بريطانيا بعد هبوب العاصفة

بريطانيا بعد هبوب العاصفة

بريطانيا بعد هبوب العاصفة

 العرب اليوم -

بريطانيا بعد هبوب العاصفة

بقلم - جمعة بوكليب

الفرقُ بين العواصف الطبيعية والسياسية أن الأولى يقتصر تأثيرها على محيطها، في حين أن الثانية يتسع المحيط ليكون كل البلد، بل أحياناً قد يطال الجيران والعالم. الاجتياح الروسي لأوكرانيا مثالاً.
العادة جرت أن يتم إحصاء الخسائر بعد مرور العاصفة، في اليوم التالي مباشرةً والأيام التي تليه. في العواصف الطبيعية عادةً ما يقتصر حساب الخسائر على ما أصاب البنية التحتية من دمار، وما تكون العاصفة قد تسببت فيه من خسائر في الأرواح. في العاصفة السياسية تتسع دائرة حساب الخسائر، وتكون على عدة مستويات: فورية، ومتوسطة الأجل، وبعيدة الأجل.
العاصفة السياسية التي شهدتها بريطانيا، مؤخراً، كانت استثنائية من حيث الشدّة والتأثير. وهي، في محصلتها النهائية، أشدّ من تلك التي ضربت بريطانيا في بداية التسعينات من القرن الماضي، ووضعت حدّاً للمرحلة الثاتشرية.
النُّذُرُ التي سبقت العاصفة السياسية الأخيرة تعددت. وكلما لاح نذيرٌ مُحذراً، تتلقفه وسائل الإعلام بالتحليلات، ثم سرعان ما يلحقه نذيرٌ آخر، فيشعر المراقب بأن الأمور تسير بوتيرة غير مسبوقة، وأنه ربما يكون شاهد عيان على مرحلة تاريخية جديدة. وحين حان موعدها، تبيّن للجميع أن شدّة تداعياتها قد تطال ما قد يأتي بعدها من مراحل. وهذا يعني حرفياً أن المرحلة الجونسونية، رغم قصر مدتها الزمنية، سوف تشغل المؤرخين والمعلقين السياسيين لفترات طويلة مستقبلاً.
في أواخر شهر يوليو (تموز) 2019 تسلم السيد جونسون مفاتيح 10 داونينغ ستريت من السيدة تيريزا ماي. وفي بداية شهر يوليو 2022 وقف السيد جونسون أمام الباب الرئيس لـ10 داونينغ ستريت، ليقرأ خطاب استقالته من المنصب، ملقياً باللوم على غريزة القطيع في الحزب. لكنه، حسب قوله، سيبقى في ذلك المقر حتى اختيار رئيس جديد للحكومة، الأمر الذي أثار استياء كثيرين في حزبه، خشية من حدوث تطورات سياسية تؤدي إلى طول إقامته، وخوفاً مما قد يُحدثه من تأثير على انتخابات الزعامة.
3 سنوات فقط، هذه كل حصيلة الزعيم الذي كان يعتقد صادقاً في قرارة نفسه أنه سيمكث في ذلك المنصب أكثر من المدة التي قضتها السيدة مارغريت ثاتشر. طموحه في تسجيل رقم قياسي يفوق رقم السيدة ثاتشر (11 عاماً) سار في الاتجاه الخطأ. وبدلاً عن ذلك سجل رقماً قياسياً في قِصَر المدة (أقصر مدة من السيدة ماي عدوته اللدودة التي أطاح بها).
لكن الرياح عادةً لا تسير وفق ما تشتهي القلوب، ولا تبالي بما في النفوس من أمنيات. الرياح، خصوصاً السياسية منها، تسير وفق منطقها الخاص. والقائد الذي حقق فوزاً انتخابياً غير مسبوق منذ أربعين عاماً، وأنجز «بريكست»، وقاد بنجاح الحرب ضد الوباء الفيروسي، والتحق بمقدمة الصفوف المناوئة للاجتياح الروسي لأوكرانيا، كان ضحية أول عاصفة. ومن الإنصاف القول إن العاصفة كان هو، إلى حدٍّ كبير، مَن بذر بذورها. وإنّه، كما أبانت السنوات الثلاث الماضية، أكبر عدو لنفسه. والآن، بعد أن اقتلعته رياح العاصفة، سيجد نفسه وحيداً، ومنضماً إلى من سبقوه من رؤساء الحكومات في عالم النسيان. المجد والنسيان متجاوران، لا يفصلهما سوى خيط، قد يكون أوهن من خيط عنكبوت. هذه الحقيقة يعرفها أهل السياسة، لكنهم عادةً ما يتجاهلونها، تحت تأثير الأضواء، ويدفعون غالياً الثمن.
حزب المحافظين قد يكون الخاسر الأكبر في العاصفة. وسيظهر ذلك خلال الانتخابات النيابية القادمة بعد عامين. وأراهن أنهم قد كتبوا فعلياً خسارتهم القادمة. هناك أيضاً ما لحق سمعة الساحة السياسية من العاصفة. وما فعله رئيس الحكومة بتخندقه في مقر مكتبه رافضاً الخروج بعد أن استقال تقريباً 70 في المائة من وزراء حكومته في سابقة خطيرة. أضف إلى ذلك أن البلد يمر، متوعكاً اقتصادياً، من ثقب إبرة بسبب تداعيات الوباء الفيروسي، وحالياً تأثيرات الحرب في أوكرانيا. ومن السهل على المراقب رصد حالة من الغضب والسخط الشعبي على استفحال غلاء الأسعار وتدهور الخدمات في القطاع الصحي بشكل خاص وفي غيره من القطاعات، واضطرابات القطارات والمحامين والعاملين في شركات الطيران.
الصراع السياسي داخل مختلَف أجنحة الحزب الحاكم أسهم إلى حد كبير في استفحال الأزمات. أسئلة كثيرة ستظل من دون إجابات. ومن أهمها: ماذا يمكن لأي رئيس حكومة قادم فعله خلال فترة زمنية قصيرة، لحل إشكالات اقتصادية مستعصية؟ وكيف سيتعامل مع مختنق إقليم آيرلندا الشمالية؟ وما طبيعة العلاقات التي من المحتمل أن تنشأ مع بروكسل، وفي أي اتجاه؟

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا بعد هبوب العاصفة بريطانيا بعد هبوب العاصفة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab