رئيس من صنع لبنان

رئيس من صنع لبنان!

رئيس من صنع لبنان!

 العرب اليوم -

رئيس من صنع لبنان

طلال سلمان

مع كل انتخابات رئاسية، يدخل لبنان السياسي حالة انعدام الوزن، ويتبدى مفرغاً من العمل السياسي، برغم تعاظم أعداد محترفي السياسة بالتعيين.
ولأنه لا معيار ولا برنامج ولا طريقة للمفاضلة بين المرشحين المحتملين إما بحكم العادة أو بدافع الرغبة في الظهور، فضلاً عن تهافت الأحزاب التي غادرت السياسة، منذ زمن بعيد، ففقدت هويتها الوطنية، وتحولت إلى تكايا طائفية،
... ولأن لا قيمة تمثيلية شعبياً للبرلمان الذي يتم اختيار نوابه على قواعد طائفية (ومذهبية) تلغي "السياسة" فيه وتنزع عنه دوره كمؤسسة للديموقراطية التي لم يعرفها لبنان في تاريخه، وتحصر القرار في أيدي "المرجعيات" المؤتلفة حيناً، المشتبكة في صراع على المنافع أحياناً، فإن دوره في انتخاب الرئيس "شكلي" إلى حد بعيد..
وبرغم أن اختيار رئيس جديد للجمهورية "مسألة وطنية" تخص جميع اللبنانيين، فإن المرجعية الروحية المارونية تحديداً، تعتبره "قضية داخلية" ينبغي أن تكون مرجعيتها الطائفة، مع وعيها أن "الدول" تزكي أو تختار من تراه الأنسب لخدمة مصالحها، أو أقله: غير المعادي لهذه المصالح، بمعزل عن إرادة ورغبة هذه الطائفة أو تلك... فمعايير "الدول" سياسية وأوسع بكثير وأخطر من أن تحكمها مصلحة الطائفة. ولبنان، في نهاية المطاف، بلد عربي يقع في منطقة ذات أهمية فائقة استراتيجياً لهذه "الدول" ومصالحها..، واختيار رئيس جديد مسألة أخطر من أن تترك لشعبه المنقسم على مواعيد شروق الشمس وغروبها، وحول هويته وهل هي عربية بالكامل أم مختلطة فيها لكل جهة متنفذة نصيب: لفرنسا، في القديم، لبريطانيا مع الاستقلال، لسوريا ولو ضمن حدود، ثم للجمهورية العربية المتحدة (وسوريا ضمنها) أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فلمصر منفردة بعد الانفصال... وصولاً إلى الحقبة السورية التي امتدت نحو ثلث قرن، بشراكة محددة ومحدودة مع المملكة العربية السعودية ودائماً تحت المظلة الأميركية.
إن اختيار "الرئيس" مهمة جليلة، وبالتالي فهي أخطر من أن تترك للبنانيين.. وبالتحديد لأعضاء المجلس النيابي و"الأقطاب" الذين قد تجد أن نسبة محترمة منهم يحملون جوازات سفر خاصة حصلوا عليها من دول أخرى، لا يهم أن تكون أجنبية موغلة في البُعد، جغرافياً وتاريخياً ولغة، أو عربية وإن اختلف الزي فيها.. واللهجة.
إنه البلد الوحيد في العالم الذي يمكن لأي "مواطن" فصيح فيه أن يذكر لك أسماء الرؤساء السابقين، وأمام اسم كل منهم "الدول" التي شاركت في رفعه إلى السدة، وحصة كل منها فيه.
ولأن الفصاحة للسياسة تكاد أن تكون "مهنة" في لبنان فإنه يمكن لأي "مواطن" أن يذكر لك أسماء المرشحين (وبينهم من بات مرشحاً دائماً على تعاقب السنين..) ومَن مِن "الدول" تزكي هذا أو ذاك منهم.. ولماذا؟!
الرئاسات بطوائف شاغليها.. والطوائف دول، والدول مصالح، والمصالح "علمانية" تستخدم السلاح الطائفي، متى لزم الأمر لتحقيق مصالحها، مدركة أن عصر الحروب الصليبية قد انتهى، ولكن لا بأس من استثمار تعارض المصالح بين الدول المعنية في نصرة هذه الطائفة أو تلك... "فالدول" علمانية، ولكنها لا تتورع عن التوغل في الصراعات الطائفية لتأمين مصالحها. ولقد عرفنا مبعوثين غربيين يحفظون القرآن الكريم ويتبارون مع مفسري النص من علماء الحديث، كما عرفنا من تعمّق في معرفة الفروق بين الكاثوليك عموماً والموارنة خصوصاً والأرثوذكس والبروتستانت إلخ..
إن اللبنانيين يعيشون، مثل سائر العرب، وربما أكثر، قلقاً مصيرياً، يتجاوز غرائب حياتهم السياسية وعجائب نظامهم الاقتصادي، ومآسي "حروبهم" الطائفية والمذهبية..
ومن بين اللبنانيين فإن المرجعيات المارونية، على وجه التحديد، الطائفية منها والسياسية، ترفع الصوت بالتعبير عن الخوف على المصير، مستشهدة بالعديد من الاعتداءات التي وقعت على المسيحيين في العراق، الذي يعيش على حافة الحرب الأهلية، أو تلك التي طاولت المسيحيين في سوريا، التي تمزقها الحرب بل الحروب الدولية ـ العربية بواجهة صراع طائفي تفترض أنه يستهدف المسيحيين، مع أن المذابح والجرائم الجماعية قد طاولت شعبها جميعاً، بمختلف أديانه وطوائفه، وفي مختلف المناطق... وربما حظيت بعض الاعتداءات التي وقعت على عدد من الكنائس باهتمام أوسع بما لا يقاس مما نال مساجد المسلمين ومزاراتهم في مختلف أنحاء هذه الدولة التي تكاد تكون في جانب منها "حاضنة" مختلف الأديان السماوية من بدء الخليقة وحتى اليوم.
المهم إن رفع الصوت بخطاب "ماروني" لن يبدل في مسار معركة الرئاسة التي تقرر نتائجها ـ مع الأسف العميق ـ خارج لبنان، بل وخارج إرادة اللبنانيين الذين لا يتبقى لهم غير ترداد اللازمة الشهيرة "ما بقاش بدها، قوموا لنهني..".
ومن حق البطريرك الماروني أن يبذل الجهد لتوحيد موقف الطائفة، بأقطابها المختلفين.. ولكن غبطته يعرف ـ بحكم حيويته وتعدد أسفاره التي شملت مختلف البلدان في ثلاث قارات على الأقل ـ، وقربه من الكرسي الرسولي في الفاتيكان، أن حلم "رئيس من صنع لبنان" أجمل من أن يكون حقيقة... خصوصاً وأنه قد اتخذ قراراً بزيارة فلسطين المحتلة والمشي على درب الآلام والصلاة في كنيسة المهد، وعبور حواجز الاحتلال الإسرائيلي، وكلها أحلام لا يملك رئيس الجمهورية أن يقرر فيها... فضلاً عن أن يحققها.
ويذكر غبطته أن دول العالم بشرقه وغربه، بعربه وعجمه، قد جاءت جميعاً فاحتشدت في قاعة المجلس النيابي لانتخاب رئيس الجمهورية الحالي، من فوق رؤوس اللبنانيين جميعاً، الذين تدافعوا ـ من بعد ـ ليسبق كل منهم الآخرين إليه لتهنئته بهذه الثقة الدولية الغالية التي عبرت عن إرادة اللبنانيين من دون إكراه أو تدخل أو تزوير.
... والوقت ما زال مبكراً على التهاني، في ما يبدو،

 

arabstoday

GMT 07:10 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 07:09 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 07:08 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 07:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 07:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 06:56 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 06:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 06:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رئيس من صنع لبنان رئيس من صنع لبنان



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab