كيسنجر سارق الكتب

كيسنجر... سارق الكتب!

كيسنجر... سارق الكتب!

 العرب اليوم -

كيسنجر سارق الكتب

بقلم:ممدوح المهيني

النقطة الثالثة التي أود الرد عليها في مقال الأستاذ سمير عطا الله هو قوله إن كتب كيسنجر فذلكات وإنها تُكتب من قِبَل مساعديه. تصريح قوي يسلب منه كل إرثه الفكري ويجعل منه مجرد لص مؤلفات. فهل هذا صحيح؟
هذا بالتأكيد ليس رأي الرئيس نيكسون الذي أُعجب بعقل كيسنجر قبل أن يعرفه. الواقع أن كيسنجر كان يمقت نيكسون ولا يراه مناسباً للرئاسة كما كانت تعتقد الدوائر الثقافية والسياسية المتعجرفة في نيويورك وواشنطن حينها. وحسب كاتب مذكراته، فإن كيسنجر اخترع مرة زيارة لليابان حتى يتجنب الالتقاء مع نيكسون. ويضيف ساخراً: «أن تختلق الأعذار لتجنب مقابلة شخص فهذا أمر طبيعي. ولكن أن تخترع رحلة إلى اليابان، فهذا يعني أنك تمقته بشدة». هذا النفور لم يستمر طويلاً، بعد الانجذاب الفكري بين الرجلين في لقاء جمعهما بعد ذلك في نيويورك. نيكسون المولع بالقراءة كان قد قرأ أغلب ما كتبه كيسنجر وأهمه كتابه «السلاح النووي والسياسة الخارجية». يجيب الكتاب الذي دفع اسم كيسنجر في الواجهة عن سؤال مهم وهو: «كيف لأمة أن تدافع عن مصالحها في العصر النووي من دون أن تدمر نفسها أو الحضارة التي تعيش فيها؟ هل هناك حل لمعضلة الحروب النووية بين القوى الكبرى، حل وسط بين الدمار الكامل أو الاستسلام؟، نُشر الكتاب في الخمسينات ولا يزال مهماً بسبب المخاوف المتكررة من اندلاع مواجهات نووية لا يمكن السيطرة عليها. ويطرح الكتاب مزيجاً من التفكير السياسي والعسكري لمعالجة هذه المعضلة ويستعرض عقيدة الحرب المحدودة.
كان شاباً في الأربعينات حينما نشر هذا الكتاب. لنتقدم في الوقت حتى اللحظة الراهنة وهو الآن يقترب من الـ100، فقد نشر قبل سنوات قليلة واحداً من أهم الكتب بعنوان «النظام العالمي». الكتاب الذي يُبحر في الأصول التاريخية لتشكل النظام الدولي الحالي الذي يرسم صورة الواقع السياسي الحالي. الكتاب خليط من البصيرة والمعرفة والحكمة التاريخية، وينطلق من معاهدة ويستالفيا التي شكّلت الهياكل الأساسية للنظام الدولي الذي نعرفه اليوم. في الكتاب يشير إلى نقطة مهمة وهو أن المعاهدة تجاهلت روسيا القيصرية حينها، لقد أُقصيت من البداية، وهذا ربما يفسّر المرارات التاريخية التي تعتمل بداخل بوتين ودوافعه العميقة لهدم النظام الأوروبي الغربي القديم واستبدال آخر به. من الصعب أن تقرأ هذا الكتاب الموسوعي من دون أن تتأمل المفارقة بأن يظل هذا العقل اللامع حبيس جسد كهل أرهقته أمراض الشيخوخة.
وبين الكتابين الأول والأخير، ألّف كيسنجر كمّاً كبيراً من الكتب اللافتة التي يجمع فيها التاريخ القديم وتاريخه السياسي وتجربته ورؤيته الفكرية مكتوبة بلغة رفيعة متدفقة، حتى وإن كانت الأفكار الثقيلة ممتدة على عدد كبير من الصفحات. وقد قال مرة ساخراً من مؤلفاته الطويلة: «أحد النقاد في صحيفة إنجليزية كتب في نقده لكتاب صخم لي: لا أعرف إذا كان كيسنجر كاتباً جيداً ولكن بالتأكيد الذي ينتهي من قراءة هذا الكتاب الثقيل قارئ جيد».
في كتابه عن «الصين» يعتمد كيسنجر على معرفته الشخصية وتجربته الذاتية مع الصينيين، واطلاعه على تاريخهم، والهدف من الكتاب هو شرح الصين للقراء وللمسؤولين الغربيين حتى يفهموا طبيعتها الحذرة، وثقافتها المعقدة واختلافها عن أميركا. يغوص في الفصول الأولى باستعراض التاريخ الصيني حتى العصر الحديث. ويعتمد على مذكراته الشخصية خلال لقاءاته مع ماو والمسؤولين الصينيين في كتابة ما يصعب على المساعدين أن يكتبوه بدلاً عنه، كما يُتَّهَم.
ذات الأمر ينطبق على كتابه «الدبلوماسية» حيث يتطرق فيه كيسنجر إلى لقاءات بالزعماء (ديغول وماو ونيكسون، وريغان وغورباتشوف وغيرهم) والمفاوضات السياسية، ويمارس عادته في العودة 300 عام للوراء ليشرح كيف لعبت الدبلوماسية وتوازن القوى الدور الأكبر في شكل العالم الذي نعيش فيه.
قائمة طويلة من الكتب والمؤلفات والمحاضرات والمقالات تكشف عن الثقافة السياسية والتاريخية الواسعة التي يتملكها. السؤال إذن: من أين أتت تهمة الفذلكات وأنه يسرق جهود غيره؟ التفسير الوحيد يُفهم في سياق الهجوم عليه واغتيال الشخصية، فهو ليس فقط مجرم حرب عديم القلب، بل سارق كتب ومدّعي معرفة. رجل كاذب منتحل بلا مبادئ طامح فقط للقوة. بالطبع كل هذه الاتهامات التي يتم الترويج لها لم يَثبت منها شيء. في عالم المؤامرات كل شيء جائز. شيء يشبه عالم الأحلام، حيث يغيب منطق الأشياء وتمتزج الحقائق بالخرافات. ولديَّ تفسير آخر وهو أن الهجوم على كيسنجر أتى أيضاً في السياق الأوسع للهجوم على رئيسه نيكسون الذي تعرض، رغم دوره الجذري في التاريخ الحديث، لحملات شكّلت طبقات كبيرة من الأوهام أخفت حقيقة الرجل الذي بدأ مؤخراً يستعيد المكانة التي يستحقها في التاريخ. المهم في النقاش مع الأستاذ القدير سمير عطا الله ليس كيسنجر ولكن الفكرة نفسها. هذا ينطبق في وقتنا الراهن على شخصيات سياسية كبيرة ومفصلية تحاط بضباب كثيف من الدعايات المضللة لتحطيم صورتها.
يصف أحد المعلقين الكاتب والمتحدث كيسنجر، في الوقت نفسه، بقوله: «إنه يكتب ويتكلم بطريقة تشبه انهمار المطر. إيقاع واحد وصوت واحد وأفكار مثل القطرات الهابطة من السماء. عندما تقاطعه، يختفي الإيقاع فجأة وعندما يعود للحديث أو الكتابة يعود المطر للانهمار من جديد».

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيسنجر سارق الكتب كيسنجر سارق الكتب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab