غزة ـ فلسطين ـ الأمة بين المجاهدين ومزوّري الدين

غزة ـ فلسطين ـ الأمة: بين المجاهدين ومزوّري الدين

غزة ـ فلسطين ـ الأمة: بين المجاهدين ومزوّري الدين

 العرب اليوم -

غزة ـ فلسطين ـ الأمة بين المجاهدين ومزوّري الدين

طلال سلمان

تغمر دماء غزة هاشم، بأطفالها وفتيتها والنساء والكهول، وجوه العرب جميعاً، في المشرق والمغرب. يحاولون مسحها فيعجزون وينتبهون إلى أنها غدت بعض ملامح الوجه، وأنها قد استقرت في مآقي العيون.
تتهاوى البيوت التي بُنيت بعرق التعب على أصحابها فتتحوّل قبوراً للذين هجّرهم "القدر" الإسرائيلي مرة ومرتين وثلاثاً، ويتوجب على أبنائهم أن يسحبوا الأجداث الطاهرة للرجال الذين قرروا المواجهة معوّضين بشجاعتهم النقص الفاضح في دعم الأخوة الذين شاركوا العدو في حصارهم، حتى كادت غزة جميعاً تتحول إلى مقبرة.
لكن غزة لم تسقط، لم ترفع الأعلام البيضاء، لم تطلب الهدنة بل لعلها رفضتها، مفضّلة أن تواصل جهادها ـ لوحدها ـ في مواجهة إسرائيل التي كانت العدو القومي للعرب جميعاً فصارت حليف بعضهم ضد المقاتل منهم، وشريك بعضهم الآخر في المساومة على الدماء التي سقت أرض فلسطين جيلاً بعد جيل.
غزة هاشم هي الجبين العالي لكل عربي يرفض ذل الهزيمة.
غزة هاشم المنبسطة كراحة كف قدّمت نفسها عبر حروب العدو عليها قلعة لا تؤخذ: أرضها تبتلع جنود الغزو المسلح، وتمد جسدها خندقاً للمجاهدين يحتمون بها، يخرجون منها أرواحاً من نور تواجه القتلة في مواقعهم المحصّنة، وترديهم واحداً واحداً.
غزة هاشم وحيدة، لكنها ليست الأرملة الثكلى، بل هي الأم ولاّدة الأبطال، يتلقون صواريخ عدوهم بصدورهم ولا يسقطون، يدفنون شهداءهم ولا يبكون. لا وقت للبكاء. لا عزاء في الشهداء. المعركة لا تحتمل مثل هذا الترف. العدو يلغّم الأرض والبيوت، يسمّم الهواء، يقطع النور، ينسف أنابيب المياه. ولا بد من صدّه ولو بأجساد أهل الأرض التي ستشارك أهلها جهادهم ولسوف تحميهم.
لا خيار: عدوك هو الموت، والمواجهة شرط حياة. قد يقتل مئة، ألفاً، عشرة آلاف. فليكن. ليس أمامك ترف الهرب. وأين تهرب من هذه الجزيرة، ولا ملجأ، والذين سبقوا إلى اللجوء دُفنوا أحياء. وحصار الموت يشارك فيه الأخ الشقيق الذي طالما احتضن غزة وأهلها مع عدوها ـ عدوه إلى أبد الآبدين.
غزة هاشم وحيدة، لكنها الآن الأمة جميعاً. هي الدنيا والدين. هي عنوان الجهاد الحق. تواجه عدوها الذي وحده العدو. تقتحم دباباته. تختطف من وصلت إليه أيدي أبطالها من جنوده المصفّحين قبل أن تصل إليها صواريخ طيرانه وقذائف دباباته والمدفعية.
أما مزوِّرو الدين والمنصبّون أنفسهم "خلفاء" فلا يقتلون إلا أهلهم، ولا ينهبون إلا أموال الناس، ويتباهون بمجازرهم وإعدامهم المسلمين علناً، وطردهم المسيحيين الذين كانوا في الأرض من قبل أن يصلها الدين الحق فحفظهم وحفظوه.
هل يستوي القتلة باسم "الجهاد"، مدمرو دور العبادة، مشردو الأهل بنسائهم والأطفال، مع هؤلاء الذين يحمون الوجود العربي في فلسطين بدمائهم، والذين يحمون شرف الأمة عبر المواجهة الباسلة لعدو الأمة، بأرضها وإنسانها، وأديانها، وثرواتها، بتاريخها ومبدعيها أدباً وفنوناً واجتهاداً في الفقه، وأبطالها في مواجهة المحتل الأجنبي والطامع بخيراتها الذي جعل لها حدوداً غير حدودها وهويات غير هويتها؟
دماء غزة على جبين كل منا. ومع دماء غزة ثمة دمغة عار وسمنا بها هؤلاء الذين يأخذهم التيه إلى طلب السلطة وفرض الإسلام على المسلمين، وإعدام المؤمنين الذين يخالفونهم الرأي، وتشريد أهل البلاد الذين كانوا دائماً أهلها (كما في الموصل وجوارها ونينوى بأريافها وتشكيلتها البشرية حافظة التاريخ وصولاً إلى دير الزور لنهب الثروة النفطية في كل من سوريا والعراق..).
لقد تعاظمت خطايا النظام العربي فجبن أمام عدوه واستشرس في مواجهة شعبه، زوّر التاريخ والجغرافيا، وفرض على "رعاياه" تاريخاً غير تاريخهم، وأخرجهم من أوطانهم منفيين أو مقتولين في سجونه، وحرَّف في الدين وزوّر في النصوص المقدسة بما يخدم أغراضه، فجاءت "داعش" حصيلة جهوده وابناً شرعياً لتزويره..
أما في غزة فالمؤمنون يجاهدون عدوهم، عدو أرضهم وإنسانها، عدو تاريخهم ومستقبلهم، لا يغلطون فيه ولا يضيعون عنه ولا هو يترك لهم فرصة للضياع.. لذا فلهم شرف الحياة ومجد الاستشهاد. أرضهم مقدسة كما عقيدتهم، مباركة ككتابهم المقدس، حمايتها هي الأصل، هي الاسم والهوية وشهادة الميلاد.
حب الوطن من الإيمان، وحمايته هي الواجب المقدس. أما البدع التي تدمّر الأوطان وتغتال الناس البسطاء، المؤمنين قطعاً، فهي إلى الكفر أقرب حتى لو ادّعى مرتكبها أو متبعها أنه "أمير المؤمنين".
إسلام غزة فلسطين هو عروبتها، هويتها، وهو مصدر حماية أبنائها المسيحيين.
أما "أمير المؤمنين" في "داعش"، ناهب البيوت، قاتل أصحابها، طارد أهلها الأصليين، فليس أكثر من زعيم عصابة من القتلة، تاجر النفط المسلوب من أهله، مزوّر الدين الحق.
القاتل هو القاتل، ولا يبرّئ الشعار الديني القتلة، بل هو يؤكد إدانتهم.
وحسناً فعل الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن رفع الصوت منبهاً إلى خروج "داعش" عن الدين، مديناً صمت العالم عن الجرائم الإسرائيلية في غزة... ولكن المطلوب منه أكثر من مثل هذا البيان المسبوك بعناية. إنه قادر بحكم موقع دولته، وهو قادر بحكم سيطرته على بعض ثروة العالم من النفط، وهو قادر باعتباره "حامي الحرمين الشريفين"، وغزة في مدى نظره، لو أنه نظر فرأى ما يجري فيها. فليقدّم ما يقدر على تقديمه في السياسة، أي الموقف، وفي الدعم المباشر، مادياً، وهو يستطيع أن يقدّم الكثير. وليسارع إلى النجدة لكي تكون مؤثرة. والسلام على من اتبع الهدى.. مع التمني أن يبدّل هذا الموقف الملكي في إصرار النظام المصري على مخاصمة غزة وأهلها حتى ولو وصلت قوافل الشهداء إلى حدود مصر أو تخطتها.

 

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة ـ فلسطين ـ الأمة بين المجاهدين ومزوّري الدين غزة ـ فلسطين ـ الأمة بين المجاهدين ومزوّري الدين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab