نهش سوريا

نهش سوريا

نهش سوريا

 العرب اليوم -

نهش سوريا

بقلم - خير الله خير الله

هناك بداية تغيير لخارطة المنطقة ولحدود الدول في ضوء إصرار تركيا على استعادة أراض تعتبر أنها سلخت منها وإصرار إيران على تكريس وجود الهلال الفارسي.

من ينهش أكثر من سوريا
ليس هذا وقت التلهي بمن أعاد من الدول العربية فتح أبواب سفارته في دمشق ومن لم يفعل ذلك. هناك أسباب عملية تدعو إلى تفادي أي غياب عربي سياسي في العاصمة السورية. مثل هذا الجدل في شأن الفائدة من السفارة المفتوحة، أو المغلقة، في دمشق، جدل له بداية وليست له نهاية.

يعود ذلك إلى أن الوجود الدبلوماسي العربي في دمشق لا يعني النظام بمقدار ما يعني سوريا وشعبها وملء الفراغ، أيّ فراغ، تسعى إيران إلى ملئه بكل الوسائل الممكنة.

الموضوع المطروح في مكان آخر مختلف كلّيا. يختزل الموضوع سؤال في غاية البساطة: هل لا يزال بشّار الأسد قادرا على حكم سوريا، مع المحيطين به من أفراد العائلة، على الرغم من إرادة شعبها وطموحاته البسيطة.

في مقدّم هذه الطموحات التمتع بحد أدنى من الكرامة والحرّية. هل لا تزال توجد سوريا كي يحكمها بشّار أو غيره أم أنّ هذا جدل آخر تجاوزته الأحداث بعدما تفتت البلد وتكشفت حقيقة واحدة. تتمثل هذه الحقيقة في أنّ النظام الأقلّوي أسّس للمرحلة الراهنة. مرحلة ذات عنوان واحد هو نهش سوريا.

أثبتت السنوات الثماني الماضية، أي منذ اندلاع الثورة السورية في آذار – مارس 2011، أنّ هناك ثورة شعبية حقيقية. في أساسها أنّ السوريين يرفضون النظام القائم. هناك أكثرية شعبية ترفض النظام الأقلّوي الذي أسسه حافظ الأسد في العام 1970 مستخدما أداة اسمها حزب البعث الذي كان رأس الحربة في الانقلاب الذي وقع في الثامن من آذار – مارس 1963 والذي مهّد لاستيلاء الضباط العلويين على السلطة في الثالث والعشرين من شباط – فبراير 1966.

ما شهدته سوريا كان سلسلة من الانقلابات العسكرية وصولا إلى احتكار حافظ الأسد للسلطة في تشرين الثاني – نوفمبر 1970 وقفزه إلى مقعد رئيس الجمهورية، في شباط – فبراير 1971 ليصبح بذلك أوّل علوي يحكم سوريا علنا منذ الاستقلال.

من يعتقد أن الحرب في سوريا شارفت على نهايتها وأن النظام خرج منتصرا إنّما هو واهم. كلّ ما يمكن قوله مع بداية السنة 2019 إنّ التحولات الكبيرة في الشرق الأوسط التي انطلقت مع سقوط العراق في 2003 ووضع إيران يدها عليه دخلت مرحلة جديدة

المضحك المبكي في الأمر أن النظام الذي أنشأه حافظ الأسد لم يكن تحالفا للأقليات بمقدار ما كان سيطرة لأقلية على الأقلّيات الأخرى وتوظيفها في خدمة نظام قمعي لا يشبه سوى النظام الذي أقامه ستالين في أيّام الاتحاد السوفييتي، السعيد الذكر، أو كيم إيل سونغ في كوريا الشمالية. مخطئ من يقول إن وضع المسيحيين في سوريا تحسّن في ظل حكم الأسد الأب أو الأسد الابن؟

في ظلّ الأسدين الأب والابن، بات الدستور السوري ينصّ صراحة على أنه لا يحق للمسيحي أن يكون رئيسا لسوريا. أكثر من ذلك، صار المسيحيون مهمّشين إلى حدّ كبير، على الرغم من أنّهم كانوا يشكلون في الماضي نسبة 15 في المئة من السكّان في مقابل 12 في المئة للعلويين. لم يكن الهدف تهميش المسيحيين فحسب، بل شمل ذلك الدروز والإسماعيليين أيضا خدمة لطائفة معيّنة، في عهد الأسد الأب، ثم للعائلة في عهد الابن.

ليس تاريخ سوريا الحديث سوى سلسلة من الإخفاقات أدت إلى الوصول إلى الوضع الراهن الذي يثير سلسلة من الأسئلة التي لم تعد مرتبطة بمصير النظام الذي صار في مزبلة التاريخ. تتعلّق هذه الأسئلة بتفكّك النسيج الاجتماعي وبالاحتلالات التي تعاني منها سوريا، وهي احتلالات تجعل مستقبلها في مهبّ الريح.

لعلّ أفضل دليل على هشاشة الوضع السوري ما حصل بعيد إعلان الرئيس دونالد ترامب عن قرب انسحاب القوات الأميركية الموجودة شرق الفرات. كان الإعلان كافيا، بكل مساوئه، كي يشعر كل طرف من الأطراف الخارجية المعنية بسوريا أنّ عليه ملء الفراغ الذي سيخلّفه الأميركي.

تحرّك التركي وتحرّك الإيراني وتحرّك الروسي وتحرّك الإسرائيلي الذي شكّل الضمانة الأولى والأخيرة لبقاء حافظ الأسد في السلطة وتمكينه من توريث ابنه في العام 2000. في السنة 2019، ليس الموضوع موضوع النظام السوري ومستقبله. الموضوع موضوع مصير سوريا… انسحب الأميركي أم لم ينسحب.

موضوع ما سيفعله التركي في الشمال السوري، خصوصا أنّه يعد نفسه لمرحلة ما بعد الانتهاء من القيود التي فرضتها الاتفاقات والمعاهدات التي اضطرت تركيا إلى التزامها بعد انهيار الدولة العثمانية. في السنتين 1922 و1923، ستشعر تركيا بأنها تحررت من قيود المعاهدات والاتفاقات التي فرضتها هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.

ليس سرّا أن تركيا تعتبر أن مدنا مثل حلب في شمال سوريا والموصل في العراق انتزعت منها بالقوّة. إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل الهمّ الكردي الدائم، وهو همّ لم يعرف الرئيس رجب طيب أردوغان التعاطي معه بالشكل الملائم. يعود ذلك إلى انشغال أردوغان الدائم بكيفية المحافظة على احتكاره الشخصي للسلطة الذي تعبّر عنه الرغبة في إقصاء أي شخصية تمتلك حيثية سياسية أو شعبية حتّى لو كانت تنتمي إلى حزبه والى فكر الإخوان المسلمين بكلّ ما يحمله من تخلّف.

من الأفضل في هذه المرحلة أن تكون هناك قوى عربية قادرة على مراقبة ما يدور في دمشق عن قرب بغض النظر عن مدى قدرة هذه القوى على التأثير في سير الأحداث وتطورّها

الموضوع أيضا متعلّق بالإيراني الذي يسعى إلى إيجاد موطئ قدم في سوريا مستخدما “حزب الله” الذي لا يتوقف عن تثبيت قدميه وترسيخهما في كل المناطق، على طول الحدود اللبنانية – السورية، وعن طريق التواطؤ مع بشّار الأسد نفسه الذي يعرف تماما أنّه موجود في دمشق لسبب إيراني، مرتبط بشخصه وطبيعة تفكيره، قبل أي شيء آخر.

الموضوع يتعلق، كذلك الأمر، بالروسي الذي يبحث عن من يشتري منه الورقة السورية. من الواضح أنّ الروسي حائر ما فيه الكفاية. لا يستطيع التخلي عن إيران وعن الحلف الذي يربط بين موسكو وطهران… كما لا يستطيع تجاهل المخاوف الإسرائيلية من الصواريخ الإيرانية الموجودة في سوريا ولبنان والتي يمكن أن تغيّر كلّ التوازنات الإقليمية.

تبيّن مع مرور الوقت أنّ ما حصل ابتداء من آذار – مارس 2011 لم يكن مجرّد ثورة شعبية ما لبثت أن أدت إلى عودة الصراع على سوريا. هناك بداية تغيير لخارطة المنطقة ولحدود الدول في ضوء إصرار تركيا على استعادة أراض تعتبر أنها سلخت منها وإصرار إيران على تكريس وجود الهلال الفارسي.

يمتدّ هذا الهلال من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق. مشكلة إيران في أنّها تستخدم الغرائز المذهبية من دون امتلاك القدرة، لأسباب اقتصادية قبل أيّ شيء آخر، على متابعة سياسية توسّعية ولعب دور القوّة المهيمنة في الإقليم.

من يعتقد أن الحرب في سوريا شارفت على نهايتها وأن النظام خرج منتصرا إنّما هو واهم. كلّ ما يمكن قوله مع بداية السنة 2019 إنّ التحولات الكبيرة في الشرق الأوسط التي انطلقت مع سقوط العراق في 2003 ووضع إيران يدها عليه دخلت مرحلة جديدة، مرحلة من ينهش أكثر من سوريا بعدما ضمت إسرائيل الجولان نهائيا. من الأفضل في هذه المرحلة أن تكون هناك قوى عربية قادرة على مراقبة ما يدور في دمشق عن قرب بغض النظر عن مدى قدرة هذه القوى على التأثير في سير الأحداث وتطورّها.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهش سوريا نهش سوريا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab