«العمال» البريطاني بين الهجرة والجريمة المنظمة والتدخين

«العمال» البريطاني بين الهجرة والجريمة المنظمة... والتدخين!

«العمال» البريطاني بين الهجرة والجريمة المنظمة... والتدخين!

 العرب اليوم -

«العمال» البريطاني بين الهجرة والجريمة المنظمة والتدخين

بقلم : جمعة بوكليب

 

التراثُ الشعبي الليبي ثَريٌ بالأمثال والحِكم والمواعظ والحكايات. من ضمن الحكايات المشهورة، واحدة تُروى عن جماعة صغيرة من الناس أرادوا الخروج في نزهة، وأخذوا معهم مستلزمات وجبة غذاء، ومن ضمنها دجاجة حيّة على أمل أن تُذبح وتُؤكل. وحين وصلوا المكان المراد، وبدأوا في تجهيز الوجبة، وأرادوا ذبح الدجاجة، اكتشفوا أنهم نسوا إحضار سكين. فأطلقوا سراحها. الدجاجة تلك لا تختلف عن أي دجاجة أخرى مطلوقة السراح. ذهبت تجري إلى أقرب كومة تراب، وبدأت في نبشها بمنقارها ورجليها، فكشفت عن سكين مدفون، أدّى بهم إلى ذبحها!

الحكايةُ تُروى للدلالة على الحُمق والغباء. وتذّكر بما ظهر علينا مؤخراً في بريطانيا من تقارير إعلامية تتحدث عن تسريبات صادرة من مكتب رئيس الحكومة البريطانية السير كير ستارمر، ورغبته في إصدار قانون بمنع التدخين في الفضاءات العامة المفتوحة، مثل حدائق المقاهي، والحانات، والمطاعم، والمستشفيات وغيرها.

في عام 2007 تقريباً، أصدرت حكومة السير توني بلير العمالية قانوناً بمنع التدخين تحت أسقف الأماكن العامة. ذلك القانون أفضى إلى ظاهرة لم تكن معروفة من قبل، أُطلق عليها اسم «ركن المدخنين». وهي أماكن انتشرت وصارت ملتقى للمدخنين أمام المقاهي والمؤسسات والحانات والمطاعم. تلك الظاهرة حفّزت أصحاب المقاهي والمطاعم والمؤسسات إلى الاستثمار في إنشاء أماكن تتيح للرواد والعاملين التدخين من دون الحاجة إلى الوقوف في الشوارع. العديد من المقاهي أنشأت حدائق صغيرة يَؤُمُّها مدخّنون من الزبائن. الآن، وفقاً للتسريبات الأخيرة، يسعى السير ستارمر إلى منع التدخين بتلك الأماكن.

التقارير الإخبارية توضّح أن السبب وراء ذلك نابع من أمرين: أن عدد الوفيات نتيجة التدخين بلغ 80 ألف شخص سنوياً في إنجلترا، وأن ميزانيات المؤسسات الصحية تنفق مبالغ هائلة على علاج المدخنين مما يصيبهم من أمراض، خصوصاً السرطان، عافاكم الله.

حكومة المحافظين تحت رئاسة ريشي سوناك فرضت ضرائب مرتفعة على المدخنين، برفع أسعار السجائر بغرض ردعهم وإجبارهم على التخلي عنها. إلا أن القرار أدّى إلى انتشار التهريب في تجارة السجائر. أضف إلى ذلك أن شركات صناعة التبغ، خلال السنوات الأخيرة، عملت من جهتها على اختراع أنواع جديدة من السجائر الإلكترونية. وتمكّنت من الالتفاف على قوانين الحكومة. وانتشرت السجائر الجديدة في بريطانيا وخارجها، خصوصاً بين المراهقين. أي أن المدخنين لم يرتدعوا بالمنع أو بالخوف من الإصابة بالأمراض واحتمال الموت، أو برفع الأسعار. وحين يفكر رئيس حكومة في إصدار قانون بمنع التدخين في أماكن وفضاءات عامة مفتوحة مثل الحدائق، فإنه بذلك يثير حفيظة وغضب قطاع كبير من الشعب، ومن رجال الأعمال، خصوصاً المتخصصين في قطاع الضيافة. ويجعلهم يشعرون بنوع من الاضطهاد تمارسه ضدهم مختلف الحكومات، رغم أنّهم يعيشون في مجتمع ليبرالي، تعدُّ فيه الحرية الشخصية شبه مقدسة، وليس من حق الحكومات فيه أن تتدخل فيما لا يعنيها. قد يرى البعض أن هذا الرأي ليس محايداً، على اعتبار أن صاحبه مُدخنٌ شره. وهو قولٌ لا يخلو من صواب. إلا أنّه، في الوقت ذاته، لا ينفي صواب ما ذُكر من حقائق.

الآن، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من وصول حزب العمال إلى الحكم، بعد غياب استمر 14 عاماً، ومشكلات وأزمات معاشية واقتصادية واجتماعية، تراكمت طيلة السنوات الماضية خلال فترة حكم المحافظين، وفي حاجة ملحّة إلى حلول عملية وسريعة، يدير رئيس الحكومة بظهره لتلك الأزمات والمشكلات، ويفكر في إصدار قانون يثير حفيظة المدخنين وأصحاب المقاهي والمطاعم والحانات وغيرهم، وهم كثر. وعلى الأرجح أن أغلبهم صوتوا لحزب العمال في الانتخابات النيابية الأخيرة. وهو في ذلك، في رأيي، مثل تلك الدجاجة، وما جنته على نفسها من سوء مصير.

الورقة المقدمة بإلغاء التدخين في الأماكن والفضاءات المفتوحة لن تقلل من عدد المدخنين في الأماكن والفضاءات المفتوحة، ولن تقلل من عدد المدخنين. ولن يكون لها مفعول السحر، كما يتوقع السير ستارمر. وسيتمكّن المدخنون من الالتفاف على القانون في وقت قصير في حالة صدوره. أضف إلى ذلك أن هذه الروح الأبوية في القانون المزمع لا داعي لها وغير مطلوبة؛ لأن أغلب الناس يفضلون مناكفة الحكومات برفضهم الامتثال إلى أي قرارات أو قوانين وصائية الصفة، يشتمّون منها حَدْباً أبوياً. آخذين في الاعتبار، أن الحكومات التي تتخذ قوانين وسياسات تتسم بروح أبوية والتظاهر بالحرص على صحة المواطنين، لا تتورع عن إرسال شباب إلى الموت في حروب عبثية خاسرة لا فائدة منها. حرب بريطانيا في أفغانستان على سبيل المثال لا الحصر.

كان الأولى بالسير ستارمر ترك المدخنين لحالهم، والاهتمام مثلاً بالبحث عن حلّ لمشكلة قوارب الهجرة التي مازالت تواصل عبور بحر المانش، محمّلة بشحناتها البشرية يوماً إثر آخر، وتزيد في تصاعد التوتر في المناخ السياسي وفي ارتفاع أعداد الغرقى في البحر، وتصاعد وتيرة الحملات الإعلامية ضده شخصياً، أو التفكير في حلول تضمن القضاء على الجريمة المنظمة، خصوصاً في مجال تهريب المخدرات والسرقة، أو التهرّب من دفع الضرائب.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«العمال» البريطاني بين الهجرة والجريمة المنظمة والتدخين «العمال» البريطاني بين الهجرة والجريمة المنظمة والتدخين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab