أوروبا الغارقة في بحر من التحديات

أوروبا الغارقة في بحر من التحديات

أوروبا الغارقة في بحر من التحديات

 العرب اليوم -

أوروبا الغارقة في بحر من التحديات

ناصيف حتي
بقلم - ناصيف حتي

كان الاتحاد الأوروبي، كتنظيم إقليمي، يعد النموذج الأنجحَ والذي يجب الاقتداء به من قبل مجمل المنظمات الإقليمية في العالم في عملية بناء وتعزيز التكامل الإقليمي الفاعل والذي يعزز قدرة المجموعة من جهة، وبالتالي قدرة دولها من جهة أخرى، في كافة أبعاد بناء القدرات وبلورة السياسات التي تستند على تلك القدرات المشتركة، على المستوى الدولي.

لكن نجد اليوم أنَّ «القارة العجوز» تواجه العديد من التحديات التي تنعكس سلباً على مسار عملية البناء الأوروبي، مما أدَّى ويؤدي إلى تباطؤ هذا المسار في مجالات معينة وبشكل شبه كلي في مجالات أخرى مثل العمل على بلورة سياسة دفاعية مستقلة. السياسة التي كانت أحد أهم أهداف عملية البناء الأوروبي. الحرب الأوكرانية أعادت الجغرافيا السياسية الأوروبية لتكون مسرح الصراع الدولي الساخن الأول في العالم بسبب طبيعة ووزن الأطراف أو القوى الدولية المشاركة بأشكال مختلفة في هذا الصراع، وبسبب طبيعة تداعياته على تبلور نظام عالمي جديد مستقبلاً.

من المفارقات الحاملة للكثير من الدلالات في هذا المجال أن السويد، الدولة المحايدة منذ قرنين من الزمن وعبر الحربين العالميتين وكذلك عبر الحرب الباردة، انضمت إلى منظمة حلف شمال الأطلسي في نظام دولي يتشكل ويتحكم بمسار يبلوره حالياً صراع غربي - روسي نشأ حول أوكرانيا وصار يوصف «بنظام ما بعد بعد الحرب الباردة» ولم يستقر لحينه. الأمر ذاته ولو بدرجة أقل من حيث تاريخ وحجم الموقف يتعلق بانضمام فنلندا إلى الحلف ذاته. التيار «الأطلسي» تفوق على التيار «الأوروبي» الذي مثلته تاريخياً وقادته فرنسا منذ عهد الرئيس ديغول في أوروبا. تيار يقول بالتحالف والتعاون وليس بالتبعية للولايات المتحدة في إطار البيت الأطلسي مع الحفاظ قدر الإمكان على الخصوصية الأوروبية، ولو أن ذلك لم يكن بالأمر السهل.

اليوم سبقت «الأطلسية» التيار الأوروبي، والمفارقة أن ذلك حدث بعد سقوط العدو المشترك؛ الاتحاد السوفياتي، بعقود من الزمن. «جرس الإنذار» خلقته ثم عززته الحرب الأوكرانية. ونجد أن بعض أوروبا سبق الولايات المتحدة في حدة الموقف والتعبئة بعيداً عن البحث عن حل سياسي شامل لهذه الأزمة المكلفة لكافة أطرافها بسبب الاستقطاب الحاد، والقائمة في قلب أوروبا والتي لا يمكن أن تحسم نتائجها أي حرب مهما طالت. التغيير الأهم حصل في الموقفين الفرنسي والألماني اللذين لعبا دوراً أساسياً ومبادراً منذ عقد من الزمن للتوصل لتسوية سياسية للنزاع الأوكراني - الروسي عبر ما عُرف حينذاك «برباعي النورماندي» والذي ضم طرفي الصراع روسيا وأوكرانيا إلى جانب فرنسا وألمانيا.

السؤال اليوم يتعلق بمتى يبدأ البحث عن الحل السياسي الواقعي والشامل والذي يقوم، من منظور واقعي، على مراعاة المصالح الاستراتيجية الأساسية للجميع. وفي هذا السياق يبقى للاتحاد الأوروبي ولأطرافه الأساسية مسؤولية خاصة في العمل على تحقيق ذلك. يزيد من قوة السؤال احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة والخوف من السياسات الأحادية الحادة، التي عادة ما اتبعها في الماضي، بعيداً عن منطق التعاون والتنسيق الغربي الأطلسي والتداعيات المحتملة لذلك على أوروبا مسرح الصراع الأساسي. على صعيد آخر تعيش أوروبا تحدياً آخر يتمثل في الانكماش الاقتصادي ولو بدرجات مختلفة في دولها، وتداعيات ذلك على الأوضاع الداخلية في تلك الدول من حيث الانخفاض الكبير في درجات النمو، وازدياد العجز وحجم البطالة وتراجع القدرة التنافسية الأوروبية على الصعيد الدولي. كلها عناصر ساهمت في تبلور ردود فعل وطنية، بعضها انطوائي يحمل السياسات الأوروبية المشتركة المسؤولية عن هذه الأزمات. أزمات تولد بدورها العديد من الضغوطات والعوائق أمام ضرورة العمل على بلورة سياسات مشتركة لمواجهة تلك التحديات بشكل أكثر فاعلية.

وجاء هذا الوضع كأحد أهم الروافد التي عززت وتعزز صعود اليمين المتطرف في أوروبا. ساهم في ذلك الصعود أيضاً ازدياد حجم الهجرة غير القانونية خاصة عبر بوابة البحر الأبيض المتوسط من العمقين الأفريقي والشرق أوسطي والانعكاسات السلبية لتلك الهجرة. الهجرة التي تحمل أكثر مما هو واقع الأمر، مسؤولية ما وصلت إليه الأحوال الاقتصادية بتداعياتها الاجتماعية والسياسية في أوروبا... وشكلت أيضاً «ثورة المزارعين» التي تشهدها بعض الدول الأوروبية بدرجات متفاوتة لتزايد تكلفة الإنتاج الزراعي، والتي أيضاً من مسبباتها اعتماد «الميثاق الأخضر» للاتحاد الأوروبي الذي تم اعتماده في عام 2020 بغية تحقيق «الحياد المناخي» عام 2050 عبر الخفض الكبير لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتداعيات ذلك على تكلفة الإنتاج الزراعي. وأبلغ مثال على الأوضاع الاقتصادية في أوروبا الأزمة الاقتصادية التي تعيشها ألمانيا التي كانت تعد القطب الاقتصادي إلى جانب فرنسا القطب السياسي، التي تعاني أيضاً من أزمة اقتصادية حادة، فيما عرف بالثنائي أو المحرك الرئيسي في قاطرة البناء الأوروبي. أضف إلى ذلك الخلافات المستفحلة على أكثر من صعيد بين جناحي هذا «المحرك»، والتي تلقي بثقلها بشكل خاص كعامل معرقل أو على الأقل غير مسهل، لبلورة سياسات مشتركة فاعلة للتعامل مع هذه التحديات المستفحلة.

خلاصة القول إنَّ أوروبا اليوم محاطة بحزام من التوترات والصراعات، من حدودها الروسية إلى حدودها المتوسطية، التي تغذي وتتغذى على التحديات الداخلية المترابطة بأشكال مختلفة والمتعددة الأوجه في البيت الأوروبي. تحديات تؤثر كلها بشكل أو بآخر على الأمن والاستقرار في «القارة العجوز»، وبالتالي على مسار البناء الأوروبي كقطب دولي فاعل في نظام عالمي جديد في طور التشكل.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا الغارقة في بحر من التحديات أوروبا الغارقة في بحر من التحديات



جورجينا رودريغيز تتألق بالأسود في حفل إطلاق عطرها الجديد

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - سوسن بدر تتحدث عن حبها الأول وتجربتها المؤثرة مع والدتها

GMT 19:55 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

نابولي يعزز صدارته للدوري الإيطالي بثلاثية ضد كومو

GMT 13:54 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

دعوى قضائية تتهم تيك توك بانتهاك قانون الأطفال فى أمريكا

GMT 14:19 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يتجه لتحقيق أكبر مكسب أسبوعي منذ أكتوبر 2022

GMT 13:55 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع حصيلة قتلى إعصار هيلين بأمريكا إلى 215 شخصا

GMT 15:57 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

اختفاء ناقلات نفط إيرانية وسط مخاوف من هجوم إسرائيلي

GMT 06:22 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الوزير السامي

GMT 10:04 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مصرع 4 وإصابة 700 آخرين بسبب إعصار كراثون في تايوان

GMT 09:20 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

الألعاب الإلكترونية منصة سهلة لتمرير الفكر المتطرف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab