الجامعات الغربية غزو مزدوج

الجامعات الغربية: غزو مزدوج

الجامعات الغربية: غزو مزدوج

 العرب اليوم -

الجامعات الغربية غزو مزدوج

بقلم - أمير طاهري

إذا زرت باريس هذه الأيام، ربما تصادف شباباً يبدو مظهرهم مهيباً، يوزعون منشوراً يقول: «فلسطين تقاتل من أجلنا جميعاً!»، أو يعلقون لافتات على الجدران تحمل رسالة: «أوقفوا الإبادة الجماعية في فلسطين!»، ويقدم هؤلاء الشباب أنفسهم بوصفهم طلاباً جامعيين، وعلماء شباباً يفترض أنهم يتدربون ليصبحوا مرشدين وموجهين سياسيين للأمة.

ومع ذلك، سرعان ما تكتشف أن فهمهم للقضايا السياسية، بما في ذلك الحرب المستعرة الآن في غزة، انعكاس لسياسات الشارع، أكثر عن الأساليب الأكاديمية. بعبارة أخرى، لقد اجتاح الشارع وسياساته الجامعات، أو على الأقل جزءاً منها يحمل اسم «العلوم الإنسانية»؛ مزيج من الموضوعات الأكاديمية التي أفسدتها الآيديولوجيا.

وبذلك، حل أسلوب الشارع في التعاطي مع السياسة - من رسم شعارات على الجدران، وتوزيع المنشورات، وحرق الإطارات وصناديق القمامة، وإضرام النار في الأعلام وتماثيل تحمل صورة شخصيات لا تروق لك - محل السبل التقليدية المتبعة المتمثلة في عقد مناقشات وكتابة مقالات والمناقشات التقليدية، بجانب ما كان يسمى في احتجاجات الستينات «التثقيف».

لمحت للمرة الأولى دلائل غزو الشارع للجامعات، داخل الجامعة الأميركية في واشنطن، أوائل الثمانينيات، عندما دعاني د. حامد مولانا، أستاذ الصحافة لإلقاء محاضرة عن تجربتي مراسلاً. ولأنني اعتدت على البروتوكولات الصارمة وقواعد الملبس المتبعة في الجامعات الأوروبية القديمة، صدمت برؤية الطلاب وهم يرتدون السراويل القصيرة والقمصان، بينما يحتسي البعض القهوة أو يضحكون مع من يجاورونهم. وبدا المشهد العام وكأننا داخل مقهى «ستاربكس»، الذي لم يكن قد ظهر بعد آنذاك.

وبعد عقد، عايشت تجربة مماثلة، عندما دعاني جان لوي ترير لإلقاء محاضرة عن حرب العراق في «المدرسة الوطنية للإدارة» التي كانت لا تزال موجودة في باريس. يذكر أن هذه المدرسة مصممة لتدريب النخبة الحاكمة المستقبلية في فرنسا. ورغم وجود بعض الطلاب الملتزمين بقواعد معينة في الملبس، والتي تصور عجوز مثلي أنها ضرورية لحضور مناسبة أكاديمية، بدا واضحاً أن الشارع قد تسلل إلى داخل الأكاديمية.

المثير للفضول أنه في كلتا الحالتين بدا لافتاً اتباع نهج متحيز تجاه الموضوعات المطروحة للنقاش. وبدا السائلون على يقين من أنهم يملكون إجابات الأسئلة التي طرحوها، لأنهم سمعوها أو قرأوها في مكان ما في الشوارع، بما في ذلك المقاهي. لقد كانوا يسعون لنيل تأكيد لتحيزاتهم فحسب.

في واشنطن، بدا أنهم مقتنعون بأن وسائل الإعلام تخضع لسيطرة «أشخاص تعرفهم»، وأن المراسلين الحقيقيين الوحيدين هم «صحافيون استقصائيون» يسعون إلى كشف النقاب عن السياسيين الذين كانوا مجرد دمى في يد أسياد الدمى الغامضين. وكان مراسلا صحيفة «واشنطن بوست»، اللذان لعبا دور البطولة في ملحمة «ووترغيت»، قدوة يحتذى بها. لم يكن من المفيد إخبار الطلاب أن كل ما فعله البطلان نشر ما جرى تقديمه إليهما. ولم يكن من المفيد تذكيرهم بأن ملحمة مماثلة لم تكن لتبدأ لولا قيام دانييل إلسبيرغ بسرقة «أوراق البنتاغون». وفي باريس كذلك، بدا الطلاب وكأنهم يملكون بالفعل كل الإجابات.

وإذا انتقلنا سريعاً إلى هذه الأيام فسنجد أن هذه هي الطريقة التي يشجع بها أستاذ بجامعة كولومبيا في نيويورك، الاحتجاجات ضد الحرب في غزة: «لطالما وقف الطلاب على الجانب الصحيح من التاريخ داخل جامعة كولومبيا، والجامعات الأخرى منذ الستينيات. واليوم نحتفي بهؤلاء الطلاب، الذين عارضوا حرب الإبادة الجماعية غير القانونية والمخزية في الهند الصينية عام 1968، وجامعة كولومبيا تكرمهم... وذات يوم، سيجري تخليد ما فعله طلابنا هنا بالطريقة نفسها».

وبعبارة أخرى، توجّهت الولايات المتحدة إلى الهند الصينية لقتل جميع الفيتناميين والكمبوديين واللاوسيين؛ لأن هذا ببساطة ما تعنيه الإبادة الجماعية.

وقد سمعنا أصداء هذه الرؤية داخل باريس. على سبيل المثال، صرح أحد المحاضرين بمعهد العلوم السياسية لمراسل إذاعي، بأن بنيامين نتنياهو لن يقبل سوى الإبادة الجماعية للفلسطينيين، كما لو كان رئيس الوزراء الإسرائيلي هو جنكيز خان الذي يتمتع بسلطة مطلقة، ولا يملك أحد في إسرائيل كبح جماحه.

بجانب ما سبق، فإنه داخل الولايات المتحدة وفرنسا على الأقل، ليس الشارع وحده الذي غزا أقسام «العلوم الإنسانية»، وإنما يتمثل غازٍ آخر في المدرسة اللاهوتية التي تلهم هذه الطريقة. وإذا كان من المفترض أن تركز الأكاديمية أو هيئة التدريس على إثارة التساؤلات، فإن المعهد اللاهوتي مصمم لتقديم إجابات ـ حتى عن الأسئلة غير المطروحة.

بطبيعتها، لا تعترف المؤسسة الأكاديمية بحقيقة مطلقة، ولا بمفاهيم ونظريات لا يمكن التشكيك أو الطعن فيها. في المقابل، تبدأ الحوزة أو المدرسة الدينية بإعلان ما تعده الحقيقة المطلقة وغير القابلة للتغيير.

وفي حين أن المدرسة اللاهوتية تهتم بشكل أساسي بالنص، يجب على أعضاء هيئة التدريس أن يهتموا بنفس القدر بالسياق. إلا أنه في العديد من أقسام «العلوم الإنسانية» في الجامعات الغربية، يأتي النص من كتيبات دعائية كتبها أساتذة مجادلون، بينما يُنظر إلى السياق بوصفه مجرد انحراف عن الحقيقة. ومثلما قال شكسبير: «الآن، بلغ الارتباك أوجه!».

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجامعات الغربية غزو مزدوج الجامعات الغربية غزو مزدوج



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:34 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
 العرب اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
 العرب اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab