حــمــى الـــلــــه مـــصــــــــــــر

حــمــى الـــلــــه مـــصــــــــــــر

حــمــى الـــلــــه مـــصــــــــــــر

 العرب اليوم -

حــمــى الـــلــــه مـــصــــــــــــر

طلال سلمان

كشفت الأحداث المحزنة التي شهدتها مصر، بعاصمتها ومدن قناة السويس ومراكز المحافظات الأخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، مأساة أن تكون «الثورة» بلا قيادة واضحة ومعروفة وبلا برنامج محدد يكشف مواقف القوى السياسية من القضايا المطروحة، بما يسهل التحالفات وحدود الاختلاف مع المعارضة عموماً، ومع السلطة بالدرجة الأولى. ... هذا فضلاً عن أن «الرئيس» الذي وصل إلى السدة بهدف منع «غيره» من الوصول، لتعذر إمكان وصول المرشح الأقرب إلى شعارات الثورة والأقدر على التعبير عنها بطموحاتها العالية، قد جاء بالتزامه الحزبي محاولاً تخفيفه بالتعهد بشراكة كاملة مع قوى الثورة. فلم تعمر طموحاته طويلاً إذ جرى إسقاطها عند باب القصر الجمهوري في اليوم التالي لاستقراره فيه. لقد كان «الميدان» ارض لقاء بين قوى سياسية واجتماعية، بعضها «تاريخي» معتق، ومعظمها شبابي تطاول طموحاته السحاب، إضافة إلى قوى سياسية واضحة الشعار، وان كان «تنظيمها» أضعف من أن يستطيع حملها إلى قمة السلطة. كانت نقطة الإجماع بين هذه القوى المختلفة ضرورة إسقاط حكم الطغيان... ولكنها لم تكن قد استعدت لما بعد إسقاطه، ربما لأنها لم تكن تتصور ان السلطة التي كانت تتبدى «حديدية» ستنهار بهذه السرعة، وبهذه السهولة، أو ربما لان جماهيرها التي تلاقت على غير موعد ومن دون برنامج موحد، قد بوغتت وارتبكت ولم تعرف، أو أنها لم تكن تملك أن تتصرف مع «السلطة» التي وقعت أرضا... فكان أن تولاها الجيش، اضطراراً، وكوكيل تفليسة، وريثما يحضر الأصيل المجهول! وحين تم استحضار «البديل» كانت الثورة بشعاراتها وأهدافها قد غادرت «الميدان» محبطة. والإحباط يستولد الخلاف والشقاق وتبادل الاتهام بالمسؤولية عما وقع من خارج التصور او المرتجى. ليس ذلك حديثاً عن الماضي وفيه، بل هو محاولة لتفسير حالة الاضطراب الراهن التي تسود مصر نتيجة وصول «رئيس» ببرنامج غير الذي كان ينادي به «الميدان»، وكذلك نتيجة انفراط عقد الميدان عبر مسلسل من الاستفتاءات الوهمية، وعبر استعراضات حزب الحكم وحلفائه بالسلاح، مما فرض مناخاً غير صحي، واربك قوى «الميدان» التي ما زالت تشكو افتقارها الى قيادة فاعلة ببرنامج محدد يعيد تأطير الجماهير التي ترى نفسها مضيعة بعد عامين طويلين من أشكال الاحتجاج الجماهيري بالتظاهرات والمسيرات التي وصلت الى القصر الرئاسي فحاصرته، ثم عادت الى «ميدانها» تنتظر قيادة فاعلة تحدد لها الخطوة التالية. وبالتأكيد فان الأحداث التي توالت خلال الأيام القليلة الماضية، قد كشفت فشل سلطة الإخوان بكل الدماء التي أُسيلت خلالها خصوصاً في مدن القناة التي تحفظ لها الذاكرة العربية موقعاً مميزاً نتيجة البسالة التي واجه بها أهلها العدوان الثلاثي على مصر، اثر القرار التاريخي بتأميم قناة السويس الذي اتخذه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يوم 26 يوليو/ تموز1956... وهكذا عبر صمودها بالتضحيات الجسام خلال حرب الاستنزاف 1968- 1970 ثم خلال حرب رمضان ـ العبور وبعدها. وفي الذاكرة الشعبية العربية تحتل بورسعيد مكانة مميزة تداني القداسة. من المؤسف الاعتراف ان حالة الاضطراب التي تسود مصر ستستمر بكل انعكاساتها السلبية على أوضاعها (والأوضاع العربية عموما) طالما استمر غياب القيادة المؤهلة للمعارضة ببرنامجها السياسي المعلن، كقاعدة للتلاقي بين مختلف القوى، رافضة هيمنة الحزب الواحد (الإخوان) وشركائه، والتوجه المتزمت الذي يكاد يُخرج المسلمين من إسلامهم، فضلاً عن موقفه «العدائي» من الأقباط... هذا قبل الحديث عن موقفه الهيولي من الإدارة الاميركية ومطالبها المعلنة وأولها وأخطرها عدم التعرض للعلاقة المهينة مع إسرائيل، ثم المضي بسياسة الانفتاح إلى مداها، بغض النظر عن نتائجها على اقتصاد البلاد ولقمة عيش العباد. ولقد كان من الطبيعي أن ترفض «جبهة الإنقاذ الوطني»، إذا ما اعتبرناها قيادة سياسية للأكثرية من جماهير الميدان، (الدعوة المتكررة) للحوار التي يطلقها الرئيس محمد مرسي كلما واجه مشكلة، من دون أن يحدد للحوار أسسا واضحة تفضي إلى نتائج تلبي المطالب البديهية للشعب، وأولها إنهاء فترة الحكم المتفرد الذي يخفي في طياته حكم جماعة حاولت وما تزال تحاول احتكار السلطة، برغم فشلها المفضوح في معالجة مشكلات البلاد، وهي خطيرة ومعقدة وتهدد بانهيارات مريعة في الاقتصاد والاجتماع، والتأخير في علاجها سيقود الى كارثة وطنية فعلية تذهب باستقرار مصر وأمان شعبها وأحلامه في الثورة التي كان يأمل منها أن تفتح أمامه أبواب الغد الأفضل. لقد ثبت بالدليل الحسي، لأهل مصر كما لمن هم خارجها، أن حزب «الإخوان» يحاول فرض هيمنته بسلطة لا تملك برنامجاً للنهوض بالبلاد، لا في المجال الاقتصادي ولا في الاجتماعي.. كذلك ثبت شرعاً أن رئيس الجمهورية ليس حراً في حركته بل انه يطلق الوعود والتعهدات جزافاً، ويوجه دعوات إلى حوار من دون مضمون، ولعله لا يريد منه إلا الصورة مع معارضيه، للادعاء انه نجح في إقامة الوحدة الوطنية، فان رفضوا- وهم لا بد أن يرفضوا- ألقى الحجة عليهم واتهمهم بأنهم يتقاعسون عن إنقاذ بلادهم، وهم في حقيقة الأمر يرفضون أن يشاركوا في المسؤولية عن ضياع مصر. ولقد «شاخ» حكم المرسي وهو لما يبلغ عامه الأول، فتبدى في عجزه وفي انعدام خياله وفي ارتباك قراره وكأنه في الأيام الأخيرة لولايته. وأكثر ما تخشاه الجماهير العربية خارج مصر أن يركب «الإخوان» رؤوسهم. وأن يمضوا في المحاولة المدمرة للانفراد بالحكم، وهي محاولة فاشلة لكن فشلها عظيم الكلفة... ولن ينفع في التبرير اتهام «جبهة الإنقاذ الوطني» بأنها المسؤولة عن الفشل. فحين كانت المشاركة ضرورة وطنية امتنع حكم «الإخوان» عن الالتزام بموجباتها، وهم ما زالوا يمتنعون عنها. فلا تكون الدعوة للقاء الوطني الجامع عبر خطاب متوتر مليء بالتهديد والوعيد يخلص إلى فرض منع التجول ليلاً على المدن الكبرى الثلاث على امتداد قناة السويس. ثم بالتشريع لتولي الجيش سلطة الحاكم العرفي. ان إخوان مصر يتبدون متعجلين احتكار السلطة، مع معرفتهم أن أعباءها أثقل بكثير من أن يستطيعوا احتكارها إلا بالعسف، ومن دون برنامج جدي ومقنع للميدان بل ولجماهير الشعب المصري عموماً. ومن خلال القرارات الخاطئة والمرتجلة التي حفلت بها ممارسات «السلطة الإخوانية» على امتداد الشهور السبعة الماضية، من حق المصريين ان يخافوا على حاضرهم وعلى مستقبل بلادهم من هذا الحكم الذي يهتم بإرضاء الخارج أكثر بكثير من اهتمامه بوحدة شعبه ومطالبه الملحة. بل إن هذا الحكم سوف يتحمل المسؤولية تاريخياً عن إضاعة فرصة نادرة لتوحيد «الميدان» بقواه السياسية والفكرية والاجتماعية المؤهلة خلف برنامج عملي وعصري ينهض به هذا الشعب القادر- بوطنيته الصافية وإخلاصه لبلاده- على التعويض عن الزمن الذي أضاعه حكم الطغيان والذي يتهدده «حكم المرشد» بمزيد من الضياع. إن ثورة مصر في خطر.. بل إن مصر كلها في خطر، ولن ينفع تشاطر من آلت إليه السلطة بمصادفة قدرية في أن يمنع الكارثة. إن أهداف الثورة واضحة ومعلنة. والمطلوب سلطة مؤهلة للإنجاز. وما زالت الفرصة متاحة، وان كانت الظروف الآن أصعب والتضحيات المطلوبة أعظم جسامة. إن المطلوب ـ مرة أخرى - إنقاذ مصر، ولا يكون ذلك بحكم فرد أو جماعه مثقلة بتاريخ ليس مضيئاً تماماً، ولا يبرر «الظلم» النقص في برنامجها، او الرغبة العارمة بالتفرد. وليس في الخطوات المتخذة، حتى الساعة، ما يطمئن الى الغد. وفي انتظار إعادة صياغة الحكم، في هذه المرحلة الحرجة، عبر جبهة وطنية حقيقية تضم كل المؤهلين والموثوقين، أصحاب الرؤية والأفكار والخبرة والعلم والوعي، سنظل نردد - بخوف - حمى الله مصر. نقلاً عن جريدة "السفير"

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حــمــى الـــلــــه مـــصــــــــــــر حــمــى الـــلــــه مـــصــــــــــــر



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab