انقلابان يبحثان عن شرعية

انقلابان يبحثان عن شرعية!

انقلابان يبحثان عن شرعية!

 العرب اليوم -

انقلابان يبحثان عن شرعية

بقلم : خيرالله خيرالله

في ثمان وأربعين ساعة حصل انقلاب عسكري آخر في السودان. حلّ عبدالفتاح البرهان على رأس المجلس العسكري الانتقالي مكان عوض بن عوف الذي كان محسوبا، بطريقة أو بأخرى، على عمر حسن البشير. لم يكن بن عوف، الذي أعلن بنفسه عزل البشير والتحفظ عنه، سوى واجهة أخرى للإخوان المسلمين الذين يتطلّع الشعب السوداني إلى التخلّص منهم، مع تخلّصه من الرئيس الذي حكمه بواسطة القمع طوال ثلاثين عاما.

من الواضح أن عبدالفتّاح البرهان أكثر قربا من مطالب الناس العاديين الذين نزلوا إلى الشارع وأسقطوا البشير، لكنّ الرئيس الجديد للمجلس العسكري، الذي يعتبر عسكريا محترفا، لا يمتلك أي شرعية من أيّ نوع. مثله مثلما كانت عليه حال البشير. هناك في السودان انقلاب يبحث عن شرعية. بقي البشير ثلاثين عاما في السلطة، لكنّه لم يستطع في أيّ وقت أن يكون شرعيا، على الرغم من لجوئه إلى صناديق الاقتراع.
 هل يجد العسكر هذه المرّة طريقة للحصول على مثل هذه الشرعية؟ سيكون ذلك صعبا عليهم، مثلما أنّه صعب على العسكر في الجزائر تسلّم السلطة مجددا والحصول على شرعية بعد لعبهم دورا أساسيا في تخليص الجزائريين من عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس المُقعد الذي لم يعد يستطيع قول جملة مفيدة منذ الجلطة التي تعرّض لها في العام 2013.

هناك إذا انقلابان عسكريان في السودان والجزائر يبحثان عن شرعية. نسي العسكر في السودان أنّ الدافع الأساسي لإخراج البشير من السلطة كان التحرّك الشعبي المستمر منذ كانون الأوّل – ديسمبر الماضي. فشلت المحاولة الأولى لاستيعاب هذا التحرّك عبر عوض بن عوف الذي لا يشبه سوى الإخوان المسلمين الذين كانوا وراء انقلاب الثلاثين من حزيران – يونيو 1989 الذي أوصل البشير إلى الرئاسة بدعم من حسن الترابي. ما لبث الرئيس السوداني، المخلوع في 2019، أن انقلب على حسن الترابي الذي كان يعتقد أن في استطاعته استخدام الجيش لتحقيق أهداف تتجاوز السودان. أدخل البشير الترابي السجن وكاد أن ينفّذ به حكما بالإعدام لولا تدخّل علي عبدالله صالح مرّتين كي يمنع حصول ذلك.

ما الذي سيفعله قائد الانقلاب الثاني كي يحصل على شرعية ما؟ الثابت إلى الآن، أن ليس أمام عبدالفتاح البرهان سوى التفاوض مع الأحزاب السياسية والشخصيات المدنية التي تمتلك وزنا بغية تشكيل حكومة مدنية ترضي المواطنين الذين نزلوا إلى الشارع وكانوا في أساس إخراج البشير من السلطة. سيعتمد الكثير في السودان على شخصية البرهان ومدى تفهّمه للوضع القائم وللحالة الشعبية السائدة في بلد يريد أن يتحرّر، نهائيا، من سلطة الإخوان المسلمين والعسكر التي عبّر عنها عمر حسن البشير. كان الرئيس السوداني المخلوع مستعدّا لكلّ شيء من أجل البقاء في السلطة.

قبل تقسيم السودان واستقلال الجنوب في العام 2011 من أجل الكرسي، وذلك بعدما عجز عن إيجاد طريقة تبقي السودان موحّدا من منطلق المساواة بين المواطنين بغض النظر عن دينهم والمنطقة التي جاؤوا منها. اعتقد أنّ التخلّي عن الجنوب سيمكّنه من تجاوز المحكمة الجنائية الدولية التي سيمثل أمامها، عاجلا أم آجلا، بسبب الجرائم المرتكبة في دارفور.

لا حدود لجنون العسكر وشبقهم إلى السلطة. جمع عمر حسن البشير بين شبق العسكر وشبق الإخوان المسلمين إلى السلطة. من أجل البقاء في الرئاسة، لم يقف في وجهه أيّ اعتبار، بما في ذلك الحدّ الأدنى من القيم الأخلاقية. ليس أمام من يتولّى حاليا رئاسة المجلس العسكري سوى تفادي أخطاء البشير في حال كان يريد إنقاذ السودان. فإذا كانت التجارب التي مرّ فيها السودان منذ استقلاله في العام 1956 أثبتت شيئا، فقد أثبتت هذه التجارب أن العسكر لا يمكن أن يكونوا حلّا. كيف إذا كان هذا العسكري إخوانيا أيضا؟ الاستثناءات قليلة جدّا بالنسبة إلى العسكريين الذين أظهروا أنّ في استطاعتهم أن يكونوا رجال دولة بالفعل، على غرار ما كان عليه شارل ديغول في فرنسا أو فؤاد شهاب في لبنان…

هناك أزمة عميقة في السودان الذي لم يعرف حكما مدنيا إلا طوال فترات قصيرة أثبتت أنّ السياسيين في هذا البلد لا يمتلكون ما يكفي من النضج لتسيير شؤون الدولة. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان سهلا على الفريق إبراهيم عبود الاستيلاء على السلطة في 1958 ولا على جعفر نميري في 1969 ولا على عمر حسن البشير في 1989.

يقترح العسكر في السودان مرحلة انتقالية تتشكل بعدها حكومة مدنية. هذا الطرح مرفوض من المواطنين الموجودين في الشارع وهم في معظمهم من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين عشرين و35 سنة. أمّا في الجزائر، فيحتاج العسكر بقيادة أحمد قايد صالح إلى فترة لترتيب أوضاعهم واختيار شخصية تؤمن لهم الغطاء الذي يحتاجون إليه كي يكونوا السلطة الحقيقية. مثل هذا المخرج مرفوض أيضا من المواطنين الجزائريين الذين يتطلّعون إلى تغيير في النظام.

يرفض الشعبان في السودان والجزائر توفير أيّ غطاء شرعي من أيّ نوع للانقلابيين. يبقى السؤال هل من مجال لقيام نظامين جديدين في كلّ من البلدين؟ هل لدى الشبان الذين فرضوا التغيير في الجزائر والسودان من بديل للعسكر والسياسيين الذين حكموا منذ الاستقلال؟ الجزائر استقلت في 1962، فيما السودان استقلّ في 1956، لكنّ البلدين يعيشان منذ الاستقلال أزمة وجود نظام شرعي أو نظام قادر على تسيير شؤون البلد. ما لا يمكن الهرب منه أنّ السياسيين السودانيين وزعماء الأحزاب لم يظهروا في أيّ يوم قدرة على النهوض بالبلد، في حين لم توجد في الجزائر في أي يوم حياة سياسية حقيقية خارج الإطار الذي رسمته المؤسسة العسكرية التي أتت بعبدالعزيز بوتفليقة إلى رئاسة الجمهورية في 1999 وما لبثت أن تعرّضت للتنكيل على يده. لم يستطع بوتفليقة القضاء كلّيا على نفوذ المؤسسة العسكرية التي تستعد لتصفية حساباتها مع أفراد المجموعة المحيطة به.

هناك انقلابان يبحثان عن شرعية، لكن يمكن الحديث أيضا عن بلدين يبحثان عن نظام جديد. تلك يمكن أن تكون خلاصة ما يدور في الجزائر والسودان حيث لا مفرّ من الاعتراف بقوّة الشارع وتأثيره من دون أن يعني ذلك أن لدى الشارع أيّ حل من أيّ نوع للأزمة العميقة المتعددة الجوانب في البلدين. هل الخطأ أصلا في أن السودان والجزائر استقلّا قبل الأوان، إذ لم يكن البلدان مهيئين لذلك؟ لا جواب عن السؤال. الثابت أنّ ليس ما يشير إلى أن مرحلتي ما بعد بوتفليقة والبشير ستكونان سهلتين في بلدين مليئين بكل أنواع التعقيدات…

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انقلابان يبحثان عن شرعية انقلابان يبحثان عن شرعية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان
 العرب اليوم - يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab