الفتنة من لبنان إلى سوريا وبالعكس

الفتنة: من لبنان إلى سوريا وبالعكس

الفتنة: من لبنان إلى سوريا وبالعكس

 العرب اليوم -

الفتنة من لبنان إلى سوريا وبالعكس

طلال سلمان

في بيروت ومنها يمكن أن نقرأ مخاوف اللبنانيين، بداية، ومعهم سائر العرب، على مستقبلهم جميعاً، في المشرق كما في المغرب، من حاضرهم الذي يكتب بمزيج من نار الفتنة ودماء ضحاياها في معارك معظمها وهمي وخارج ميدان النضال الحقيقي، وطنياً، و«الجهاد المقدّس» لمن يرفع الشعار الديني هوية وراية. ففي لبنان، المدوّل منذ ابتداع «كيانه» والذي كان الخليط الطائفي فيه بين مبررات استيلاده، شكلت الطائفية بازاراً مفتوحاً لصناعة الزعامات والقيادات وحتى الأحزاب السياسية، والتي برّرت دورها القيادي بمهمة محددة لها في حراسة هذا «الكيان» وحمايته من الدعوات إلى الوحدة العربية والاندماج بمحيطه، قبل أن تبتدع له تاريخاً خاصاً يكاد يعزله عن محيطه ويجعله غريباً فيه. تمّ إقناع اللبنانيين بأن الدور يغني عن الوطن... وأن «الدول» هي الضمانة، خصوصاً وقد كرّست له دوراً ووظيفة تختلط فيهما السياسة بالدين والاقتصاد بالسياحة والثقافة بالترفيه والديبلوماسية بالتجسس عبره على محيطه لحماية مصالح تلك «الدول» التي تتولى رعايته وحماية نظامه. وها هم اللبنانيون، ونتيجة لعوامل شتى، بعضها «خارجي» وبعضها الآخر «داخلي»، يتوزعون أشتاتاً، ويتواجهون تحت شعارات من خارج السياسة، في المدن والجهات المختلفة، مع إدراكهم أن الفتنة تتهددهم بالدمار الشامل... متناسين أنهم عاشوا في جحيم الحرب الأهلية سنوات دموية طويلة ومنهكة، كادت تذهب بيقينهم ووطنيتهم ووحدتهم، وهم الآن مهددون بأقسى منها وأشمل وأعظم تدميراً. بل إن اللبنانيين، أو بعض أحزابهم وقواهم السياسية، يخوضون في دماء إخوانهم السوريين الذين تفجّرت فيهم أخطاء النظام وخطاياه ومخططات القوى الخارجية التي يتولى تنفيذها وتمويلها بعض أهل النظام العربي، مع إدراكهم أن هذه اللعبة الجهنمية مدمرة لوطنهم الصغير، خصوصاً أنها من مولّدات الفتنة التي لا تعترف بالحدود السياسية... علماً أن هذه «الحدود» لم تشكّل في أيام فاصلاً مانعاً للمصالح كما للآمال والطموحات كما للأغراض ومخططات «الدول» التي تحاول أن ترسم خريطة جديدة لهذه المنطقة تنزع عنها هويتها الجامعة، فتندثر العروبة والوطنيات المتضمنة فيها لحساب «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي قاعدته وعاصمته ونموذجه المثالي إسرائيل، تحيط بها مجموعة من المحميات الطائفية والمذهبية بعد تفسيخ الإسلام إلى مذاهب مقتتلة إلى يوم الدين، نتيجة إسقاط الرباط الجامع. من حق «الدول» المفاخرة بأن أنظمة الطغيان العربية قد تبارت في تحطيم منعة الشعوب بضرب طموحاتها الوطنية وتحقير أهدافها المحقة في حياة كريمة وفي التقدم للحاق بالعصر، وأعادتها إلى حضانة الهيمنة الأجنبية... وبين المفارقات الموجعة أن بعض الذين قفزوا إلى قمة السلطة باسم ميدان الثورة وتحت راياتها، سرعان ما خدعوا جماهير الثوار، وعادوا تحت الشعار الإسلامي هذه المرة، إلى طلب معونة «الدول» ومساعداتها التي بين شروطها البديهية عودة النفوذ الأجنبي أقوى مما كان في زمن الطغيان. والشعار الديني، وهو إسلامي عموماً، يعبّر عن منظور خاص إلى الدولة، أقل ما يُقال فيه إنه في مجتمعات متعددة المذاهب والطوائف، يأخذ إلى الفتنة مهدداً الوحدة الوطنية، أي وحدة الشعب صاحب الدولة وحامل هويتها، بالضياع في غياهب الاقتتال الأهلي. إن من يشارك، بالموقف أو بالسلاح والمال، في الصراع الدموي الفظيع الذي يتهدد سوريا الآن في وحدة شعبها ووحدة كيانها السياسي، أي دولتها التي كانت تبدو محصنة إلى حد أنها شكّلت نقطة استقطاب في محيطها، إنما يرتكب جريمة ضد وحدة اللبنانيين... وهي للمناسبة لم تستعد عافيتها تماماً بعد، بل ما زالت هشة تتهددها «الكانتونات» الطائفية والمذهبية القائمة فعلاً، وإن لم تتخذ صياغتها النهائية بعد. هل من الضروري الإشارة إلى أن «الدول» جميعاً، عربية ـ نفطية تحديداً، وغربية وشرقية، تصطرع في سوريا وعليها مجدداً، مستغلة الانشقاق الداخلي الذي أعجز تعنت النظام وتجبره عن معالجته ومنذ اللحظة الأولى التي ارتفعت فيها الأصوات بالاحتجاج... وكان أن تطور الاحتجاج إلى خروج على السلطة، ثم جاءت «الدول» لتطور هذا الخروج في اتجاه الحرب الأهلية التي تهدد الآن «الدولة» في سوريا بالتصدع، وتهدد وحدة شعبها بالانفراط. ومؤكد أن وحدة سوريا تعني كل مواطن في لبنان بقدر ما تعنيه وحدة هذا الوطن الصغير... وإذا كان العديد من الدول، عربية وأجنبية، يشارك في هذه الحرب التي تجاوزت النظام لتصير ضد الدولة ووحدة الشعب في سوريا، فهذا جرس إنذار للبنان الذي ما زال يعيش أسير ذكريات حربه الأهلية وما زالت مناخاتها التقسيمية تباعد بين أبنائه في مناطقهم، التي باتت أقرب إلى الكانتونات معزول بعضها عن البعض الآخر بالأحقاد والغربة وجهل الآخر، أو تجاهله. ولا تكفي أن تنأى الحكومة بنفسها عن هذه الكارثة القومية التي ضربت سوريا في دولتها ووحدة شعبها، بل الأهم أن يعي اللبنانيون على اختلاف توجهاتهم السياسية، هول الخطر الذي يشكله عليهم احتمال سقوط الدولة في سوريا أو انفراط عقد وحدة شعبها الذي طالما كان أخاً شقيقاً ومعيناً صادقاً للبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية. نقلاً عن جريدة "السفير"

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفتنة من لبنان إلى سوريا وبالعكس الفتنة من لبنان إلى سوريا وبالعكس



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:07 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة في تجربة درامية جديدة
 العرب اليوم - زينة في تجربة درامية جديدة

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab