداعيات التي يمكن أن تنجم عن قرار كهذا صيغ خصيصاً ليستهدف بطل مقاومة العدو الإسرائيلي على امتداد عشرين عاماً٬ حتى تمّ له النصر بإجلاء هذا العدو عن الأرض اللبنانية في العشرين من أيار سنة ألفين... ثم بطل مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان بشخص «حزب الله» في العام 2006 والتي انتهت بهزيمة لجيش العدو.
مؤكَّد أن المواطن العربي قد ذُهل وهو يسمع البيان الختامي لمؤتمر وزراء الداخلية العرب، الذين لم يعرف أنهم قد اختلفوا يوماً، وظلت بياناتهم التي يختتمون كل مؤتمراتهم تقر بالإجماع، فلا يعترض أحد ولا يخرج عليها أحد.
على أن الردود المستنكرة والمستهجنة والمتبرِّئة من هذه «التوصية» التي صوّرت وكأنها قرار إجماعي، كشفت الخديعة: كان الأمير السعودي يريد القرار سلاحاً بيده، مفترضاً أنه يستطيع «بيعه» الى أوروبا بشخص فرنسا التي انتقل اليها من تونس. علماً بأن الدول الأوروبية عموماً٬ وحتى الولايات المتحدة الأميركية٬ تكتفي، حتى الآن، بوضع بعض الأشخاص على القائمة السوداء بتهمة انتمائهم إلى «حزب الله»، لكنها لم تصنف هذا الحزب «منظمة إرهابية»، ولم تضع عشرات الآلاف من أعضائه ومئات الآلاف من مناصريه على القائمة السوداء بذريعة أنهم «إرهابيون».. برغم الضغوط الإسرائيلية المتواصلة على عواصم القرار الدولي.
في المقابل٬ فإن القيادة المصرية قد تجاوزت الاتهامات التي سبق أن وُجِّهت الى بعض الحزبيين الذين كانوا في السجون المصرية بتهمة المساعدة على تهريب بعض السلاح والذخيرة إلى المقاتلين الفلسطينيين في غزة إبان الحرب الإسرائيلية الأولى ثم الحرب الثانية فالحرب الثالثة على هذا القطاع المحاصر والصامد. وقد استقبلت بعض الجهات الرسمية في القاهرة قبل أيام وفداً رسمياً من قيادة «حزب الله»٬ ذهب للتعزية بصحافي القرن الأستاذ محمد حسنين هيكل.
بالطبع يمكن الحديث عن دور قتالي لـ «حزب الله» في سوريا إلى جانب النظام، لكن هذا الدور يُدرَج في العادة تحت عنوان «رد الجميل للنظام السوري الذي وقف وحده إلى جانب «حزب الله» طوال عصر مقاومته الباسلة للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان٬ الذي امتدّ منذ ربيع 1984 حتى تم إجلاؤه بتضحيات غالية قدمها المجاهدون في الحزب في العشرين من أيار 2000... فضلاً عن وقوف هذا النظام، وحده تقريباً، الى جانب مقاومة «حزب الله» للحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف العام 2006، وتدمير بعض العاصمة بيروت وبعض البقاع والشمال والجبل لقطع طرق الإمداد الآتي من سوريا.
كذلك يمكن توجيه الاتهام إلى «حزب الله» بأنه على صلة وثيقة، عقائدية، بقيادة الثورة الإسلامية في إيران. والحزب لا ينكر هذه الصلة، ولكنه يضعها في سياق دعمه ومساندته في الحرب ضد العدو الإسرائيلي.
ثم إن هذا الاتهام قديم جداً. وهو يعود الى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ولم يكن موضع اعتراض أي طرف عربي، خصوصاً أن مردوده المباشر تجلّى في تعزيز قدرات الحزب على مواجهة العدو الإسرائيلي.
بعيداً عن تونس٬ فإن صورة المملكة العربية السعودية باللباس الحربي لم تكن مألوفة للمواطن العربي، ولا بالطبع للقيادات السياسية العربية. لكن الأمر اختلف مع الأمراء الشباب الذين جاؤوا إلى رأس السلطة مع الملك سلمان، بعد رحيل الملك عبد الله. وهو كان عاقلاً وحكيماً ولعب دور المُصالِح بين المختلفين من القادة العرب. وتذكر له مصر توقفه في مطار القاهرة، وهو عائد من المغرب الى بلاده٬ ليؤكد دعمه للحكم الجديد فيها. كما يتذكّره اللبنانيون أنه تجاوز موقفاً حاداً للرئيس السوري بشار الأسد منه وزاره في دمشق ثم جاء به في طائرته إلى بيروت لكي يصحّح مسار العلاقات بين البلدين المتكاملين: سوريا ولبنان.
أما اليوم٬ فإن «مملكة الخير»، كما كانت تُسمَّى حتى الماضي القريب، قد ارتدت اللباس العسكري، فجأة، واندفعت تقاتل في اليمن ضد شعبها الفقير حتى الإملاق، مستفيدة من التركة الثقيلة التي خلّفها بعده الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ثم وسّعت دائرة الخصوم فاصطدمت بالذين نزلوا الى الشارع ضد الرئيس المخلوع، محرّكة مرة أخرى العنصر المذهبي، فإذا اليمن زيود وشوافع، واذا الصراع السياسي في طريق التحوّل الى فتنة طائفية.
إن السياسة التي تنتهجها المملكة في العهد الجديد تبدو مغايرة إلى حدّ التناقض مع النهج الذي طالما اعتمدته، والذي شكّل في محطات مهمة عبر السنوات الأخيرة، حلقة وصل بين المختلفين من القادة العرب، بل وأرض لقاء بين الأطراف (والطوائف) المتخاصمين إلى حد الاقتتال، كما مع حالة لبنان، حيث جمعت القوى السياسية المختلفة لإقرار الحل السياسي ممثلاً باتفاق الطائف الذي أنهى سنوات من الحرب بل الحروب الأهلية العربية والدولية في الوطن الصغير والجميل.
ربّما لهذا يستغرب أي متابع النهج الحربي الجديد الذي تعتمده المملكة٬ سواء في اليمن، مباشرة، وفي سوريا حيث ذهبت في عدائها للنظام فيها إلى الحرب بالواسطة وعبر تنظيمات مسلحة لا تختلف كثيراً عن «القاعدة» و «داعش»، وحتى لو اختلفت عنهما فإنها لا تشكل البديل الأفضل من النظام القائم٬ حتى لو هي اندفعت في الولاء للمملكة الى حد التماهي مع نظامها الملكي المطلق.
لقد اعتاد العرب من المملكة طوال عهدَي فهد وعبد الله أن تكون ساعية بالخير بين الدول العربية، ثم بين الأطراف السياسيين داخل كل دولة، بحيث اكتسبت دوراً مرجعياً مطلوباً٬ خصوصاً أن الخير يفيض فيها وعليها عبر ثروتيها: النفط والمقدّسات الإسلامية وفيها الكعبة المشرفة في مكة ودار هجرة الرسول العربي في المدينة المنورة.
ولا يكفي الجفاء مع إيران لتبرير هذا السلوك الحربي الذي تتسم به السياسة الخارجية السعودية، هذه الأيام، والذي يشمل العراق وسوريا والآن لبنان، في حين أنها بموقفها في وزراء الداخلية العرب قد أخرجت تونس عن تحفظها فجهرت بالاعتراض، وكذلك فعلت الجزائر والعراق.
كذلك فإن رفع راية العروبة من طرف بعض المحسوبين على المملكة، ومعها بعض دول الخليج، قد جاء متأخراً بعض الشيء. ثم إنه تبدّى نافراً لأن المملكة لطالما واجهت العروبة بالإسلام... وها هي تعكس الآية فتتأذى الهويتان المتكاملتان.
ولعل بين نتائج هذه السياسة تعذُّر انعقاد القمة العربية في موعدها، واعتذار المغرب عن استضافتها، لأن العرب منقسمون إلى حدّ التضارب في المواقف، بل الى حد الحرب وليس بينهم مَن هو مؤهَّل٬ في هذه اللحظة٬ بأن يجمعهم عنده بقوة نفوذه وقدراته على التأثير بدوره لا بذهبه.
في انتظار عودة مصر من غيابها الذي استطال أكثر مما ينبغي.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مواجهة متأخّرة بين الإسلام السعودي والعروبة مواجهة متأخّرة بين الإسلام السعودي والعروبة



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab