لا يرغب الغرب، على رأسه الولايات المتحدة، بالحاق هزيمة بروسيا في أوكرانيا. يخشى من انعكاسات مثل هذه الهزيمة على روسيا نفسها وعلى احتمالات تفككها.
لكنه لن يسمح بانتصار روسي حاسم على هذا البلد الأوروبي المهمّ في ضوء ما يشكله ذلك من تهديد لكلّ دولة أوروبيّة، خصوصاً دولة مثل بولندا التي عانت الكثير من النازية الهتلرية والنازية السوفياتية.
تلك الخلاصة التي توصل إليها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي بدأ يشكو صراحة، عبر تصريحاته الأخيرة، من فقدان الروح المعنوية في صفوف الجيش الأوكراني من جهة ومن نقص في عديد هذا الجيش والأسلحة التي تسمح بالتصدي للمسيرات والصواريخ الروسيّة من جهة أخرى.
لم تنفع في تبديد مخاوف الرئيس الأوكراني التطمينات الأميركية والأسلحة الموعود بها والتي يزيد ثمنها على 60 مليار دولار. كذلك لم ينفع الكلام الكبير للرئيس إيمانويل ماكرون عن ضرورة إرسال مقاتلين أوروبيين إلى أوكرانيا لدعمها في مواجهة تقدّم القوات الروسية في داخل أراضيها.
لا قيمة تذكر لكلام الرئيس الفرنسي ما دامت أوروبا منقسمة على نفسها وما دامت لا تعرف كيف التصدي لروسيا في أوكرانيا. بكلام أوضح، لا تمتلك فرنسا الوسائل التي تسمح لها بتنفيذ سياستها كما لا تمتلك القدرة على التأثير أوروبيا.
يبدو واضحاً أنّ القرار الغربي، بعد مضي سنتين وبضعة أشهر على الحرب الأوكرانيّة، يقوم على استنزاف روسيا التي استطاع فلاديمير بوتين تحويلها إلى دولة وجدت نفسها، بسبب سوء الحسابات، في خضمّ حرب طويلة.
يؤكّد ذلك تغيير وزير الدفاع سيرغي شويغو. حل مكان شويغو شخص مدني هو اندري بيلوسوف.
معروف أنّ بيلوسوف خبير اقتصادي لا خبرة عسكرية لديه. يشير توليه موقع وزير الدفاع إلى أن بوتين بات مقتنعاً بأن الحرب الأوكرانية، التي هي مسألة حياة أو موت بالنسبة إليه، ستطول وأنّه بات عليه ربط الاقتصاد الروسي بالحرب وجعله يتكيّف معها.
أي أن الاقتصاد الروسي سيكون في خدمة الحرب بدل أن يكون في خدمة الشعب الروسي ورفاهه.
ليس سرّاً أنّ القوات الروسية تحقّق منذ فترة تقدّماً في الداخل الأوكراني في ظلّ تراجع في قدرة القوات الأوكرانيّة على التصدي للعدوان الذي يتعرض له البلد منذ 22 فبراير 2022. لكنّ ذلك لا يعني في أي شكل أن روسيا ستكون قادرة على إلحاق هزيمة ساحقة بأوكرانيا التي يرفض بوتين خروجها من الفلك الروسي.
ستطول الحرب الأوكرانيّة التي صار لها وجه آخر هو البعد الصيني لهذه الحرب. قبل أيّام زار فلاديمير بوتين، بكين، في أول رحلة خارجية له منذ إعادة انتخابه رئيساً للاتحاد الروسي. كانت الزيارة مهمّة من زوايا عدّة.
في مقدّم هذه الزوايا حفاوة الاستقبال الذي لقيه الرئيس الروسي في بكين والكلام الذي صدر عن الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي قال «إن العلاقات الصينيّة - الروسيّة باتت الآن في أفضل مستوى لها تاريخيا».
إضافة إلى ذلك، ظهرت رغبة واضحة في تعميق العلاقات بين البلدين من جهة والتصدي للولايات المتحدة من جهة أخرى. ظهر ذلك عن طريق البيان المشترك الطويل الذي صدر في ختام زيارة بوتين. تطرّق البيان إلى «محاولات» الولايات الولايات المتحدة الهادفة إلى إضعاف الاستقرار الإستراتيجي بغية المحافظة على تفوقها العسكري.
لم تخف حفاوة الاستقبال التغيير الأساسي في واقع العلاقات بين الصين وروسيا. راحت الأيام التي كانت فيها منافسة من تحت الطاولة بين البلدين، خصوصا أيام الاتحاد السوفياتي سعيد الذكر، حين كانت الصين تنظر إلى القوة العظمى الثانية في العالم بصفة كونها «الشقيق الأكبر».
لم يعد خافياً أنّ روسيا، في عهد بوتين، سقطت في الحضن الصيني في وقت لدى بكين حسابات خاصة بها تفرض عليها مراعاة مصالحها الدوليّة، خصوصاً حجم التجارة بينها وبين الولايات المتحدة وأوروبا. صارت روسيا ورقة صينيّة لا أكثر. لم تعد العلاقة بين موسكو وبكين علاقة الندّ للندّ، خصوصاً أن عين الصين على المواد الأولّية والمعادن البالغة الأهمّية في مجال الصناعات المتقدمة مثل انتاج بطاريات السيارات الكهربائيّة. معروف أن روسيا غنيّة بهذه المواد الأولّية والمعادن.
الأكيد أن بوتين عاد إلى موسكو مرتاحاً للدعم الصيني. ليس معروفاً هل بات يدرك أن عليه التعاطي مع الواقع الجديد الذي خلفته الحرب الأوكرانية التي قرّر خوضها غير مدرك لحقيقة الإمكانات العسكرية الروسيّة من جهة وتمسك الأوكرانيين بالدفاع عن حريتهم من جهة أخرى.
يتقدّم الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانيّة. لكنّ تقدّمه لا يخفي العجز عن حسم المعركة مع أوكرانيا، خصوصاً أن أميركا غير مستعدة لعودة أوروبا إلى ما كانت عليه قبل سقوط جدار برلين في نوفمبر 1989.
هناك سؤالان سيطرحان نفسهما في المرحلة المقبلة. يتعلّق أولهما بكيفية تعاطي روسيا مع تحول حرب أوكرانيا إلى حرب استنزاف والآخر بالواقع الجديد المتمثل بسقوط الاتحاد الروسي في الحضن الصيني... علما أن الصين لم تكن يوماً ولن تكون جمعية خيريّة!