قـراءة فـي المستقبـل فـي ضـوء الماضـي  تقسيـم المـقسـم بـدلاً مـن توحيـد الموحــد

قـراءة فـي المستقبـل فـي ضـوء الماضـي: تقسيـم المـقسـم بـدلاً مـن توحيـد الموحــد

قـراءة فـي المستقبـل فـي ضـوء الماضـي: تقسيـم المـقسـم بـدلاً مـن توحيـد الموحــد

 العرب اليوم -

قـراءة فـي المستقبـل فـي ضـوء الماضـي  تقسيـم المـقسـم بـدلاً مـن توحيـد الموحــد

طلال سلمان

الشعار الإسلامي في مجتمعات متعددة الدين يعزل مكونات أساسية في الدنيا العربية، بل انه يطاردها بالتكفير بحيث يخرجها من حقها في المواطنة، ومن حقها في حكم بلادها. قبل أيام، كتب الأستاذ جميل مطر في "الشروق" عن سوريا وما يجري فيها وما يُدبّر لها، وعبرها لهذه الدنيا العربية جميعاً، متوقفاً أمام تجربة دولة الوحدة بين مصر وسوريا، الجمهورية العربية المتحدة، وكيف رأى السوريين آنذاك. ولقد فتح الزميل الكبير الجراح مجدداً، فارضاً شيئاً من المقارنة بين ما يسميه جيلنا "الزمن الجميل" وبين ما نعيشه اليوم ٍفي زمن الخوف مما يجري، ومما سوف يجري في سوريا ولها، في مصر ولها، في تونس ولها، في العراق ولها، في اليمن ولها، في السودان وله، بغير أن ننسى لبنان الذي يمضي أيامه في قلب القلق على المصير. استذكر الأستاذ جميل مطر سوريا التي سعت إلى الوحدة مع مصر، بزخم هائل، في مثل هذه الأيام من العام 1958. بحيث أنها أجبرت جمال عبد الناصر على القبول، برغم وعيه أن الحماسة الوطنية، والإيمان بالقائد - البطل، واللحظة التاريخية، كل ذلك لا يكفي لتأمين المطلب - الحلم من خصوم العروبة وأعداء وحدة الأمة، وفي الطليعة منهم إسرائيل وقوى دعمها الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية... بغير أن ننسى دور بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر... فضلاً عن غياب حماسة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، آنذاك، لمثل هذه الخطوة التي تبدل في الخريطة السياسية وفي الاستراتيجيات الدولية. في السياق ذاته، وعبر استعادة سريعة لأحداث تلك المرحلة تتبدى المفارقات مفزعة بين ما كانت عليه حال الأمة أواخر الخمسينيات من القرن الماضي وبين أحوالها البائسة اليوم. ولأن لبنان قريب إلى حد التوحد في المصير مع سوريا، فقد عشنا في بيروت ومختلف المناطق أياماً من الزهو لا تنسى، بين ابرز مظاهره الزحف البشري اليومي عند إعلان الوحدة، ثم مع كل زيارة قام بها جمال عبد الناصر إلى سوريا، والاستقبال الأسطوري الذي لقيه القائد التاريخي في مختلف المدن وأنحاء المحافظات السورية. تبدى الشعب السوري، يومها، صلباً في وحدته الوطنية، مجمعاً على خياره الوطني. من دمشق إلى حمص، ومن حماه إلى حلب، ومن بانياس وطرطوس إلى اللاذقية، من الرقة والحسكة والقامشلي ودير الزور، من درعا والسويداء والسلمية وتدمر، وأرياف هذه المدن ذات التاريخ، والتي باتت الآن عناوين في الأخبار بوصفها مواقع في ميادين الحرب الوحشية التي تدور رحاها بين النظام الحاكم ومعارضيه المسلحين الذين يغلب على تنظيماتهم الطابع الإسلامي، إخوانياً وأصولياً وسلفياً... أما المعارضة السلمية، وهي الغالبة، فقد اعتصمت جماهيرها في البيوت، حيث ما زال ثمة بيوت، أو خرجت هائمة على وجوهها قاصدة أي مأوى آمن يوافق على استقبالها، في ما بين المحيط والخليج العربي فضلاً عن بعض عواصم أوروبا. ما الذي جرى حتى اختلفت الأحوال إلى هذا الحد، في مصر كما في سوريا، في العراق كما في تونس، في اليمن كما في أقطار الجزيرة والخليج؟! هل هي هزيمة للعروبة وانتصار للإسلام السياسي؟ وكيف ولماذا تمزقت وحدة كل شعب، وانهارت اللحمة بين شعوب هذه الأمة، فتورط بعض حكامها في علاقة دونية مع العدو الإسرائيلي، مبتعداً عن القضية الجامعة التي كان لها دائماً موقعٍ سامٍ إلى حد القداسة في النضال العربي من أجل التحرر والتوحد، فلسطين؟ لماذا بات يسهل الحديث عن شعب مصر وكأنه مجموعات محتربة من المسلمين والإسلاميين، من الأقباط والأصوليين؟ ولماذا اختفى الشعب السوري لتحل "مكوناته" بديلاً من "وحدته" التي كانت تتبدى في صلابة صخور الأرض؟ ما الذي دمر الروابط المقدسة وفكك أواصر التوحد في الوطن والإيمان بوحدة الأمة؟ وإذا ما عدنا إلى تجربة دولة الوحدة وموقع سوريا والسوريين منها لشهدنا مفارقة مفجعة: ففي مثل هذه الأيام من العام 1958 تبدت سوريا كتلة صلبة من المشاعر الوطنية والإيمان بوحدة المصير، والاقتراب من حلم تحرير فلسطين... لقد طاف جمال عبد الناصر في أنحاء سوريا جميعاً، من البحر إلى الصحراء، فأطل على لبنان من دون أن يتوغل فيه، وعلى الأردن الذي "هرب" منه إلى اتحاد مع العرش الهاشمي الثاني في العراق، وعلى الخليج ليطمئنه على ثبات هويته العربية، في حين كان يمد العون ـ باسم مصر ـ للشعوب العربية في المغرب، ليبيا وتونس وجزائر ثورة التحرر والتحرير، والمغرب المكافح لاستعادة هويته الأصلية. سقطت الكيانات كأنما بسحر ساحر، واختفت الطائفيات فضلاً عن المذهبية وكأنها لم تكن، واندثرت الفروقات في العرق، وتوحدت الأمة. وفي الجولات على المحافظات السورية خرج الجميع، رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالا، إلى تحية عبد الناصر وتأكيد الإيمان بوحدة المصير: استقبله الأكراد والأزيديون والكلدان والعرب في القامشلي، والقبائل العربية التي بعضها في سوريا وبعضها الآخر في العراق وبعضها الثالث في الجزيرة العربية، في دير الزور، واستقبله السريان والأشوريون في صيدنايا وسائر ريف دمشق، واستقبله الدروز في جبل العرب والعشائر في حوران، واستقبله العلويون في الساحل، والسنة المتحدرون من أصول تركية، فضلاً عن الأرمن المهجرين من بلادهم حاملين ذكرى اضطهاد الأتراك لهم، والمهجرين من أرضهم في اللواء السليب، اسكندرون، واستقبله الإسماعيلي في السلمية، واستقبله كل هؤلاء مجتمعين في دمشق عاصمة الأمويين ومركز العالم الإسلامي لدهور، ثم "قلب العروبة النابض" في نسختها المعاصرة. بالمقابل لم يظهر الشعب المصري رفضاً للوحدة مع سوريا. وان لم يتحمس لها، فخرج إلى الشوارع بنقص في وعيه بالعروبة يرحب بهذا التضامن مع مصر في مواجهة أعدائها إلى حد الذوبان فيها. كان في صفوف الشعبين، حتماً، من لم يرحب بالوحدة الاندماجية، ورأى فيها تسليماً بحكم الفرد ممثلاً بجمال عبد الناصر، واستغلالاً لعواطف الجماهير التي كانت تخلط بين العروبة والإسلام. بعد خمس وخمسين سنة من تلك التجربة الفريدة في بابها، تقلص الطموح عند المواطن العربي، في مختلف أقطاره، من التطلع إلى وحدة عربية شاملة إلى إمكان الحفاظ على "قطره" موحداً بدولته وشعبه... خصوصاً أن شيئاً من التفكك قد ضرب وحدة الشعب نتيجة تغليب الشعار الديني على الشعارات السياسية، سواء أكانت تقدمية أم رجعية. كانت فكرة العروبة تجمع بين المختلفين في الأصول والأعراق والدين، وتوحد بين الشعوب على قاعدة من طموحها إلى الحرية والتقدم والكفاية والعدل. كانت تتجاوز العناصر والطوائف والمذاهب لتؤكد على المشترك، وهو الإيمان بوحدة المصير. أما الشعار الإسلامي فقد أفقده الاستثمار السياسي شيئاً من نقائه وجعله طرفاً في الصراع على السلطة.. والسلطة جلابة المفاسد. إن الشعار الإسلامي في مجتمعات متعددة الدين يعزل، بمجرد رفعه، مكونات أساسية في الدنيا العربية، بل إنه يطاردها بالتكفير بحيث يخرجها من حقها في المواطنة، وليس فقط من حقها في حكم بلادها. أما فلسطين فإن التطبيقات العملية للحكم بالشعار الإسلامي قد قسمت الشعب الواحد إلى "مؤمنين" و"كفار"، فأسقطت عن الفلسطينيين المسيحيين هويتهم الوطنية وعن الفلسطينيين المسلمين حقوقهم في أرضهم، محيلة "القضية" إلى السماء... متناسية أن الإسرائيليين يزعمون أنهم "الممثل الشرعي الوحيد" لله عز وجل على هذه الدنيا الفانية. ويبقى سؤال أخير: أين مصر من مصر، وأين سوريا من سوريا؟ والجواب صعب في القاهرة كما في دمشق، وفي بيروت كما في عمان، وفي جدة كما في صنعاء، وفي طرابلس كما في تونس، والى آخر ناطق بالضاد.

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

منذ 1948

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ترمب يتقدَّم... الرجاء ربطُ الأحزمة

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

العائلة الرئاسية البايدنية

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

العرب والاستقطاب الدولي

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

مفهوم الدولة والتحديات المستجدة

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

نتنياهو أمام الكونغرس بجعبة الفشل

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

وردة... صوت الجمال والكمال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قـراءة فـي المستقبـل فـي ضـوء الماضـي  تقسيـم المـقسـم بـدلاً مـن توحيـد الموحــد قـراءة فـي المستقبـل فـي ضـوء الماضـي  تقسيـم المـقسـم بـدلاً مـن توحيـد الموحــد



درّة تتألق بفستان من تصميمها يجمع بين الأناقة الكلاسيكية واللمسة العصرية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:45 2024 الأحد ,30 حزيران / يونيو

"طيران الرياض" يتعاون مع مصمم الأزياء محمد آشي
 العرب اليوم - "طيران الرياض" يتعاون مع مصمم الأزياء محمد آشي

GMT 19:56 2024 السبت ,29 حزيران / يونيو

العظماء السبعة ؟!

GMT 19:55 2024 السبت ,29 حزيران / يونيو

الحكومة تعتذر للشعب!

GMT 19:53 2024 السبت ,29 حزيران / يونيو

سقوط لأميركا وليس لجو بايدن

GMT 19:48 2024 السبت ,29 حزيران / يونيو

تأجيل الانتخابات لمدة عام.. لِمَ لا؟!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab