لماذا لا نتعلم من المجتمع الأسود

لماذا لا نتعلم من المجتمع الأسود؟

لماذا لا نتعلم من المجتمع الأسود؟

 العرب اليوم -

لماذا لا نتعلم من المجتمع الأسود

بقلم:ممدوح المهيني

يقول الكاتب والمفكر الاقتصادي توماس سويل إنه في شبابه كان يسير وحيداً في الليل في حي هارلم في مدينة نيويورك، وينام في الحدائق من دون أن يشعر بالخوف. لو فعلها الآن سيتعرض للسرقة أو القتل. ما الذي تغيَّر خلال العقود الأخيرة، وحوّل هذا المكان الوادع المسالم إلى مكان خطير؟

يناقش سويل أن السبب ثقافي، ولكن بفعل أخطاء الحكومة وانتهازية الساسة. في وقت كانت العنصرية عنيفة في النصف الأول من العقد الماضي، إلا أن العائلة السوداء كانت متماسكة. معدلات الطلاق منخفضة، والتزام في التعليم والعمل رغم كل المضايقات. نسبة المدمنين على المخدرات قليلة، ونسبة القتل منخفضة، والأب موجود مع العائلة. درجة البطالة كانت في بعض الأوقات أعلى بين البيض من السود. ما الذي تغيَّر وقلب كل هذه الصورة الجميلة؟ كيف تفككت العائلة، وارتفعت معدلات البطالة والجريمة والمخدرات؟

السبب كما يقول، تدخل الحكومة في الستينات بسنّ قوانين أضرت العائلة السوداء بشكل كبير. قوانين البرامج الاجتماعية والدعم المالي التي عملت في البداية بنيات طيبة لتعويض السود عن مرحلة الاضطهاد. هذه البرامج قتلت الرغبة في العمل، وأضعفت الالتزام بقيم الكد والإنتاج، وهزّت تماسك العائلة، بحيث سهّلت عملية الطلاق وعدم رعاية الأطفال. ومع عوائل مفككة، وقيم عمل ضعيفة، وأب غائب، وعدم احترام للقانون، ينتشر الفقر، وتزدهر الجريمة، وتتحول المخدرات إلى وباء. وينشأ الأطفال على هذه الحال، ويتوارثون الثقافة والعادات نفسها جيلاً بعد جيل.

ويقول سويل الذي هو نفسه أسود، إن هذه الجريمة بحق السود تؤكد أن الأعراق والجينات لا علاقة لها أبداً على عكس ما يقول العنصريون. السبب هو التحول الثقافي الكبير الذي حدث في المجتمع الأسود، بسبب سياسات الحكومة الخاطئة. ما جرى بعد ذلك أسوأ. في البداية كانت النيات طيبة، ولكن النتائج سلبية، وهذا يحدث، ولكن لماذا لم تُعدل وتصلح هذه السياسات الخاطئة إذا كانت النتائج كارثية؟ لأنها دخلت في لعبة السياسة. من أجل أن يكسب الساسة أصوات السود يجب أن يقولوا لهم بأنهم مضطهدون ومحاربون ومظلومون بسبب لون بشرتهم، ويتعرضون للعنصرية المؤسسة، على الرغم من أنها انتهت منذ عقود. زرع إحساس الضحية والمظلومية أسهل طرق لكسب الأصوات، ولهذا يكسب الديمقراطيون أصوات السود في غالبية الانتخابات؛ لأنهم يرددون هذه النبرة التي تعيد انتخابهم لمناصبهم، حتى لو أضرت بالمجتمع الأسود نفسه. المشكلة دائماً في الخارج وليس الداخل. في الشرطة، وفي المجتمع الأبيض العنصري، في القوانين الظالمة، وفي الاضطهاد في أماكن العمل، في أي شيء ما عدا المجتمع الأسود نفسه، الذي كان قبل عقود متماسكاً وصاعداً، قبل أن تتسلل هذه الأفكار المضرة إلى ثقافته وطريقة تفكيره.

سويل يقول باختصار غيِّروا الثقافة يتغير المجتمع، وقبل ذلك غيِّروا هذه السياسات وخطاب المظلومية الخانق. وهناك مثقف آخر من أصول سوداء أيضاً، يحاول أن يحارب هذا الكابوس الذي حطّم مجتمعه؛ وهو الكاتب شلبي ستيل، الذي يقول في كتابه «عقد الذنب البيضاء» إن شعور البيض بالذنب مما فعله أسلافهم في المجتمع الأسود من فصل عنصري وتفرقة، دفعه لتقديم تنازلات وخطوات عديدة، ليبعد عن نفسه تهمة العنصرية المشينة، ولكنها في النهاية أضرت قبل ذلك بالسود قبل غيرهم.

من هذه التنازلات، البرامج الاجتماعية التي طرحت في الستينات لمحو الفقر، وصرفت عليها مليارات الدولارات، ولكنها أخفقت ليس في القضاء على الفقر، بل ساهمت في ترسيخه أكثر؛ لأن هذه البرامج كانت عبارة عن تعويضات مالية عما حدث في السابق، وتكفير عن الذنوب، ولكنها أدّت إلى قتل الطموح والعزيمة في الأجيال الجديدة التي اعتمدت عليها، ورسَّخت لديها الإحساس بالمظلومية.

وهناك نخبة من المفكرين والكتاب السود الذين يريدون تحطيم مثل هذه التصورات التي تخنق مجتمعهم، وتجعلهم يعيشون في أوضاع متراجعة، ويلومون غيرهم على مشاكلهم. ويتعرض هؤلاء المثقفون للهجوم بحجة أنهم يحتقرون عرقهم، ويدافعون عن العنصرية، وفي الوقت ذاته لا يحظون بوقت كافٍ للظهور على محطات شاشات التلفزيون المعروفة (لن تجدهم على شاشة «سي إن إن») لأن سرديتهم المباشرة تتصادم مع سردية وسائل الإعلام التي تعزز فكرة العنصرية والاضطهاد.

نحن أيضاً نعاني من الأفكار نفسها التي يواجهها المجتمع الأسود، الذي سيخرج منها مستقبلاً بفضل شجاعة كتّابه ومثقفيه. الأفكار نفسها تقريباً، المظلومية والاضطهاد من الاستعمار والغرب واليهود والخونة والعملاء، وقائمة طويلة من الأعداء الهوائيين. زرعنا في الثقافة فكرة خاطئة؛ وهي أننا مستهدفون في ديننا وثقافتنا وهويتنا. أورثنا فكرة الكراهية للأجيال الجديدة، التي بدل أن ترى العالم بصورة إنسانية أصبحت ترى خريطة العالم ملونة بالألوان الشوفينية والمذهبية والدينية. ومن الصادم بين الأجيال الصغيرة في الدول العربية الاعتقاد بأن هناك حرباً عليهم، وبأنهم ضحايا ومستهدفون ومظلومون، وهناك مؤامرة تحاك ضدهم. المشكلة في الثقافة وليست فيهم، فهم يرثون الأفكار التي تتشكل في عقولهم منذ الصغر، وتصبح جزءاً من طريقة تفكيرهم وهويتهم، ويصعب تغييرها بعد ذلك.

وكما حدث مع المجتمع الأسود، هناك مَن يستفيد من تعزيز هذه الثقافة، وترويج فكرة الضحية والمظلومية بهدف السيطرة على العقول والقلوب، ومن ينتقدها فهو خائن وعميل أو صهيوني كما بات يُردَّد مؤخراً. وهناك أيضاً ساسة يرددون هذا الخطاب لتعزيز شرعيتهم، وتثبيت حكمهم، وبسط نفوذهم، حتى لو أضروا مجتمعاتهم وأغرقوها بالفقر. فالانتهازية السياسية في الغرب نفسها هي الانتهازية السياسية في الشرق، مع تغير أنظمة الحكم والأساليب، والشواهد حولنا كثيرة. ولكن السؤال الأهم الآن: يسعى المثقفون السود مثل سويل وستيل وغيرهما لتغيير مجتمعاتهم، ولكن هل نتعلم منهم؟

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا نتعلم من المجتمع الأسود لماذا لا نتعلم من المجتمع الأسود



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab