عن الوطن والكيان والأقليات و«داعش» كعدو للجميع

عن الوطن والكيان والأقليات و«داعش» كعدو للجميع..

عن الوطن والكيان والأقليات و«داعش» كعدو للجميع..

 العرب اليوم -

عن الوطن والكيان والأقليات و«داعش» كعدو للجميع

طلال سلمان

يفاخر كثير من عتاة اللبنانيين بأن بلدهم الصغير هو ملجأ «الأقليات»... وقد يبالغون فيلغون «الوطن» ليكتفوا بتوصيف لبنان على أنه ـ وبقرار دولي صارم ـ محمية دولية للأقليات الدينية والطائفية أساساً، ومعها ما قد تسرّب إليه من أقليات عرقية (سرعان ما تُمنح تكريماً وتشريفاً الهوية بالأرزة الخالدة عليها..).

بهذا المعنى ينتفي وجود «الوطن»، ويصير منطقياً الحديث عن «كيان»، ويختفي «الشعب» لتحضر «المكونات» أو «العائلات الروحية» وتشحب أناشيد الاعتزاز بالهوية الوطنية الجامعة لتغلب نبرة العصبية الدينية، بل الطائفية والمذهبية، ويتم تثبيت هذا الواقع وكأنه «قدر» لا راد له... ثم ننتبه إلى انه «امتياز» خصتنا به «الدول» قديماً، ولإخلاصها لرسالتها الإنسانية فهي ما تزال ترعاه وتحميه من خطر الذوبان في الأكثريات الإسلامية، حتى لو لجأت إلى الهوية القومية، أي العروبة.. وهي بذلك تتحاشى ذكر الهوية الجامعة لشعوب هذه الأرض العربية من أدنى المشرق إلى أقصى المغرب..

وبهذا المعنى لا يرى هؤلاء الكيانيون اللبنانيون في سوريا شعبها بأطيافه جميعاً، حين يتهددها خطر مصيري في دولتها وأهلها كالذي تواجهه اليوم، بل يحصرون همهم بأقلياتها المسيحية وكأنهم يعيشون في جزيرة ـ محمية هي منها وليست فيها، ويشكلون وفوداً من المقامات السامية لرجال الدين لزيارتها والاطمئنان عليها تحديداً، وبمعزل عن واقع «جيرانهم» بل «إخوتهم» وشركاء المصير في الوطن الواحد.

كذلك فإنهم لم يهتموا لمحنة شعب العراق جميعاً، بوقائعها الدموية المستمر نزيفها منذ ما قبل الاجتياح الأميركي وحتى اليوم، والتي ذهب ضحيتها أكثر من مليون عراقي خلال السنوات العشر الماضية... فلما وقعت الواقعة واقتحم الإرهابي، الذي نصّب نفسه خليفة للمسلمين باسم «أبو بكر البغدادي»، على رأس جحافل «داعش» الموصل ـ بأهلها المليوني نسمة ـ متقدماً نحو آبار النفط، في الطريق إلى بغداد، مجتاحاً سنجار وسائر نواحي محافظة نينوى حيث مسقط رأس الكلدان والأشوريين ومعهم الأيزيديون والصابئة منذ بداية الخلق، ارتفعت أصوات الاستنجاد والدعوات إلى إنقاذ بناة الحضارة الإنسانية الأولى السابقة على الرسالات السماوية.

وبالطبع فإن هؤلاء الناس الطيبين، الثابتين في أرضهم، المؤمنين بحق، والذين لم يعرفوا الضغينة والكراهية وعاشوا مخلصين لبلادهم وأصلهم فيها، يستحقون أقصى الاهتمام وما أمكن من أسباب الحماية، شأن سائر العراقيين الذين لا تتوقف طوابير ضحاياهم اليومية عن التساقط في مجمل أرض الرافدين.

على هذا فليس لنا اعتراض على زيارة وزير الخارجية إلى اربيل عن طريق بغداد، ولا على زيارة البطاركة الأجلاء اربيل مباشرة للقاء المهجرين من ديارهم التي تعتبر أول ما عمّر الإنسان من أرض، بل ان تفقد هؤلاء المشردين بعد اقتلاعهم من أرضهم، واجب إنساني، فضلاً عن كونه يمثل الحد الأدنى من التضامن.
لكن الملاحظة تتصل بالتضامن مع سائر الضحايا من العراقيين، وهم «الشعب» جميعاً، بعربه وكرده وسائر الأقليات،

ثم ان التوجه بطلب النجدة إلى دول الغرب، التي يعرفها الكلدان والأشوريون والأيزيديون منذ عقود، ولهم فيها جاليات مؤثرة حرصت على إبقاء علاقتها وطيدة ودائمة مع أهلهم في العراق، فيه شيء من تجاوز الواقع وكرامة الدولة التي يشكل هؤلاء بعض رعاياها، شأنهم شأن إخوانهم من المسلمين، عرباً وكرداً، شيعة وسنّة.

إنه تمييز نافر، كان من الأفضل تجنبه، خصوصاً والكارثة أصابتنا وتصيب العراقيين جميعاً.. وفي هذه اللحظة فإن العراقيين جميعاً، ومعهم السوريون (ونحن في لبنان، ولو ان آثار القدم الهمجية لـ«داعش» لم تستقر في عرسال)، هم ضحايا هذه الموجة الإرهابية غير المسبوقة... وبالتالي فالتضامن واجب، ومع الجميع (ونحن منهم).

إن منطقتنا تتحول، فجأة، وأمام عيوننا، إلى مزق من الأرض، لا هوية جامعة لأهلها الذين يُدفعون إلى استعادة أعراقهم وأصولهم القديمة وانتماءاتهم الدينية والطائفية ما قبل الوطنية والقومية، منفصلين عن واقعهم وعن سائر أهلهم الذين كانوا دائماً معهم ومنهم، وإن هم اختاروا ديناً غير الذي كانوا عليه، سواء عبر الإيمان برسالة سماوية أخرى أو بتغليب الهوية الوطنية على الانتماء الديني الموروث.

ومع التقدير والتفهم للخوف المتأصل عند الأقليات الدينية والطائفية والعرقية السابقة على قيام الأوطان ودولها، بالقرار الأجنبي غالباً، وبالتسليم المحلي ولو بالإكراه، فإن «الأكثريات» تعيش مثل هذا الخوف وأكثر، لأنها كانت قد اطمأنت إلى «الدولة» كإطار جامع لأبناء الوطن جميعاً على اختلاف انتماءاتهم ومعتقداتهم بوصفهم شعباً واحداً بحاضرهم ومستقبلهم... وها هم الآن في العراء: دولتهم الوطنية مطعونة في وحدتها، ضعيفة في مقدّراتها، عاجزة عن حماية شعبها الذي يفتقد حاضنته الرسمية الجامعة والتي تمنحه هويته كمواطن وتحميه بجيشها وقواتها الأمنية وتلبي احتياجاته بإداراتها ومؤسساتها. فعاد كل، أو انه في طريق العودة، إلى أصوله العرقية والدينية والطائفية يستنجد بالدول البعيدة طالباً حمايتها.

وليس هذا حلاً، بل انه مشروع يهدد منطقتنا بالتمزق ووحدة شعوبنا بالانفراط ويفتح الطريق أمام الدواعش جميعاً، غربية وشرقية وبين بين، ولا عرب ولا مستقبل.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الوطن والكيان والأقليات و«داعش» كعدو للجميع عن الوطن والكيان والأقليات و«داعش» كعدو للجميع



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab