أمريكا التي نَعرِفها بدأت مرحلة التّغيير للأسوأ

أمريكا التي نَعرِفها بدأت مرحلة التّغيير للأسوأ

أمريكا التي نَعرِفها بدأت مرحلة التّغيير للأسوأ

 العرب اليوم -

أمريكا التي نَعرِفها بدأت مرحلة التّغيير للأسوأ

بقلم - عبد الباري عطوان

عملت مُعظم الإدارات الأمريكيّة طِوال الخمسين سنة الماضية على تغيير الكثير من الأنظمة التي تتعارض مع طُموحاتها في الهيمنة بشقّيها السّياسي والعسكري، مثلما حاولت إعادة ترسيم حُدود العديد من الدول، سواءً بالغزو العسكريّ أو العُقوبات الاقتصاديّة، ويبدو أنّ السّحر بدأ ينقلب على صاحبه، وباتت أمريكا كهُويّة، ودولة عُظمى، هي التي تقف على أعتاب التّغيير، ولكن للأسوأ.

الانتقال السّلمي للسلطة “عمود المُعجزة الأمريكيّة” الرئيسي، ومثلما تكشف وقائع الانتخابات الأخيرة، الذي كان من أبرز إنجازات النّظام الديمقراطي الغربي، يتلقّى ضربات قويّة، ويترنّح من جرّائها، وقد يسقط في أيّ لحظة، ويَجُر معه كُل المُراهنين على الحِماية الأمريكيّة سواءً في أوروبا أو في الشرق الأوسط، وربّما زعزعة أمن العالم واستِقراره أيضًا.
عندما يُعلن مُرشّحًا للرئاسة، وقبل نهاية الانتخابات، وإعلان نتائجها أنّه انتصر على خصمه، وسيذهب إلى المحكمة العُليا لحِماية هذا الانتِصار، فإنّ هذه سابقة تكشف عُمق الهاوية، وربّما تُفرّخ سوابق أُخرى أكثر خُطورةً، وتكون النّتيجة أمريكا جديدة مُختلفة غير تلك التي نعرفها ونُعاني من سِياساتها، ومظالمها.

***
غورباتشوف أطاح بالاتّحاد السوفييتي بـ”البريسترويكا” التي تعني الاعتِراف بالهزيمة أمام الغرب، ورفَع الرّايات البيضاء بالتّالي، وترامب يسير على هذا النّهج ولكن بادّعائه العظمة والقوّة والانتصار، ويَجُر أمريكا وشعبها إلى النّتيجة نفسها، وبسُرعةِ هُبوط الحجر من السّماء إلى هاوية الأرض.

أهلًا بكم في “إمارة” الرئيس ترامب، أو مشيخته الجديدة الذي بدأ في وضع أُسسها على هَديِ أصدقائه في مِنطقة الشرق الأوسط حيث الفوضى، والدول الفاشلة، والفساد وهيمنة الميليشيات المسلّحة والديكتاتوريّة، فقد كان من المُتوقّع أن يَجُر ترامب هؤلاء الأصدقاء إلى قيم التّجربة الديمقراطيّة وأُسسها، حدث العكس تمامًا، وما نُشاهده يتبلور على الأرض حاليًّا هو الدّليل الأبرز على ما نقول.

لم نكن نتصوّر في أيّ يومٍ من الأيّام أن نرى قوافل المُتطرّفين العُنصريين البيض، أنصار الزّعيم المُلهِم ترامب تقود العربات المُدرّعة، المُجهّزة بمدافعٍ ثقيلةٍ، تتجوّل في المُدن المُوالية لخُصومه الدّيمقراطيين وغير البيض بهدف إرهابهم، ولم نتوقّع مُطلقًا أيضًا أن تخلو أرفف متاجر بيع الأسلحة في مُعظم الولايات من البنادق الآليّة الرشّاشة والذّخائر، وسط تقارير عن بيع حواليّ 20 مِليون قطعة سلاح في الأشهر الماضية فقط، الأمر الذي يُفسّر ارتِماء ترامب في أحضان لوبي السّلاح، وعرقلة أيّ توجّه لتغيير القوانين في هذا الشّأن.

أمريكا التي نعرفها كـ”جنّة” للمُساواة والتّعايش بين مُختلف الأعراق والأديان في ظِل حماية قانونيّة صارمة، تنزلق إلى هاوية الحرب الأهليّة، والاقتِتال العِرقي والمناطقي، والفضل في ذلك يعود إلى الرئيس ترامب وتشبّثه بالسّلطة، وغطرسته وفوقيّته وابتزازه، ونِعم الرّجل.

المُفارقة أنّ المثل الأعلى لترامب ليس قادة الإصلاح الذين وضع الإرث الدّيمقراطي الأمريكي الحالي وحِفظِه في دستور عصري، وإنّما خُصومه ليس داخِل أمريكا وإنّما في الصين وروسيا، أيّ شي جينبينغ وفلاديمير بوتين، أيّ البقاء في السّلطة مدى الحياة، رغم الفارق الكبير في تجارب البلدين وإرثهما التّاريخي، ونظريّاتهما السياسيّة والاقتصاديّة التي جعلت منهما قِوىً عُظمى مُنافسة.

تعمّدنا أن نتجنّب في هذا المقال الافتتاحي التطوّرات الأحدث للسّباق الانتخابي، ومحتويات صناديق الاقتراع، ليس بسبب تأجيل إصدار النّتائج النهائيّة، وإنّما لسببٍ بسيطٍ، لأنّ هذه الانتِخابات التي اتّسمت تاريخيًّا بالمِصداقيّة والسّلاسة لم تَعُد كذلك، ولم يَعُد لها أيّ قيمة فِعليّة في إيصال الرئيس الفائز إلى البيت الأبيض، فأدوات التّحليل المُتّبعة حاليًّا باتت تنتمي إلى مرحلةٍ مُنقرضةٍ وزمانٍ آخَر، وضعت الانتخابات الحاليّة التي جرت في الثّالث من تشرين أوّل (نوفمبر) نِهايتها، وأعلنت انطلاق مرحلة جديدة غامضة المعالم، لا يستطيع أيّ أحد التنبّؤ بمَلامِحها.
***

أمريكا تتغيّر ولكن للأسوأ، وبشَكلٍ مُتسارعٍويستحقّ الرئيس ترامب الذي وضع بذرة هذا التّغيير ورعاها كُل الشّكر من الشّعوب المقهورة التي عانت وتُعاني من ظُلمِ وغطرسة ومجازر هذه الدّولة التي هَرِمَت وقد تَفقِد عظمتها قريبًا.

نحن الذين عانينا، ونُعاني، من هذه البلطجة الأمريكيّة الابتزازيّة ليس لدينا ما نخسره بل ربّما يكون انهِيارُ أمريكا وتفكّكها بداية نُهوضنا، وخُروجنا من أزَماتنا بأنواعها كافّة.. واللُه أعلم.

arabstoday

GMT 02:32 2024 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

صدّام حسين: رُبّ قومٍ ذهبوا إلى قوم!

GMT 00:43 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

الخسارة في السفارة وفي النظرية

GMT 01:41 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

«داعش» ليس أداة استخباراتية

GMT 01:44 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

الدولة اجتماعية ولو بمقدار

GMT 01:23 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

الاغترابُ: المفهومُ الفلسفي والواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمريكا التي نَعرِفها بدأت مرحلة التّغيير للأسوأ أمريكا التي نَعرِفها بدأت مرحلة التّغيير للأسوأ



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 العرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 00:59 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
 العرب اليوم - فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة

GMT 15:31 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

شهداء وجرحى في قصف جوي إسرائيلي على قطاع غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab