رحلة إردوغان من الأبيض إلى الرمادي

رحلة إردوغان من الأبيض إلى الرمادي

رحلة إردوغان من الأبيض إلى الرمادي

 العرب اليوم -

رحلة إردوغان من الأبيض إلى الرمادي

أمير طاهري

مع الافتتاحية الجدية للغاية لحملة الانتخابات العامة التركية، يتوقع أحدنا أن يتناول المرشحون المتنافسون مختلف القضايا ذات الأهمية. فتركيا، وهي الدولة المعاصرة، والمعقدة، والطموحة، تواجهها قضايا عدة، وعلى الأخص في ذلك الوقت من الصراعات وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وحتى الآن، مع التجوال في طول البلاد وعرضها والتحدث مع الناس من مختلف مناحي الحياة، سرعان ما يدرك المراسل الصحافي أن تلك الانتخابات لا تحمل إلا قضية واحدة فقط. وتلك القضية هي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الرجل الذي ليس من بين المرشحين هذه المرة، ولكنه هيمن على المحيط السياسي التركي لما يزيد على عقد من الزمان ويشتبه في تخطيطه للبقاء فوق سدة الحكم لأطول فترة يستطيعها.

وإردوغان هو من الشخصيات المعقدة والرائعة مع معادلة حسابية يصعب تسويتها برقم إيجابي أو سلبي على أي تقدير.

فمن الناحية الإيجابية، منح إردوغان تركيا اثني عشر عاما من الحكم المستقر، وهو أمر لم تجربه الجمهورية التركية من قبل. كما أنه قاد تركيا إلى ازدهار اقتصادي غير مسبوق، وروض التضخم المزمن، وأنهى حالة البطالة الجماعية التي أجبرت جيلا كاملا من الأتراك على الهجرة. ومرة أخرى على الناحية الإيجابية، اعترف إردوغان بتظلمات الأقلية الكردية واتخذ التدابير للتعامل مع ومعالجة بعض منها. وعلى القدر نفسه من الأهمية، تمكن إردوغان من الحفاظ على تركيا خارج دائرة الصراعات الخارجية والمواجهات العسكرية الإقليمية، حتى إنه نجح في الابتعاد بتركيا بعيدا عن شراك السياسة الخداعية مثل قبرص والصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ.

وحقيقة، إن تركيا لم تعد تخشى التهديدات الإرهابية من اليسار المتطرف، في الوقت نفسه الذي تقيم فيه الحوار مع حركة حزب العمال الكردستاني الانفصالية، وهو ما يمكن ضمه كذلك إلى رصيد الناحية الإيجابية لإردوغان.

وبمقارنة تركيا مع دول أخرى بالجوار، إيران على سبيل المثال، فإن تركيا تحت قيادة إردوغان تحولت إلى دولة ناجحة من دون شك، فلم تشهد الدولة الإعدامات الجماعية، ولا الاعتقالات الجماعية للمعارضين السياسيين والدينيين، وتجنبت توسيع الفجوة بين الفقراء والأغنياء. وفي حين أن تركيا تجتذب أعدادا كبيرة من مواطنيها في المنفى، فإن إيران شهدت أكثر من ستة ملايين مواطن من أبنائها، ومعظمهم من النخبة المتعلمة، يغادرون البلاد هربا من اضطهاد النظام الخميني.

في عام 1978، كان نصيب الفرد من الدخل القومي ضعف نصيب المواطن التركي. أما العام الماضي، رغم ذلك، كان الرقم بالنسبة لتركيا 20 ألف دولار بينما يتراوح ذات الرقم للمواطن الإيراني حول 16 ألف دولار. وخلال السنوات الأربع الماضية، ارتفع معدل النمو الاقتصادي السنوي لتركيا ليبلغ نسبة 4.5 في المائة بينما أن المعدل ذاته لإيران كان سلبيا عند ناقص 5.6 في المائة. (تجنبت إيران خلال العام الماضي فقط حالة الانهيار الاقتصادي مع معدل نمو ضعيف بلغ 1.5 في المائة).

أما الناحية السلبية لمعادلة إردوغان الحسابية، فإنها تبدو مثيرة للدهشة.

يصور إردوغان نفسه بأنه رجل سعيد الحظ، وبدأ بتدمير حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه، وتهميش أي شخصية تحاول، ولو من بعيد، أن تقتطع جزءا من الصورة التي صنعها إردوغان لذاته. والنتيجة أنه محاط بحاشية من الموافقين دائما الذين لا يجرؤون على التشكيك في حكمه وحكمته حتى عندما يتخذ قرارات خاطئة بمنتهى الوضوح.

اعتلى إردوغان سدة الحكم حينما توصلت تركيا إلى مزيج أصلي بين الشريحة المتدينة من المجتمع والنظام العلماني لدى الحكومة. ومن خلال محاولة استنزاف أسس النظام العلماني للدولة، أثار حالة من ردود الفعل المناهضة للدين داخل الدولة. وفي الوقت ذاته، قسم إردوغان التركيبة الدينية المتماسكة بالمجتمع، حتى إن أكبر تحد يواجهه اليوم يأتي من حلفائه الدينيين السابقين وعلى رأسهم الداعية الإسلامي المنفي فتح الله غولن. كما أثار منهجه الغامض حيال دور الدين في المجتمع الانقسامات التي إما أنها حديثة على المجتمع التركي أو أنها لا تزال محل اختبار لدى الأقليات الكبيرة في البلاد مثل الطائفة العلوية وعشرات الطرق الصوفية التي تشعر بالتهديد أو التمييز ضدها.

في وجود سلسلة من عمليات التطهير وتعيين مجموعة من القضاة غير الموالين إلا للرئيس نفسه، قوض إردوغان من المؤسسة القضائية التركية التي كانت تشتهر بالاستقلالية والنزاهة واحترام الجميع، وهو من الأمور نادرة الوجود في العالم الإسلامي.

كما كانت هناك عمليات تطهير أخرى شهدتها المؤسسة الشرطية والعسكرية، التي غالبا ما جرت تحت دعوة الحيلولة دون تنفيذ الانقلابات غير الموجودة بالأساس، وتسببت في تسييس المؤسسات المصممة في الأصل لخدمة الدولة وليست لخدمة أي فصيل سياسي معين.

تقابلت مع إردوغان لأول مرة حينما كان عمدة صغيرا لإسطنبول، وكان يحمل أجندة أعمال، وفقا له، تتألف من برنامج وحيد: اجتثاث الفساد. ثم أخذنا في جولة عبر القنوات تحت الأرض بالمدينة الكبيرة، ولقد كان مصرا على أنه لن يفقد طريقه وسط متاهة مماثلة لشبكات الفساد التي تكونت في تلك المدينة الواسعة. في ذلك الوقت، كانت كلمة (إيه كيه – أبيض) تشير إلى الأحرف الأولى من اسم حزبه وتحمل معنى مفاده: تنظيف إسطنبول.

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على ذلك، ورغم كل شيء، تحول الحزب الأبيض إلى أكثر الأحزاب رمادية تحت قيادة إردوغان.

وفقا لمعايير الفساد الشرق أوسطية، فإن تركيا لا تزال في حالة متواضعة. عند مقارنتها بالجمهورية الإسلامية الإيرانية المجاورة، حيث صار الفساد نظاما للحكم، لم تتأثر تركيا كثيرا بتلك الغرغرينا المهلكة. وحتى الآن، ما من شك أن إردوغان يأتي على رأس منظومة سياسية وتجارية تشبه عائلة المافيا في تكوينها.

المنظمة التي تزهر في الاقتصاد الخفي. الآن، تستعد تلك المنظمة الغامضة لتخطو خطوة جبارة مع مشروع فرعوني ضخم لإعادة تصوير إسطنبول كمدينة عالمية كبيرة.

في تركيا اليوم، تحولت مسألة كيفية فصل السياسة عن الأعمال أكثر إلحاحا عن فصل الدين عن الدولة.

والأسوأ من ذلك، وفقا لكثير من الأتراك، فإن إردوغان قد استسلم لنوبة حادة غير اعتيادية من الغطرسة. فهو يرى نفسه الآن كمزيج من الخان، والخليفة، والسلطان؛ أي القائد ذا المصير العالمي الذي يمثل التاريخ الأسطوري الضارب في عمق الزمن لما قبل الإسلام ذاته، حيث النزعة التركية والعثمانية التي ترجع أصولها إلى الحيثيين وغيرهم من الأمم القديمة.

يتطلع إردوغان إلى الفوز بأغلبية الثلثين في انتخابات الجمعية الوطنية الكبرى، وبالتالي يتمكن من تعديل الدستور من دون الحاجة إلى عقد استفتاء شعبي عليه حتى يتسنى له إقامة نظام رئاسي يتمتع فيه بالمزيد من القوة والصلاحيات الموسعة أكثر مما تمتع به أي ملك حيثي قديم.

يعتقد كثير من المراقبين أن الآلية السياسية لدى إردوغان تتمتع بما يكفي من القوة للفوز بالأغلبية على أدنى تقدير تمكنه من إحكام قبضته على السلطة. وهناك عدد قليل من الأصوات، رغم ذلك، تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية سوف يضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية وطنية.

لسوف نرى. فإن أجمل ما في الانتخابات هو أنها دائما ما تأتي بالمفاجآت.

arabstoday

GMT 00:24 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«ساق البامبو» في سوق التحف

GMT 00:24 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المنطقة و«اللمسات الأخيرة»

GMT 00:21 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

بقاء الفلسطيني... وأزمة الانتماء

GMT 00:19 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

جامعة كولومبيا وأخواتها

GMT 00:17 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

... عن مفهوم «الجنوب العالمي» الرائج اليوم

GMT 00:15 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

قفطاننا وليس قفطانكم

GMT 00:10 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لمن سيصوت شباب أميركا في 2024؟

GMT 00:10 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

أرض نستردّها... وأرض نبكي عليها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة إردوغان من الأبيض إلى الرمادي رحلة إردوغان من الأبيض إلى الرمادي



نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
 العرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 22:30 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

رانيا يوسف مطربة لأول مرة في عمل غنائي جديد

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سنة ثالثة شعر

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

مدخل إلى التثوير!

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أزرار التحكم... والسيطرة!

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

فيلبي وحفيدته سارة... وإثارة الشجون

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«رؤية 2030»: قارب النجاة في عالم مضطرب

GMT 10:13 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فيضانات كينيا تتسبب في انهيار سد ومقتل العشرات

GMT 13:58 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

GMT 18:07 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فرص للسلام في الشرق الأوسط!

GMT 18:04 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

«إني متوفيك ورافعك»

GMT 17:57 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

‎الممر البحرى الأمريكى و٧ مخاوف مشروعة

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab