بقلم - خيرالله خيرالله
يتأكّد كلّ يوم أكثر وجود عالمين في منطقة الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا. عالم مرتبط بالمستقبل وما يمثله بكل الآفاق التي يفتحها... وعالم يصرّ على البقاء في أسر الماضي وعقده من دون أيّ إحساس بأهمْية رفاه المواطن العادي في هذا البلد أو ذاك.
هناك عالم متصالح مع نفسه بالتركيز فيه على بناء الإنسان.
عالم يشعر الحاكم فيه أنّه جزء من الشعب وتطلعاته كما حال المغرب ودولة الإمارات العربيّة المتحدة... وهناك عالم يحتاج فيه الحاكم إلى قمع شعبه حفاظاً على نظامه.
الفارق شاسع بين هذين العالمين، بين من يعمل من أجل المحافظة على النظام بأي ثمن، وبين من يهمه مصير بلده وشعبه والرفع من شأنهما.
ظهر ذلك بكلّ وضوح من خلال الزيارة التي قام به حديثاً الملك محمّد السادس لدولة الإمارات وما أسفرت عنه لقاءاته مع رئيس الدولة الشيخ محمّد بن زايد من نتائج مبنيّة على الشراكة والتعاون الاقتصادي.
من المفيد التوقّف عند الاستقبال الاستثنائي الذي خص به محمّد بن زايد ضيفه، خصوصاً رسم سلاح الجو الإماراتي علم المغرب في سماء أبوظبي تكريماً لمحمّد السادس واحتفاء به وبمكانته.
يأتي لاحقاً ما أسفرت عنه الزيارة بحد ذاتها والتي يبدو أنّه أعد لها بشكل دقيق مع توقيع الرئيس الإماراتي والملك المغربي إعلان «نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة» بهدف الارتقاء بالعلاقات والتعاون الثنائي إلى آفاق أوسع، من خلال شراكات اقتصادية فاعلة تخدم المصالح العليا المشتركة وتعود بالتنمية والرفاه على البلدين.
شدد محمد السادس ومحمّد بن زايد على طموح الدولتين لإقامة شراكات اقتصادية إستراتيجية مشتركة رائدة على مستوى الأسواق الإقليمية والدولية، لاسيما مع الفضاء الأفريقي.
أشاراً إلى أن التعاون بين الإمارات والمغرب يرتكز على مبادئ عدّة في مقدمها إعطاء دفعة قوية للشراكة والتنمية الاقتصادية.
يتعلق الأمر بفرص الاستثمار في مشاريع البنيات التحتية، من خلال بناء خطوط السكك الحديد مع إعطاء الأولوية للقطار الفائق السرعة الذي يربط القنيطرة – بمراكش تقع القنيطرة بين الرباط وطنجة وهي على خط القطار السريع (البراق) الذي يربط الدار البيضاء بطنجة مع توقف في الرباط. كذلك، ستكون هناك شراكة إنمائية وشراكة بين شركة بترول أبوظبي الوطنية ومجموعة المكتب الشريف للفوسفات، وشراكة استثمارية في مشاريع تهم قطاع الطاقة.
اتفق الجانبان أيضا على البحث في تطوير مشاريع مشتركة في المجالات السياحية والعقارية، لاسيما على ساحل البحر الأبيض المتوسط وفي جهتي الداخلة وطرفاية (على ساحل المحيط الأطلسي)، فضلاً عن دراسة إنجاز مشاريع في مجال الاتصالات والاقتصاد الرقمي وتمويلها، مع مشاريع أخرى ذات بعد اقتصادي والتعاون في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.
نصت إحدى المذكرات على وضع الأسس لتعاون استثماري في قطاع الموانئ وعلى إرساء شراكة استثمارية مرتبطة بمشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا.
تدعو زيارة الملك محمّد السادس لأبوظبي إلى التوقف عند ملاحظات معيّنة بينها اللغة المستخدمة هي لغة حديثة وعلميّة في الوقت ذاته.
في مقدّم هذه الملاحظات تلك العلاقة العميقة بين بلدين يعرف كلّ منهما الآخر جيداً على الرغم من المسافة التي تفصل بينهما. ليس الموضوع موضوع علاقة شخصيّة ربطت في الماضي بين الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان الذي أسّس الإمارات ولاحقاً بين محمّد السادس ومحمّد بن زايد فحسب، بل إنّه فهم وتفاهم عميقان أيضا.
يفهم العاهل المغربي، الإمارات ودورها على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويفهم الرئيس الإماراتي أبعاد العلاقة مع المغرب ومعناها أفريقيا ودولياً.
يوجد فهم لأهمّية وحدة التراب المغربي وللتطور في نظرة المغرب إلى ما هو أبعد من أفريقيا، أي إلى البعد الأطلسي من خلال تطوير ميناء الداخلة.
تحدث محمّد السادس طويلاً عن هذا البعد في خطابه الأخير في ذكرى «المسيرة الخضراء» التي استعادها المغاربة من خلالها أقاليمهم الصحراوية في نوفمبر من العام 1975.
لم يكن خطاب محمّد السادس في الذكرى الـ48 لـ«المسيرة الخضراء» سوى تأكيد لاستمرار المسيرة التي يتبيّن يومياً كم كانت مهمّة على غير صعيد، بما في ذلك العمق الأفريقي الذي أضيف إليه البعد الأطلسي لبلد مثل المغرب.
تميّز خطاب محمّد السادس الأخير، في ذكرى «المسيرة الخضراء»، بالشفافية والصراحة.
قال العاهل المغربي: «مكّن استرجاع أقاليمنا الجنوبية، من تعزيز البعد الأطلسي للمملكة. كما مكنت تعبئة الديبلوماسية الوطنية من تقوية موقف المغرب وتزايد الدعم الدولي لوحدته الترابية والتصدي لمناورات الخصوم المكشوفين والخفيين.
إذا كانت الواجهة المتوسطية تعدّ صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو أفريقيا ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي (...)».
ليس سرّاً الدعم الإماراتي الدائم للمغرب ولوحدته الترابيّة، وهو دعم يشكل موقفاً مشتركاً لأعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة التي اعترفت بمغربيّة الصحراء.
يتعلّق الأمر في نهاية المطاف بموقف حضاري من حرب مفتعلة تشنّها الجزائر، عبر أداة اسمها «بوليساريو» على المغرب بهدف واضح يتمثّل في عرقلة جهود التنمية.
لا استعداد مغربيّاً للسقوط في الفخّ الجزائري، ولا استعداد إماراتياً للسقوط في أسر الشعارات الفارغة التي تعني حروباً تشنّ بتوقيت يفرضه آخرون على دول المنطقة.
من هنا الرغبة المشتركة في وقف حرب غزّة في أسرع وقت بعيداً عن المزايدات، من أي جهة أتت، من جهة وإنقاذ الشعب الفلسطيني والحؤول دون تصفية قضيّته من جهة أخرى.
المغرب يعرف الإمارات، والإمارات تعرف المغرب.
مثل هذه المعرفة المتبادلة المبنيّة على أسس علمية تفضي إلى لغة مشتركة وشراكة في التطلع إلى المستقبل تحت عنوان عريض اختاره الجانبان «نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة»... تقوم أوّل ما تقوم على التخلّص من الجهل والتخلّف بكل أشكالهما.