رسائل فرنسية ثلاث في بكين

رسائل فرنسية ثلاث في بكين

رسائل فرنسية ثلاث في بكين

 العرب اليوم -

رسائل فرنسية ثلاث في بكين

ناصيف حتي
بقلم ناصيف حتي

زيارة الرئيس الفرنسي إلى الصين الشعبية حملت رسائل أساسية ثلاثاً. ومن المفيد بداية، في هذا الإطار، التذكير أن «فرنسا ديغول» كانت القوة الغربية الأولى التي اعترفت بالصين الشعبية الشيوعية، عام 1964. الرسالة الأولى تتعلق بالشأن الاقتصادي والتجاري‏. والجدير بالذكر، أن التبادل التجاري بين البلدين يعاني من انعدام التوازن بشكل كبير بين الطرفين ولمصلحة الصين الشعبية بالطبع. وقد وصل العجز التجاري الفرنسي مع الصين الشعبية إلى نحو 40 مليار يورو. كما أن الاستثمارات الصينية في فرنسا ما زالت ضعيفة نسبياً؛ إذ لم تتعدَ النصف مليار يورو عام 2021. ولا أدل على أهمية الشأن الاقتصادي في الزيارة الرئاسية من أن أكثر من خمسين من كبار رجال الأعمال كانوا في عداد الوفد الفرنسي الذي رافق الرئيس ماكرون.
فإلى جانب تداعيات الأزمة الأوكرانية على الصعيد الاقتصادي تعاني فرنسا مثل الدول الغربية الأخرى من قانون خفض التضخم الذي أقرّته إدارة بايدن، والذي يهدف ضمن أمور أخرى إلى جذب الشركات للعودة أو للتوجه للاستقرار في الولايات المتحدة؛ مما يوثر بشكل كبير في الاقتصادات الغربية ومنها فرنسا بالطبع. ويريد الرئيس ماكرون تشجيع الاستثمار الصيني في فرنسا ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين لمواجهة تداعيات السياسة الأميركية التي أشرنا إليها، ضمن تحديات أخرى يواجهها الاقتصاد الفرنسي. ومن أهم دلالات السياسة الاقتصادية الفرنسية الجديدة والناشطة تجاه الصين الشعبية أن شركة «توتال» قد وقّعت عقد تعاون اقتصادي تجاري مع الصين الشعبية بالين وليس بالدولار أو باليورو، مع ما يحمله ذلك من دلالات مستقبلية على الأولوية التي تعطيها باريس للعلاقات الاقتصادية مع القوة العظمى الاقتصادية التي هي الصين الشعبية.
العنوان الثاني للزيارة كان يتعلق بالحرب في أوكرانيا. ورغم أن الرئيس الفرنسي قد صرح أكثر من مرة بأنه لا يتفق مع كل ما جاء من بنود في مبادرة السلام الصينية، لكنه أكد، بل شدد على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الصين الشعبية في هذا الشأن، بحكم العلاقات المميزة مع موسكو والثقل الذي تتمتع به على الصعيد العالمي. وأكدت المحادثات على رغبة الطرفين، ولو من مواقع سياسية مختلفة فيما يتعلق بالحرب الدائرة في أوكرانيا، بذل الجهود لوقف الحرب والتوصل لحل سياسي للنزاع على أساس احترام مبادئ وقواعد الشرعية الدولية (عدم احتلال أراضي الغير). ورغم أن الطريق لا تزال طويلة قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار والذهاب نحو التفاوض، فإن الدور الصيني أكثر من أساسي في هذا المجال ونجاحه إلى جانب دور آخرين، ومنهم فرنسا وألمانيا ولو بشكل أقل، سيعزز من موقع الصين الشعبية على صعيد النظام العالمي الذي سيتشكل غداة انتهاء الحرب.
الرسالة الثالثة التي حملتها زيارة الرئيس الفرنسي سياسية استراتيجية بامتياز، وبأبعاد مختلفة.
وللتذكير، كان الرئيس الفرنسي يود أن يشاركه في الزيارة المستشار الألماني، الذي زار الصين الشعبية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولكن البرودة في العلاقات بين الطرفين بسبب ازدياد التنافس بينهما في البيت الأوروبي في ملفات عديدة، واللذان كانا معاً يشكلان تاريخياً قاطرة عملية البناء الأوروبي، دفعت إلى امتناع المستشار الألماني عن مشاركة الرئيس الفرنسي في الزيارة. لكن الرسالة الأوروبية التي أراد أن يوجهها الرئيس الفرنسي إلى الصين الشعبية وإلى العالم عبر زيارة بكين أكدها من خلال مشاركة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، له في زيارته.
ماكرون أراد توجيه رسالة من بكين حول «الاستقلالية الاستراتيجية» الأوروبية التي تبقى هدفاً أوروبياً ولو لم يكن قريباً من التحقيق. ولكن يبقى هدفاً فرنسياً بشكل أساسي وتاريخي رغم المعوقات الأوروبية على الصعيدين الجماعي والوطني التي تبطئ أو تعرقل تحقيق هذا الهدف. وجاء اليوم الرئيس الفرنسي ليضع هذا الهدف في طليعة أولوياته في فترة شديدة التعقيد على الصعيد الأوروبي بسبب الخلافات في البيت الأوروبي التي تمتد من السياسة إلى الاقتصاد إلى العلاقات مع القوى الدولية المختلفة. الرئيس الفرنسي أراد توجيه رسالة مزدوجة من بكين حول استقلالية القرار الفرنسي، وليس فقط الأوروبي الاصعب تحقيقه.
تصريح ماكرون حول تايوان عندما تحدث عن عدم التدخل أو التصعيد في أزمات ليست أزماتنا، رحبت بها دون شك بشكل كبير بكين ولكنها أثارت ردود فعل سلبية بدرجات مختلفة في «الحلف الغربي»؛ باعتبار أنها تضعف الموقف الغربي تجاه الصين الشعبية في خضم المواجهة الحاصلة معها. كما أنها تشكل خروجاً على المبادئ والقواعد التي استند إليها دائماً الموقف الغربي تجاه «المسألة التايوانية». الموقف «المتوازن» تجاه الأزمة التايوانية العائدة بقوة إلى واجهة الأحداث يشكل ابتعاداً في هذه اللحظة عن الموقف الغربي التقليدي. كما أن الحديث عن «رفض التبعية» أو الانحياز غير المشروط الذي يشير إليه الرئيس الفرنسي يذكّر إلى درجة كبيرة بقول وزير الخارجية الأسبق هوبير فدرين (عام 1998) حول علاقة فرنسا بالولايات المتحدة الأميركية «أصدقاء، حلفاء ولكن غير منحازين». قول يعبّر عن عقيدة السياسة الخارجية الفرنسية منذ أيام ديغول والتي استمرت مع الرئيسين ميتران وشيراك.، ولو شهدت بعد ذلك محطات خرجت فيها فرنسا أحياناً عن هذه العقيدة.
فهل شهدنا من بكين عودة فرنسا إلى اعتناق هذه العقيدة ولو بشكل خجول؟ المستقبل القريب والمتوسط سيحمل لنا الجواب على هذا التساؤل.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل فرنسية ثلاث في بكين رسائل فرنسية ثلاث في بكين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab