القدس مدينة السلام وليست مدينة الحروب

القدس مدينة السلام... وليست مدينة الحروب

القدس مدينة السلام... وليست مدينة الحروب

 العرب اليوم -

القدس مدينة السلام وليست مدينة الحروب

بقلم - داود الفرحان

الحرب الروسية التي تخوضها موسكو هذه الأيام ضد أوكرانيا، ليست الحرب الوحيدة التي دخلت غمارها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991 حتى اليوم. ففي عامَي 1994 و1999 خاضت روسيا حربين دمويتين ضد جمهورية الشيشان الواقعة في القوقاز الروسي، أدتا إلى مقتل عشرات الألوف من الجانبين. وفي عام 2008 نفذ الجيش الروسي عمليات عسكرية في جورجيا، رداً على عملية عسكرية شنتها تبليسي عاصمة جورجيا ضد أوسيتيا الجنوبية الانفصالية، استمرت 5 أيام خلَّفت مئات القتلى.
وأقحمت روسيا نفسها في عام 2015 في الجبهة السورية، بناء على طلب من الرئيس بشار الأسد الذي كاد نظامه ينهار، لولا تدخل الطيران الحربي الروسي، والطيران الحربي الأميركي، لقصف المدن السورية الثائرة على نظام الأسد الموالي لإيران؛ شأنه شأن والده الراحل حافظ الأسد الذي انحاز إلى إيران في حربها ضد العراق (1980 - 1988).
وفي لقاء مع الرئيس بشار الأسد في دمشق، حضره رئيس اتحاد الصحافيين العرب، وأعضاء الأمانة العامة للاتحاد، بعد الاحتلال الأميركي للعراق، سألت الرئيس بشار: ماذا ستفعل سوريا بعد أن أصبح الأميركيون جيراناً لها؟ فقال: «إنهم ليسوا جيراننا؛ لكنهم سيرحلون بعد فترة قصيرة». إلا أن أميركا دخلت إلى سوريا بطائراتها ومعسكراتها، مثلما دخلت روسيا وإيران والميليشيات العراقية؛ بل إن روسيا أقامت قاعدتين جويتين في سوريا، إحداهما في مطار حميميم في شمال البلاد، والثانية في ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط.
أنا واحد من الذين يعتقدون أن بوتين غير مهتم بطول حربه مع أوكرانيا أو قصرها؛ فهو يبدأ يومه بشرب قهوة الصباح مع قطعة «الكرواسون» الطازجة، ويقرأ البريد اليومي والموقف العسكري كما لو أنه يلعب الشطرنج، وكأن قواته تمارس رياضة التزحلق على جليد أوكرانيا، وهو يرد على اتصالات رؤساء دول العالم الهاتفية التي «تلتمس» منه إيقاف إطلاق النار، واللجوء إلى المفاوضات، وفتح ممرات آمنة لإنقاذ المدنيين من نساء وأطفال وكبار سن إلى الدول المجاورة، فيقابلها بـ«طلب واحد» هو: تحقيق «كل مطالبه» في أوكرانيا. ما هذه الطلبات يا سيدي الرئيس؟ «شبه جزيرة القرم، وإعلان انفصال جمهوريتين شعبيتين عن أوكرانيا تقعان على الحدود مع روسيا، وضمان حياد كييف، وعدم انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف (الناتو)». وكل طلباته، كما تبدو، حقوق دستورية لجمهورية أوكرانيا، ولا يستطيع مجلس الأمن الدولي فرضها على حكومة كييف الشرعية؛ لكن بوتين قد يستطيع. بينما الرئيس الأوكراني، قليل الخبرة، لا يعلم أن مدينة القدس الفلسطينية محتلة من قبل إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن، وليست مدينة إسرائيلية ليطلب عقد اجتماع حربي مع بوتين فيها.
ببساطة، إن حرب أوكرانيا هي نسخة مستعادة من حرب المجر (هنغاريا). والمجر دولة صغيرة عاصمتها بودابست، وسط أوروبا، تحدها سلوفاكيا وأوكرانيا ورومانيا وصربيا وكرواتيا وسلوفينيا والنمسا. قامت ثورة في المجر في عام 1956 ضد السيطرة السوفياتية على البلاد، واستمرت الانتفاضة الشعبية 12 يوماً فقط، ارتكب فيها الاتحاد السوفياتي جرائم وحشية ضد السكان، وتم تقدير الخسائر البشرية المجرية بـ2502 قتيل، وأكثر من 20 ألفاً آخرين بين مفقودين وجرحى، أو تم إعدامهم لاحقاً. كانت الحكومة المجرية تحت السيطرة السوفياتية أسوة بدول المنظومة الشيوعية في ذلك الحين، بعد وفاة الزعيم الراحل جوزيف ستالين. قامت الدبابات السوفياتية بالواجب، وسحقت وهدمت وأحرقت وأعدمت. وحمل المجريون السلاح للدفاع عن النفس، كما يفعل الأوكرانيون منذ 3 أسابيع، وطالبوا بخروج بلدهم من حلف وارسو الشيوعي، والتخلص من الستالينية والرموز البيروقراطية. وحين اقتربت الدبابات السوفياتية استقالت الحكومة المجرية برئاسة إيمري ناغ، أفضل تلميذ مجري للزعيم السوفياتي التاريخي ستالين، ولجأت إلى السفارة اليوغوسلافية في عهد الرئيس الراحل جوزيف بروز تيتو؛ لكن رئيس الحكومة المستقيلة ترك السفارة اليوغوسلافية بعد وعود بحمايته، إلا أن الشرطة السرية اعتقلته وأعدمته.
وهذا درس من المجر، وقد يكون الرئيس الأوكراني الشاب زيلينسكي قد قرأ جيداً هذا التاريخ. كانت ثورة المجر الإشارة الخضراء بعد ذلك لانهيار الاتحاد السوفياتي، بدءاً برئيس الوزراء نيكيتا خروشوف الذي كانت له انتقادات علنية للسنوات الستالينية العصيبة، (وهو بالمناسبة من مواليد قرية صغيرة على الحدود الفاصلة بين روسيا وأوكرانيا)، وسحبت العربة بعد ذلك بريجنيف، وأندروبوف، وتشيرنينكو، وغورباتشوف آخر رئيس لدولة الاتحاد السوفياتي (وهو أيضاً من مواليد أوكرانيا).
الرئيس بوتين ليس رجلاً طارئاً على الحروب، وهو يعرف جيداً طريقه إليها، ويحفظ عن ظهر قلب أوراقه؛ لكنه مثل أكثر زعماء الدول المتحاربة؛ يعرف الطرق إلى الحروب، ويجهل طريق الخروج منها؛ لأن الأعداء يرفضون السلام، أو يريدون نصف الرغيف الآخر.
في نهاية عام 1994، أدخلت موسكو جيشها لتطويع جمهورية الشيشان في القوقاز الروسي؛ لكنها انسحبت بعد عامين بسبب المقاومة الشرسة. ودفع بوتين حين كان رئيساً للوزراء في عام 1999 بلاده إلى الدخول في حرب جديدة مع الشيشان، واحتل العاصمة غروزني، ودمَّرها بنيران المدفعية والقصف الجوي الروسي، وظل الكرملين مسيطراً عليها إلى عام 2009، بعد مقتل عشرات الألوف من الجانبين. إلا أن المقاتلين الشيشانيين استمروا صداعاً دائماً في رأس الدولة الروسية؛ ومن أشهر عملياتهم أزمة رهائن مسرح موسكو؛ حيث قام نحو 50 شيشانياً مسلحاً بحصار المسرح، واحتجاز 850 رهينة، مطالبين بانسحاب القوات الروسية وإنهاء الحرب. وكان بوتين وقتها يتولى رئاسة الأمن الفيدرالي، وقد وعد المسلحين بالإبقاء عليهم أحياء إذا ما أطلقوا سراح كل الرهائن. وتم إطلاق بعض الرهائن من النساء والأطفال على دفعات خلال يومين، قبل أن تقوم وحدات أمنية خاصة بإدخال مادة كيماوية سامة في نظام التهوية في المبنى، وتم اقتحامه ووفاة 129 رهينة بالغازات السامة، و39 مسلحاً شيشانياً.
وقبل أن نغلق هذا الملف، أشير إلى دخول القوات السوفياتية إلى أفغانستان في عام 1979، لمواجهة المعارضين الأفغان المسلحين المعادين للاتحاد السوفياتي. واضطرت موسكو بعد كثير من الخسائر البشرية والعسكرية إلى الانسحاب بعد 10 أعوام. وكانت تجمع بين البلدين معاهدة صداقة وتعاون، مثلما كانت مصر والعراق قد وقعا معاهدتي صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفياتي (روسيا لاحقاً) لم تستفد القاهرة وبغداد منهما في وقت الشدّة، مثل حرب 1967 في مصر ضد إسرائيل، وحربي 1990 و2003 في العراق ضد العدوان والاحتلال الأميركي.
بعيداً عن الحروب السابقة والحالية، بدأ نجم بوتين يسطع خلال عمله الاستخباراتي والسياسي في بدايات التسعينات من القرن الماضي، حين تم تعيينه رئيساً لجهاز الأمن الفيدرالي، وهو من أذرع الاستخبارات السوفياتية سابقاً (كي جي بي)، ورئيساً لأمن الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين. وحدث في عام 1999 أن أقال الرئيس يلتسين رئيس الوزراء آنذاك سيرغي ستاباسين وجميع وزرائه، ورشح بوتين لخلافته. وفي العام نفسه استقال يلتسين من منصب رئيس روسيا، واختار بوتين ليحل محله، إلى أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية اللاحقة التي ترشح لها بوتين في عام 2000، وتم انتخابه. ثم أعيد انتخابه مرة ثانية في عام 2004 الذي شهد أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس «الاتحاد السوفياتي» سابقاً، أو الرئيس الروسي لاحقاً، إلى إسرائيل، لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون.
يتحدث بوتين الألمانية بطلاقة؛ لكنه لا يجيد التحدث بالإنجليزية. لدى بوتين كلاب أليفة، ويصطحبها أحياناً إلى محادثاته السياسية، وكان أحدها في اجتماع عقده مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، مع علمه بخشيتها من الكلاب.
في عام 2001، أعرب بوتين عن تضامن روسيا مع الولايات المتحدة، رداً على الهجمات الإرهابية على برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك؛ لكنه عندما تحولت الحرب الأميركية على الإرهاب إلى التركيز على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، انضم بوتين إلى المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر، والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، في معارضتهما للمخطط الأميركي العدواني.
من أقوال بوتين التي تلخص كل مسيرته: «أحياناً يكون من الضروري أن تكون وحيداً؛ لكي تثبت أنك على صواب».

arabstoday

GMT 23:31 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

عالم الحروب وسلام «كانط» الدائم

GMT 23:28 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

اتفاق غزة... الأسئلة أكثر من الإجابات!

GMT 17:50 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

‎خطوة أمريكية مهمة.. ولكن

GMT 03:23 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

عن الحرب مجددًا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القدس مدينة السلام وليست مدينة الحروب القدس مدينة السلام وليست مدينة الحروب



النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 20:59 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي

GMT 08:42 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

3 زلازل تضرب شرق تايوان في 5 دقائق

GMT 03:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab