الفوضى المسلّحة تستولد «الشرق الأوسط الجديد» العرب في التيه

الفوضى المسلّحة تستولد «الشرق الأوسط الجديد»: العرب في التيه

الفوضى المسلّحة تستولد «الشرق الأوسط الجديد»: العرب في التيه

 العرب اليوم -

الفوضى المسلّحة تستولد «الشرق الأوسط الجديد» العرب في التيه

طلال سلمان

تعيش منطقتنا حالة من الفوضى المسلحة في ظل صراع دولي يكشف ضعف أهلها العرب، إلى حد الغياب عن القرار والركض وراء سراب التسويات أو مشاريع الصفقات، التي تستهدف مستقبلهم في كياناتهم السياسية التي اتُفق على استيلادها في «غيابهم» أو من دون مشاركتهم قبل ما يقارب المئة عام، وفي قلب احتدام الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918.
يتبدّى، الآن، الشعب الذي كان واحداً وكأنه قد غدا شعوباً، وتفسخت هويته القومية لتنبثق مجدداً هويات عرقية ودينية، فتحيي أعراقاً كانت قد اندثرت أو تكاد، ولغات كانت قد انحسرت أمام اللغة العربية، ليس فقط باعتبارها اللغة الرسمية فضلاً عن كونها لغة الأكثرية الساحقة، بل أساساً لأن «لغتهم» قد فقدت وظيفتها في ظل «الدولة القوية لكل حاملي هويتها»، وباتت أثراً ثقافياً آتياً من الماضي يتم حفظه كتراث أكثر منه توكيداً للانتماء إلى «قومية» أخرى، بالمعنى السياسي للكلمة. أي أنه «تنوّع داخل الوحدة».
في المشرق استولدت «الدولة» قيصرياً في معاهدة «سايكس ـ بيكو» بين البريطانيين والفرنسيين، مستبطنة خلافات جدية على الحدود، وداخل كل «دولة» بغض النظر عن «الهوية العرقية» لأهلها، وباستغلال للنقمة على المستعمِر العثماني القديم الذي صار تركياً من دون أن يتخلى كلياً عن أطماعه في بعض أرض سوريا والعراق.
غداة انفجار الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في العام 1938، أقدمت فرنسا، التي كانت منتدَبة على سوريا، بالتنازل لتركيا عن إقليمَي أو سنجقي كيليكيا واسكندرون وهما بعض الأرض السورية، حتى لا ينحاز الأتراك إلى المعسكر الألماني ـ الإيطالي... وهكذا خسرت دولة سوريا بعض جغرافية كيانها المستحدث.
في المقابل، رفض البريطانيون مطالبة تركيا بضم الموصل العراقية إلى أرضها، لأن خبراءهم كانوا قد اكتشفوا أو أنهم «اشتروا» اكتشاف النفط في العراق، وتحديداً في منطقة الموصل، من صاحبه الخبير الأرمني، مقابل خمسة في المئة من أسهم «شركة نفط العراق» التي مدت الأنابيب عبر الأراضي السورية إلى مدينة طرابلس اللبنانية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
أما شبه الجزيرة والخليج التي كانت شواطئها الساحلية تحت النفوذ البريطاني مع تطلّع أميركي إلى الشراكة فيه ولو بنسبة ما، فلسوف يتم تقاسمها نهائياً عشية وقف الحرب العالمية الثانية بالضربة الأميركية الذرية لليابان، وتطلّع الأميركيين إلى الخزان الهائل للنفط في السعودية. وقد تمت الصفقة مع الملك المؤسِّس عبد العزيز آل سعود، فوضع الأميركيون أيديهم على نفط السعودية ووزعوا بعض الحصص في ثروات مشيخات الخليج العربي، التي كانت تحت النفوذ البريطاني، على حلفائهم الأساسيين في الحرب، وإن هم احتفظوا بالنصيب الأعظم فيها.
بمعنى آخر، فإن آبار النفط (ومن بعدُ الغاز) هي التي رسمت حدود «الدول» في شبه الجزيرة العربية، فمدت السعودية «أرضها» مقتطعة بعض أرض اليمن في حرب وصل فيها السعوديون قرب صنعاء ثم انسحبوا مكرَهين لأنهم «تجاوزوا الحدود». بينما استولدت على ساحل الخليج مشاريع الدول القائمة الآن: الإمارات العربية المتحدة (من الساحل المتصالح) مع اختراق لحدود سلطنة عثمان التي حيِّدت (وما تزال مُحيَّدة) وإن ظل النفوذ البريطاني (تحت المظلة الأميركية) مسلماً بها مع التسليم بالحكم للسلطان الذي تنتهي عائلته إلى النسب الشريف، برغم أن المذهب السائد فيها هو «الأباظية» الذي يراه بعض البحاثة قريباً من «الخوارج»، وإن نفى عنه أهله هذه التهمة.
ها هي الفوضى المسلحة تسود، مرة أخرى، هذه المنطقة العربية التي أعطيت بعد زرع الكيان الصهيوني فيها، إسرائيل في العام 1948، اسم «الشرق الأوسط»، بما ينفي عنها هويتها الأصلية ويفتح الباب لصراع الهويات، واستيلاد «روح استقلالية» لدى الأقليات.
إن دولتين عربيتين مركزيتين في هذا المشرق مهددتان الآن بالتقسيم أو التفتيت أو ـ في أحسن الحالات ـ بالفيدرالية أو الكونفيدرالية على أساس عرقي أو لغوي، هما سوريا والعراق، في استثمار متأخر لتكوينهما التاريخي الذي يضمّ، كما في كثير من الدول الأخرى في سائر أنحاء العالم، أقليات عرقية أو دينية عاشت على امتداد مئات السنين متآخية مع الأكثرية في إطار جامع بين ركائزه الدين واللغة، وإن تعددت «هويات» الحاكم الذي كان يستظل راية الإسلام، عربياً كان أو كردياً أو تركمانياً أو تركياً.
يمكن أن تضاف إليهما اليمن التي فُرضت عليها حرب تفتقر إلى التبرير المنطقي ـ إذا ما استبعدنا الرغبة في الهيمنة المباشرة ـ مما أحيا في أجوائها مشروع تقسيمها إلى دولتين، في ظل خطر جدي يتهددها مستقبلاً في كيانها نتيجة تغلغل «القاعدة» و «داعش» عميقاً في جنوبها، الذي استولدته النزعة الاستقلالية «دولة» في العام 1967، لم تعش طويلاً، فاهتزت بعد «حاميها» الاتحاد السوفياتي فانهارت ـ بالحرب مع صنعاء ـ بعد انهياره مباشرة، واستعادتها دولة الشمال تحت شعار توحيد اليمن الذي صدّعته الحرب السعودية مؤخراً، مما يفتح الباب أمام احتمالات شتى ليس بينها وجود «دولة مركزية قوية» في اليمن بشمالها والجنوب.
في ظل هذه الأوضاع المضطربة والمفتوحة على المجهول، عاد النفوذ الأجنبي، ومن ضمنه التغلغل الإسرائيلي، يفرض وجوده على المنطقة جميعاً الممتدة بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر. فالأساطيل الحربية، بحرية وجوية، تزدحم في مياه البحرين وبينهما وإلى جوارهما، وأساطيل الطيران الحربي، الروسي والفرنسي فضلاً عن الأميركي، تملأ سماء هذه المنطقة العربية وتنهمر صواريخها وقذائفها المدمرة على أسباب العمران فيها، تارة باسم دعم الأنظمة القائمة فيها، أو اعتراضاً عليها، وطوراً باسم مقاتلة «داعش» الذي ما زال يملك المبادرة في أكثر من جبهة، لا سيما في العراق. فضلاً عن قدرته على الضرب خارج «المشرق» كما يظهر واقع ليبيا، حيث تسود الفوضى المسلحة في ظل خلافات القوى السياسية المستولدة حديثاً فيها. كما أن إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء يقوم دليلاً على سيف «داعش» الطويل، فضلاً عن «حروبه» الصغيرة، بالتوازي مع «حروب القاعدة» في بعض أنحاء القارة الأفريقية.
صحيح أن جيوشاً أجنبية برية لم تنزل إلى الأرض العربية، حتى الساعة، لكن قرار العديد من الدول العربية المعنية لم يعد حراً بالمطلق ومستقلاً بالكامل. فدمشق التي طلبت، بداية، مساعدة إيران مباشرة، والتي ذهب إليها مقاتلو «حزب الله» من لبنان كنجدة إضافية، هي التي طلبت المساعدة الروسية التي جاءتها عبر الأسطول الجوي (كما عبر القصف بعيد المدى وانطلاقاً من شواطئ بحر قزوين الروسية). كذلك فإن سماء العراق تكاد تكون ميادين تدريب لأساطيل الجو الأميركية ـ البريطانية ـ الأوسترالية ـ الكندية. وقد انضمّ إليها مؤخراً الأسطول الفرنسي في تظاهرة عسكرية استعراضية تقدمها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بزعم الرد على ضربات «داعش» الإرهابية التي استهدفت باريس في قلبها، وعبر نوادٍ رياضية واجتماعية، وبهدف قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين إرهاباً للدولة الفرنسية، بل وللغرب كله الذي يبدو الآن على حافة قرار خطير: المشاركة في هذه الحرب بالأسلحة كافة، وأهمها العمليات الخاصة فضلاً عن الغارات بالطيران انطلاقاً من مطارات محلية (في سوريا والعراق) أو من حاملات الطائرات الراسية في البحر الأبيض المتوسط الذي حلم العرب ـ ذات يوم ـ بأن يجعلوه بحيرة عربية، ومن أسف فإنه الآن بحيرة لغيرهم ومن ضمن هذا الغير العدو الإسرائيلي.
إن «الشرق الأوسط العربي» يكاد يختفي الآن، وباتت الأسئلة تتركز على مصائر دوله التي يرى البعض أنها استولدت قيصرياً قبل مئة عام، وفي صفقة بريطانية ـ فرنسية لم تعترض عليها أميركا، خصوصاً وأنها كانت تستبطن مشروع الكيان الإسرائيلي الذي لم يتأخر الإعلان عنه إلا سنة واحدة، وجاء عبر وعد بلفور (سنة 1917). وبالتالي فإن «دوله» هذه لم تثبت أهليتها للحياة، ولا بدّ من إعادة النظر في «حدودها» ثم في طبيعة أنظمتها وهل تكون «فيدرالية» أم «كونفيدرالية» أم يجري تقسيمها دولاً شتى!
إن العراق غائب ومشغول بمصيره، حتى إشعار آخر، تدور فيه حروب شتى، معلنة أو مضمَرة، وتجهد تركيا في أن تتغلغل فيه مستغلة نزعة كردية إلى «الاستقلال» مع خطر تحوّله إلى «الانفصال» في دولة مستقلة، فضلاً عن «ظلامة أهل السنة» التي يمكن أن تتبلور في المطالبة بدولة كونفيدرالية من ثلاثة كيانات: شيعي وسني وكردي.
كذلك فإن الحرب المفتوحة في سوريا وعليها، والتي تكاد تبدأ سنتها الخامسة تُرخي ظلالاً سوداء على مصير الدولة المركزية الواحدة الموحّدة فيها. وترتفع في أنحاء عربية مختلفة أصوات تطالب بدولة فيدرالية أو حتى كونفيدرالية تراعي أصول «المكوّنات» و «الأعراق» المختلفة فيها.. وإن ظلّ مثل هذا الاحتمال معلقاً على تطورات هذه «الحرب» التي تدخل هذه الأيام منعطفاً حاسماً قد تتقرر نتائجه خلال فترة قد لا تكون طويلة.
في هذه الأثناء، تتبدى إسرائيل وكأنها وحدها «الدولة» في هذا الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كونداليزا رايس قبل سنوات، خصوصاً وأنها ـ بهذه النسبة أو تلك ـ شريكة، ولو في الجو، لغارات الطيران الروسي على أهدافه في سوريا، وهذا ما مكّنه من المشاركة في غارات لحسابه على بعض مناطقها مؤخراً، وبالتأكيد في ظل قدر من التنسيق مع الأسطول الروسي.
أما لبنان فمشغول بالانتخابات الرئاسية فيه، ومكافحة «النصرة» التي تجد مَن يساندها عربياً (قطر مثلاً) إلى حد تقديم الوساطة للإفراج عن بعض جنوده الذين كانوا أسرى لديها، و «داعش» الذي لم يعثر على وسيط صالح معه للإفراج عمّن تبقى من جنوده رهائن لديه.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفوضى المسلّحة تستولد «الشرق الأوسط الجديد» العرب في التيه الفوضى المسلّحة تستولد «الشرق الأوسط الجديد» العرب في التيه



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab