لماذا ينجح السعوديون ويفشل كثيرون من حولهم

لماذا ينجح السعوديون ويفشل كثيرون من حولهم؟

لماذا ينجح السعوديون ويفشل كثيرون من حولهم؟

 العرب اليوم -

لماذا ينجح السعوديون ويفشل كثيرون من حولهم

بقلم:مأمون فندي

سؤال: «لماذا ينجح السعوديون ويفشل كثيرون من حولهم» يبدو بسيطاً، ولكن الإجابة على هذا السؤال شديدة التعقيد ولا يكفيها مقال واحد في صحيفة. بدايةً، قد يخيب ظنك إن ظننت أن هذا مقال إطراء أو مديح، فالسياسة علم يتطلب التوقف عند الظواهر السياسية والاجتماعية لمحاولة فهم ما يجري. في كتابه «لماذا تفشل الدول (why nations fail)» يحدد أستاذ السياسة في جامعة شيكاغو جيمس روبنسون ملامح وعلامات نجاح الدول مقابل فشل بعضها. أولها، من وجهة نظره، هو أن الأمم الناجحة هي تلك التي تسعى من خلال إدارة جيدة لرفع مستوى معيشة المواطنين داخل حدودها، أما الدول الفاشلة فتلك التي تعيش نسبة عالية من مواطنيها تحت خط الفقر. السعودية دولة يعيش مواطنوها في حالة جيدة، مقارنة بكثير من دول الجوار، كما أنها، وخلال السنوات الخمس الماضية من حكم الملك سلمان بن عبد العزيز وإدارة رئيس مجلس الوزراء وولي العهد محمد بن سلمان، قد نجحت في التخلص من أحمال زائدة فرَضها الماضي، وبدت الدولة وكأنها مسافر خفيف بحقيبة واحدة لا يحمل أعباء لا لزوم لها يخرج من الطائرة إلى الشارع مباشرة دونما انتظار.
الذين تخصصوا في دراسة المجتمع والدولة في المملكة العربية السعودية لو سألتهم: كيف يرون مستقبل المملكة منذ سبع سنوات مضت، ووصفت لهم حالاً يشبه الحال الذي نراه اليوم، وكم من الزمن تحتاج المملكة للوصول إلى هذه النقطة، لقالوا لك إن الأمر يحتاج إلى نصف قرن من الزمان، ومع ذلك حدث كل ما نراه في نصف عقد من الزمان.
لا شك أن التطور في المملكة تراكميّ ومحافظ في معظم خطواته منذ أن وحَّد الملك عبد العزيز آل سعود المملكة، وجعل منها أكبر مساحة يعيش فيها العرب بأمان وطمأنينة.
إننا الآن في عهد الملك سلمان وما نشاهده من سرعة التغير ومساحته هو مذهل حقاً، ورغم أن نظام الحكم ثابت، فإن طريقة إدارة علاقة المجتمع بالدولة قد تغيرت كثيراً، وكذلك علاقات مكونات المجتمع ببعضها البعض، وخصوصاً في علاقة الجنسين، والتي هي واحدة من مؤشرات الدول الناجحة. وحتى لا نسطح الأمر لا بد أن أعترف بدايةً بأنني دارس ومراقب من الخارج يكشط القشرة الأولى، مع معرفتي أن المجتمعات كالبصلة طبقات بعضها فوق بعض، وهنا لن أتناول كل الطبقات في مقال قصير.
لا شك في أن المملكة لديها العوامل الأخرى المساعدة على نمو وتطور الدولة مثل النفط وقدراتها المالية الأخرى، التي تزيت عجلة حركة المجتمع، ولكن المؤشر الأهم هو إحلال المؤسسات محل الأفراد في السعودية المعاصرة. فما كان يقوم به أفراد من أجل ترطيب العقد الاجتماعي من عطايا للمتضررين عموماً في السابق، أصبح اليوم دوراً تقوم به مؤسسات لا أفراد.
في كتابها المنشور عام 1997 المُعَنون بثمن الثروة (the price of wealth)، والذي بدأ كرسالة دكتوراه أثناء دراستها في جامعة هارفارد، ناقشت الأكاديمية كارن تشودري الاقتصاد السياسي لكل من السعودية واليمن كدراسة مقارنة للاقتصاد الريعي (السعودية ريع من النفط واليمن ريع من عائدات العاملين في الخارج) في ثلاث فترات، فترة بناء الدولة وحتى عام 1973، ثم فترة الطفرة النفطية (1973/1983)، ثم فترة التراجع الاقتصادي (1984/1990) وتأثير ذلك على علاقة المجتمع والدولة، فبينما أدى تراجع الريع القادم من العمالة الخارجية في اليمن إلى تغوُّل الدولة، أدَّى تراجع الاقتصاد السعودي إلى زيادة في دور القطاع الخاص وتعديل الدولة لأوضاعها وتطوير مؤسساتها. مسألة تطور المؤسسات هي الفيصل، في رأيها، والذي يفرّق ما بين دولة ناجحة تستجيب لمتطلبات مجتمعها، ودولة فاشلة تستغل مجتمعها. السعودية كانت دوماً دولة مرنة، وزادت مرونتها في تلبية متطلبات قطاعات عريضة من المجتمع في عهد الملك سلمان.
القيادة ونوعيتها هي القاطرة أو محرك القطار التي تشد المجتمع إلى الأمام، وهذا يتطلب تحديد سرعة وتشبيكاً بين المجتمع والدولة، حتى لا تنفلت بقية عربات القطار من المحرك، وخلال السنوات الخمس الماضية تحركت المملكة بسرعة مناسبة نقلت الدولة من عالم المجتمعات التقليدية إلى عالم الحداثة.
وعودة على كتاب جيمس روبنسون وسؤاله المحوري: لماذا تزدهر بعض الدول وتفشل أخرى؟ هناك مؤشرات كثيرة ليست كلها اقتصادية لتفسير الأمر، فمنها سؤال الهوية وسؤال علاقة المجتمع بالدولة وكيف ينظم الناس مجتمعاتهم ومؤسساتهم وما هو المعيار للترقي في المجتمع؛ هل هو مبني على الكفاءة أم المكافأة؟ كما أن هناك عوامل أخرى مثل الجغرافيا وقدرات الدولة، وكذلك ثقافة المجتمع.
لو عدنا إلى ماكس فيبر وكتابه عن البروتستانتية وروح الرأسمالية، نجد أن فلسفة الدولة في المملكة تثمّن القدرات الفردية ولا تتدخل في الشأن الخاص للأفراد، بمعنى علاقة الشرع بالثروات ورأس المال، وهي في ذلك أقرب إلى الروح التي وصفها فيبر وأوصلت المجتمع الغربي إلى الحالة الرأسمالية.
هناك تركيز ثقافي واضح لا تخطئه العين يوحي أيضاً بفك الارتباط بين تفسير بعينه للسلفية التي تمثل آيديولوجية الدولة والتفسيرات المفتوحة لآراء السلف الصالح، وكان يوم التأسيس ويوم بداية الدولة السعودية منها، لا تخطئها عين المواطن، فالدولة لم تنشأ نتيجة علاقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود عام 1744، بل بدأت قبل ذلك في عام 1727.
وفي قرار الملك سلمان الذي ركَّز على يوم التأسيس، هناك رمزية لوضع التاريخ في سياقه الصحيح.
إذن سؤال الثقافة والتخلي عن أعباء الماضي محوري في محاولة الإجابة عن سؤال لماذا ينجح السعوديون ويفشل غيرهم.
هناك خصوصية شرق أوسطية في محاولة الإجابة عن السؤال، وهي أن التطور في مجتمعاتنا يحدث من أعلى بصورة أسرع، بمعنى أن ما قامت به القيادة السعودية من قرارات جريئة فيما يخص علاقة المجتمع والدولة والدين (بتفسيراته الأحادية) والدولة، حسم أموراً تعاني منها بقية دول الإقليم بشكل مزمن دونما حل، أو بحلول لا تفضي إلى شيء مثل تجديد الخطاب الديني ومكافحة الإرهاب وغير ذلك، كل هذه الأمور حسمتها قيادة ملك حازم يمثل استمرارية تاريخية لنظام ملكي يجدد نفسه دوماً، وينقّي الدولة من شوائب تَعلق بها أحياناً (والأمثلة كثيرة) ليصل إلى صيغة تحمي الدولة والمجتمع من التهديدات، وكان دوماً الملك سلمان أساسياً في ذلك في عهد مَن سبقوه، كذلك قيادة رئيس وزراء ووليّ عهدٍ حازم وشاب، ساعدت كثيراً في رمي كل هذه الخزعبلات والشوائب المعطلة للتقدم من وراء ظهر الدولة، لتتحرك الدولة إلى الأمام بخطى واثقة للمستقبل، دونما تعثر في وحل الماضي. لا شك في أن طبيعة النظام السياسي والعقد الاجتماعي في نظام ملكي تختلف عنها في الأنظمة الجمهورية، وتلك بديهيات ليست محل نقاش هنا، رغم أنها سياق مهم قد يأخذنا خطوة إلى الأمام في محاولة الإجابة عن سؤال «لماذا ينجح السعوديون ويفشل كثيرون من حولهم». أظن هذا السؤال يدعو إلى التأمل والتفكير، وربما تأتي الإجابات عنه بأشكال متعددة، وربما بعدد من سيحاولون التصدي للإجابة، لكنه سيبقى سؤال المنطقة لفترة ليست بالقصيرة، فجرأة الدولة والمجتمع معاً في قبول تحدي التغيير والنقلة النوعية التي نراها ماثلة أمامنا في حالة المملكة العربية السعودية أمر يحتاج إلى تفكير وتنظير مختلف، خصوصاً ممن كانوا يظنون أن السعودية ستبقى على حالها لعقود عدة، ولم تكن تلك كتابات أناس يمكن وصفهم بالغباء، بل كانت كتابات باحثين لم تساعدهم أدواتهم بالإلمام بمشهد أقل ما يقال عنه إنه ليس بالبسيط، إن لم نقل شديد التعقيد. ولكن تبقى قدرات الملك سلمان وولي عهده ورئيس وزرائه الأمير محمد بن سلمان على إدارة المشهد بصرامة وحزم، هي العامل الحاسم في هذا النجاح، ومن اقترب ولو قليلاً من فهم شخصية الملك سلمان، لا تفوته ملاحظة أن الدقة والحزم في الإدارة هما مكونان أساسيان في شخصية خادم الحرمين الشريفين، هذا فيما يخص المشهد الداخلي، أما طريقة إدارة الأمير محمد بن سلمان لملف العلاقات الخارجية، وخصوصاً مع القوى العظمى وعلاقاتها بالإقليم كله، فهذا يحتاج مقالاً مفصلاً، ولكنْ مهمٌّ هنا القول إن قدرة القيادة السعودية على جمع الدول الإسلامية للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ثم جمع الدول العربية في الرياض للقاء رئيس الصين شي جينبينغ، وهذا يذكر بأمرين: الأول هو استقلالية القرار في التعامل مع الدول الكبرى (عدم انحياز). الأمر الثاني هو أننا أمام زعامة إقليمية شابة لافتة لأنظار العالم، لدرجة تجعل من يتابعون الشأن السعودي يراجعون طريقة تناولهم، فكما أخطأوا في فهم المشهد الداخلي، ربما قد يعترفون بخطئهم في فهم السلوك الخارجي للمملكة... وللحديث بقية.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا ينجح السعوديون ويفشل كثيرون من حولهم لماذا ينجح السعوديون ويفشل كثيرون من حولهم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab