بقلم: عادل درويش
النائبة كريستين جيرالدين طرحت سؤالاً طارئاً في مجلس العموم ظهر الأربعاء، غير مدرج عن أمن الطاقة، بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء، كير ستارمر، بناء ستة مفاعلات نووية جديدة لتوليد الكهرباء. 17 في المائة من كهرباء بريطانيا حالياً مصدرها تسعة مفاعلات نووية، ولم تُبنَ أي مفاعلات جديدة منذ 1995، وحكومة ستارمر تعد بتعديل اللوائح الإجرائية التي تُعرقل بناء المفاعلات. في اليوم نفسه، نشر بريان ويلسون، وكان وزيراً للطاقة في حكومة توني بلير العمالية (1997-2007)، مقالاً في «الديلي تلغراف» (الموالية للمحافظين) يُرحب فيه بخطوة ستارمر لتنشيط برنامج المفاعلات صغيرة الحجم، لكنه حذّره من تكرار أخطاء الحكومة العمالية السابقة.
وكان ويلسون في الصيف الماضي قد وقّع بياناً مع عدد من الوزراء السابقين من أطياف سياسية مختلفة، يطالبون الحكومة العمالية المنتخبة حديثاً برسم استراتيجية شاملة للطاقة بوصفها مسألة أمن قومي. في تحذير الأربعاء، أعاد ويلسون إثارة مسألة الطاقة في إطار الأمن القومي، وكرّر تحذيراته من الاتحادات العمالية التي يعمل مئات الآلاف من أعضائها في صناعات معظمها في اسكوتلندا، إما مباشرة في البترول والغاز من بحر الشمال، وإما الصناعات المكملة لمشاريعها كالنقل والصناعات الكيميائية، والخدمات المرتبطة بها. وكان وزير الطاقة، إد ميليباند، قد أصدر أمراً بعدم إصدار أي تصريحات جديدة لشركات البترول والغاز بالتنقيب في بحر الشمال، استجابةً لنداءات البيئيين والتيارات اليسارية، مع السماح بالاستمرار في التنقيب واستخراج الغاز وفقاً للأذون الصادرة قبل انتخاب العمال.
ويلسون (بجانب المتخصصين في أمن الطاقة) انزعج من عدم بدء الحكومة العمالية إجراءات الاستئناف والنقض لحكم قضائي من محكمة اسكوتلندية لصالح جماعة «غرين بيس» (السلام الأخضر) في نهاية الشهر الماضي، التي طلبت المحكمة إلغاء تصريحين للتنقيب عن البترول والغاز واستخراجهما من حقلين في بحر الشمال. قرار المحكمة بعدم قانونية التصريحين الصادرين عن حكومة المحافظين استند إلى قانون التغيُّر المناخي لعام 2008 الذي يلزم البلاد بمعادلة الصفر البيئي؛ ومن كان وراء هذا القانون ومحركه في مجلس العموم؟ ميليباند نفسه بصفته وزيراً للطاقة في حكومة غوردون براون (2007 و2010). وحكومة ستارمر لا تبدو راغبة في تحدي تفسير المحكمة لقانون التغير المناخي بتأثير استخراج الغاز من بحر الشمال على البيئة والصحة العامة في البلاد.
من أخطاء حكومة بلير عندما كان ويلسون وزيراً للطاقة، حسب أكثر من تقرير نشره في الأعوام الأخيرة، استجابة الحكومة ليسار العمال وضغوط جماعات البيئة المتطرفة؛ حيث خفّضوا من عدد التصاريح لاستخراج الغاز من المياه الإقليمية، واعتمدوا بدلاً منها على الغاز الروسي القادم من أنبوب نقل الغاز عبر أوروبا لأنه أرخص ثمناً، لكن بعد تقليص الغاز وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية، وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، ارتفعت أسعار الغاز من مصادر بديلة كالمستورد من النرويج والمسال من أميركا وشمال أفريقيا والخليج.
الغاز لا يزال يساهم بنحو 26 في المائة من إنتاج الطاقة الكهربائية في نهاية 2024، ويصل إلى أكثر من 60 في المائة من الاستهلاك الكلي بحسابه وقوداً للتدفئة والأغراض المنزلية والصناعية والتجارية. وحتى الادعاء بارتفاع مساهمة الطاقة المتجددة (كالرياح والشمس) في الأيام المناسبة لا يأخذ في الحسبان أنها مشاريع مدعومة، كما أن إنتاج الطاقة المتجددة يحتاج إلى مصدر احتياطي مجاور يعمل بالغاز في حال عدم هبوب الرياح. كان الغاز يُمثل 50 في المائة من توليد الكهرباء في البلاد و19 في المائة فقط من الرياح، مساء الجمعة (حسب لوحة توليد الكهرباء الحية «إينرجي داشبورد»). خبراء أمن الطاقة وويلسون يجادلون بأن منع استخراج الغاز من بحر الشمال لن يُقلل من استهلاك الغاز والبترول في بريطانيا؛ بل سيكون تأثيره سلبياً سواء على ميزان المدفوعات للبلاد باستيراد الغاز من الخارج، أو على الأمن القومي للبلاد.
الأمن القومي كان موضوع سؤال النائبة جيرالدين في البرلمان الأربعاء بسبب مساهمة شركات من الصين في إنشاء المفاعلات النووية الجديدة، بدلاً من التساؤل عن تأثير استيراد معدات توليد الطاقة الخضراء من الصين نفسها، أو عن تأثير إغلاق مشاريع الغاز في بحر الشمال على أرزاق ناخبي دائرتها وبقية دوائر اسكوتلندا. السبب أن السياسة الرسمية لحزبها، (الديمقراطيين الأحرار) هي نفسها سياسة «الخضر» و«العمال» في الهوس الآيديولوجي، التي تتناقض مع مصالح غالبية ناخبي اسكوتلندا، أكثر مناطق البلاد تضرراً بسبب البطالة العالية المتوقعة من إغلاق حقول الغاز والبترول في بحر الشمال.