بقلم - جمعة بوكليب
بدأ التحشيد في بريطانيا للمعركة الانتخابية المقبلة. الزعيم العمالي كير ستارمر فرغ، في الأسبوع الماضي، من تهيئة فريقه الوزاري الجديد، باستحداث تغييرات أدت إلى إحضار وجوه قديمة مخضرمة أسهمت في الفترة البليرية، وعهد إليها بمهام إعداد مسرح العمليات للمعركة الانتخابية. العماليون، ولأكثر من عام، حافظوا على تقدمهم في استبيانات الرأي العام. قرابة 20 نقطة تفصل بينهم وبين حزب المحافظين. رئيس الحكومة المحافظ ريشي سوناك يستعد هو الآخر لإحداث تغييرات في فريقه الوزاري، ويتوقع أن ينتهي من ذلك في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، عقب انقضاء أسبوع المؤتمرات السنوية للأحزاب. شعبية السيد سوناك، بين الناخبين، كما أبانت الاستبيانات، تبدو سيئة جداً، ومدعاة للتساؤل حول قدرته على تغيير اتجاه سير حسن الحظ نحوه شخصياً، ونحو الحزب الذي يقوده. والحديث في صفحات الرأي الإعلامية، وتحديداً من كُتّاب معروفين بانحيازهم للمحافظين، يدور في أغلبه حول كيفية إعادة الحياة إلى الحزب بعد الهزيمة المقبلة، الأمر الذي يؤكد سيادة شعور غامر بين المحافظين بعجزهم عن إقناع الناخبين بأي برامج انتخابية أو وعود بمشاريع، خاصة في ظل تراكم الأزمات. آخرها فضيحة عدم أهلية عدد كبير من الأبنية المدرسية، على استقبال التلاميذ في العام الدراسي الجديد؛ بسبب ما أصابها من تصدعات خطرة في الأسقف.
وعلى أية حال، فإن حزب العمال في حالة فوزه في الانتخابات المقبلة، المتوقع إجراؤها في شهر يناير (كانون الثاني) 2025، سوف يأتي إلى الحكم ليجد نفسه متورطاً في فخاخ الأزمات التي سيرثها من «المحافظين»، وفي مقدمتها أزمة المهاجرين غير القانونيين القادمين إلى بريطانيا في قوارب، من الضفة الفرنسية لبحر المانش.
وإلى حدّ الآن، لم يقم العماليون بتقديم أي حلول ممكنة وعملية لإيقاف المهاجرين. ومن الواضح، حسب برامجهم المعلنة، أنهم إلى حدّ الآن لا يملكون حلاً، ولن يجدوا لأنفسهم مخرجاً من فخها في قادم الأيام. وبالتأكيد، سيخوضون في أوحالها، وسترهقهم كما أرهقت حكومات أربعة رؤساء حكومات من المحافظين. المشكلة أن القوارب لم تعد تتوقف، رغم كل الجهود المبذولة من الحكومة البريطانية ومن نظيرتها الفرنسية، ورغم كل الأموال التي أُنفقت، والأجهزة التقنية التي أُحضرت، والكوادر الأمنية التي جُندت، والسياسات التي اقتُرحت. إذ كلما أغلقت الحكومة البريطانية باباً، تمكّن المهربون من فتح باب في جهة أخرى، بما يتسق وحكمة مثل شعبي يؤكد أن: «السارق يغلب العساس».
المشكلة ازدادت تعقداً في الآونة الأخيرة؛ بسبب ما حدث ويحدث في القارة الأفريقية من حوادث. البداية كانت بالحرب الأهلية في السودان، وازدادت سوءاً بموجة الانقلابات العسكرية في النيجر والغابون، وقبلها في مالي وبوركينا فاسو وغينيا بيساو، وقبلها الحرب الأهلية في إثيوبيا. وهي تطورات تؤدي بالضرورة إلى نزوح داخلي، وإلى هجرة خارجية فراراً من احتمال الموت، وبحثاً عن أمن وحياة كريمة، في بلدان الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وغيرها من بلدان أوروبا. وبالطبع، فإن تلك الأحداث المؤسفة هي في الوقت ذاته أخبار مفرحة جداً لشبكات مهربي البشر، الذين دخلوا مع الحكومة البريطانية ونظيرتها الفرنسية، وغيرهما من الحكومات الأوروبية، فيما يشبه لعبة «عسكر وحراميه». وإلى حد الآن، ما زالت كفة شبكات التهريب هي الراجحة، وستزداد رجوحاً وثقلاً ما دام هناك مهاجرون على استعداد للتضحية بحيواتهم غرقاً في البحر، في سبيل الوصول إلى مرفأ أمان بريطاني أو أوروبي. وما تؤكده مجريات الحوادث الحالية هو أن موجات الهجرة غير القانونية من المحتمل جداً أن تكون العقبة الكأداء أمام العماليين في حالة نجاحهم في الوصول إلى الحكم. وفي حالة حدوث ذلك، فمن المؤكد أنها ستستولي على أكبر نسبة من جهودهم، على حساب أزمات وقضايا أخرى اقتصادية واجتماعية... إلخ، لا تقل عنها أهمية وخطورة، سيتركها لهم المحافظون بعد 14 عاماً من وجودهم في الحكم.