تنمّ زيارة ميشال عون لدمشق من أجل لقاء رئيس النظام السوري بشّار الأسد، عن جهل ليس بعده جهل في أمور مرتبطة بالتوازنات الإقليميّة.
ما الذي يستطيع بشّار الأسد عمله للرئيس اللبناني السابق غير الربت على كتفه بحنان وبطريقة أبويّة وطمأنته إلى أنّه سيتدخل من أجل تخفيف حدّة التوتر بين «حزب الله» وجبران باسيل؟
ليس لدى رئيس النظام السوري غير ذلك يفعله لعون، خصوصا أنّه يدرك أنّ الرئيس اللبناني السابق ما كان ليستنجد به لولا شعوره بالخوف على باسيل لعصيانه رغبات «حزب الله».
يعرف عون، قبل غيره، أنّ الحزب لا يمزح في مثل هذا الأمور وأنّه، على خلاف صهره، لا يرى أنّ هناك توازناً في العلاقة بينه وبين «التيّار العوني».
في النهاية، أخذ باسيل من الحزب أكثر بكثير مما قدّمه له، تحت لافتة السلاح يحمي الفساد.
أخذ رئاسة الجمهوريّة ست سنوات، بل كان الرئيس الفعلي للجمهوريّة بين آخر أكتوبر 2016 وآخر أكتوبر 2022.
بالنسبة إلى الحزب، ليس مهمّا أن يكون باسيل دفع ثمنا، هو العقوبات الأميركيّة بموجب قانون ماغنتسكي المتعلّق بالفساد. كلّ ما عليه عمله هو العودة إلى خطّ «المقاومة» و«الممانعة»، عودة التلميذ الشاطر.
ليس لدى إيران في الوقت الحاضر وقت تضيعه في تفاهات لبنانيّة. تنظر «الجمهوريّة الإسلاميّة» إلى لبنان من زاوية أوسع بكثير من انتخابات رئاسة الجمهوريّة. لبنان ورقة ايرانيّة وجرم يدور في فلك «الجمهوريّة الإسلاميّة» لا أكثر. كذلك بشار الأسد.
ستفرج ايران عن رهينة اسمها الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة في الوقت المناسب لها ووفق حسابات خاصة بها، تماما كما أفرجت عن اتفاق رسم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل قبل أيّام قليلة، فقط، من انتهاء الولاية الرئاسية لميشال عون.
لا يمكن تجاهل أنّ التوتر بين الحزب الحاكم، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، وباسيل، قائم. ظهر التوتر إلى العلن من خلال المواقف الأخيرة لجبران الرافض للرضوخ لرغبة الحزب وتأييد انتخاب سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهوريّة.
يمتلك عون ما يكفي من الخبرة لتجنب أي تصعيد مع «حزب الله». لم يخف في الفترة الأخيرة رغبته في أن يكون الطلاق بين تياره السياسي والحزب طلاقاً «حبّياً».
هل ستساعد زيارته لدمشق في الوصول إلى مثل هذا الطلاق؟ ما الثمن الذي سيتوجب على جبران دفعه في مقابل الطلاق «الحبّي»؟
لم تكن زيارة دمشق سوى حلقة في مسيرة رجل أمضى حياته في لعب دور الأداة المفيدة لكلّ من يريد إلحاق الأذى بمؤسسات الدولة اللبنانيّة التي لم يعد هناك شيء يذكر منها.
الأهمّ من ذلك كلّه، الدور الذي لعبه عون في ضرب الوجود المسيحي في لبنان في كلّ مرة كان فيها في قصر بعبدا. أكان ذلك بين 1988 و1990، كرئيس لحكومة موقتة مهمتها محصورة في انتخاب رئيس للجمهوريّة في نهاية ولاية الرئيس أمين الجميّل... أو بين 2016 و2022.
تكشف الأرقام حجم الهجرة المسيحية من لبنان، في ظلّ وجود عون في القصر الرئاسي.
من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من باسيل، قصد عون، الأسد. لا يعرف أن رئيس النظام السوري انتهى، بغض النظر عن عودته إلى شغل موقع «الجمهوريّة العربيّة السوريّة» في جامعة الدول العربيّة أو عدم عودته إلى الجامعة.
سورية نفسها، الواقعة تحت خمسة احتلالات انتهت. قبل كلّ شيء إنّ القرار في دمشق قرار إيراني. لولا ايران، لكان بشّار خارج دمشق منذ سنوات طويلة.
هذه مجرّد بدهيات لا يعرفها مريض اسمه ميشال عون يستنجد بمريض آخر هو بشّار الأسد، الذي يخوض، مستعينا بالإيراني والروسي، حربا مع شعبه منذ مارس من العام 2011.
مرّة أخرى، أخطأ عون في العنوان. لم يستوعب في العام 1990 أنّ حليفه صدّام حسين انتهى لحظة اتخذ قراراً باجتياح الكويت.
دفع غالياً ثمن حلفه مع صدّام. أخرجه حافظ الأسد، الذي كان يمتلك دهاءً سياسياً كبيراً، من قصر بعبدا وأجبره على اللجوء إلى منزل السفير الفرنسي في بعبدا.
في السنة 2023، لا يعرف عون أنّ بشّار الأسد، صار في ضوء الحرب الأوكرانية، رهينة لدى ايران.
صار رهينة أكثر من أي وقت. لم يعد قادراً، حتّى، على امتلاك هامش ضيّق للمناورة بعدما صار فلاديمير بوتين نفسه في الحضن الإيراني.
لم يعد الوجود الروسي في سورية يفيده في شيء. أكثر من ذلك، حاول بشّار لعب دور في إسقاط رجب طيّب أردوغان في الانتخابات الرئاسيّة التركيّة. سيدفع عاجلاً أم آجلاً ثمن اتخاذه مثل هذا القرار الذي أدخله في مواجهة مع الرئيس الروسي.
كانت دمشق العنوان الخطأ الذي ذهب إليه عون. كانت رحلة يقوم بها شخص يائس وبائس يعرف في التكتيك ولا يعرف في السياسة والإستراتيجيا.
لا يعرف لا في الاقتصاد ولا في تسيير مؤسسات الدولة ولا في ما يجري في المنطقة والعالم. كان في استطاعته الاكتفاء بكمية الأذى التي تسبّب بهل للبنان بدءاً باتيانه باسوأ نوع من النواب المسيحيين إلى البرلمان، نواب من نوع نبيل نقولا وسليم عون وإبراهيم كنعان وما شابه ذلك...
في ضوء زيارته لدمشق، يبدو واضحاً قرار عون عمل كلّ ما يستطيع من أجل إنقاذ جبران باسيل الذي يعتبره وريثه الشرعي الوحيد.
استخفّ في الماضي بدهاء حافظ الأسد. يستخف الآن بدهاء «حزب الله». لم يدرك في اللحظة التي وقّع فيها وثيقة مار مخايل في فبراير من العام 2006 أنّ لبنان سيدفع غالياً ثمن التغطية التي وفّرها للسلاح الإيراني في لبنان. دفع اللبنانيون الثمن. دفع المسيحيون الثمن الأكبر وما زالوا يدفعونه...