صناعة القياديين الدينيين في أوروبا

صناعة القياديين الدينيين في أوروبا

صناعة القياديين الدينيين في أوروبا

 العرب اليوم -

صناعة القياديين الدينيين في أوروبا

بقلم : فهد سليمان الشقيران

صناعة القيادات الدينية في الصفوف الإسلامية لها تاريخها الطويل، واستراتيجياتها المعقدة؛ ثمة بناء متكامل من القيادات في أوروبا تابعين للتنظيمات الأصولية، فهي البيئة الملائمة قانونياً لحركة «الإخوان» بعد تجريمها في دول حيوية مثل السعودية والإمارات ومصر، والتضييق عليها تدريجياً في دولٍ أخرى ضمن صفقاتٍ سياسية، وأحلافٍ متجددة. ولطالما كان تاريخ هذه القيادات وطرق اختيارها، وغموض أدوارها خارج البحث الجاد والأكاديمي المنظّم، لذلك احتفيتُ بصدور كتاب: «صناعة القادة الدينيين في أوروبا: تدريب الأئمة والمرشدات» (الكتاب الخامس والثمانون بعد المائة، مايو/أيار 2022) الذي يتناول، كما في الملخص المنشور في موقع مركز «المسبار» (ناشر الكتاب)، «قضايا الرعاية الروحية، والإسلام الفردي، والتطرف المؤسسي، والتدخل الأجنبي، لينتهي بدراسة مقترحات تطوير مناهج تدريب تعتمد على الخطاب المحلي، ضمن سياقٍ احترافي يقوم على الموازنة بين الأصول والفروع، من دون تسييس للقيم الروحية واحتياجاتها».

عن القيادات الدينية، فقد حاول الكتاب «تجذير فهم دور (القيادات الدينية) المسلمة في المجتمعات الأوروبيّة من أئمة ومرشدات روحيات، وتتبع آليات تدريبها، مع استصحاب التجارب السابقة في الدول الأوروبية، سواء المجتمعية أو الرسمية أو المختلطة، مناقشاً عوامل ضعفها؛ والنظريات التي يبني عليها الباحثون رؤى لتدريب الأئمة في فضاء علماني، ويقدمون مقترحات تقنية؛ ودليلاً فلسفياً لتطوير لغة الخطاب وتحديث سياقه، بغرض تحقيق الكفاية الروحية، والتخلص من إكراهات التطرّف والانعزال والإقصاء، ويطرح فكرة (تمدين) الإصلاح الديني للنقاش. فيوفر بذلك مادة أوليّة؛ يمكن البناء عليها، في معالجة ملف تدريب، وتأهيل، وتكوين، القادة الدينيين المسلمين، في سياقٍ أوروبي»، كما في المقدمة.
أما عن الدراسات المضمنة في الكتاب المهم، بدأت الدراسات بتأكيد أهمية دور «الإسلام المؤسساتي» في مشروعات التدريب المقترحة، وفي ثنايا لمحة تاريخية؛ فصّلت دراسة: دور الدين في الدولة الحديثة. ورصدت انعكاسات المفاهيم الجدلية على المسلمين الوافدين على أوروبا ثقافة وسياقاً وقيماً؛ وحذّر الباحث فيها من سيطرة الإسلام السياسي على إدارة الشأن الديني، ناصحاً بتوطين الإمامة في أوروبا ومأسستها.
انتهت الدراسة الثانية؛ لعالم الأنثروبولوجيا، مارتيان دي كونينغ (Martijn de Koning)، إلى رؤية مختلفة، تدعو إلى تدريب مستقل، فقدّمت مراجعة ناقدة للبرامج الهولنديّة لتدريب الأئمة؛ باحثة عن سبب فشلها، ومبينة خلل المعالجات الأوليّة الذي اضطُرَّت إليه البرامج والمبادرات السابقة وما ترتب على ذلك من عرقنة للإسلام وأثننة لقضاياه، ودخول في مقايضة دينية، كان مدخلها؛ النقاش حول التوافق بين الإسلام والديمقراطية؛ ومسألة الهجرة والاندماج، فبدت كأنها استجواب، يضع المسلمين طرفاً أضعف وفي مقارنة مع الدولة!
ذكرت الدراسة مساهمة المفكر الفرنسي الجزائري الأصل محمد أركون، في هولندا، إذ قال عام 1994 في برلمانها: «إذا واصلتم في النظر إلى تدريب الأئمة بوصفه مسألة تخص المسلمين حصراً، فإنكم تبطئون مسار الحداثة والتحديث، وإذا أُبقي الإسلام في الهوامش عبر الطرق المعلومة، فعليكم ألا تشتكوا حين يفشل الاندماج»! تستحضر الدراسة من ذلك ضغطاً من خارج المجتمعات المسلمة ومن دواخلها، ولكنّها تشير إلى أن النقاش تؤثر فيه «المنظمات الإسلاموية التي ترغب في السيطرة على التعليم الإسلامي». وعلى الرغم من إسهاب المادة في ضرورة تبيئة البرامج وتوطينها؛ فإنها قدّمت ملاحظة مهمة: «أن مجرد فرض التحدث بالهولندية؛ ليس حلاً، فقد كان من أسباب التطرّف في هولندا، أن النصوص الأولية التي تمت ترجمتها، في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، وتمّ توزيعها على مناهج متعددة، أخذت من مراجع راديكالية، فتسببت في موجة التطرف في الألفية الراهنة».
كتبت الباحثة جوليان دي ويت (Julien de Wit)؛ دراسة ميدانية، عن دور الأئمة في إعادة تأهيل المتطرفين من الشبان. عرّفتهم في البداية بأن مهمتهم لا تختلف كثيراً عن مهمة القس في المسيحية والحاخام في اليهودية، وأنهم «الوصلة بين المسلم ودينه»، وأنّ بيدهم إنجاح الإدماج أو إفشاله، ومكافحة التطرف أو تعزيزه. رصدت الباحثة الفاعلين في برامج التدريب في هولندا وبلجيكا، وفصلت المخاطر؛ فلاحظت أن بعض الأئمة يدعون إلى الكراهية، ويقولون أشياء يصعب وصفها بأنها متوافقة مع المجتمع الغربي، وأن صلتهم مقطوعة بالمجتمع؛ مما يُلجئ صغار السن، إلى البحث عن مصادر أخرى، تعزز انعزالهم عن الأسرة والمجتمع، وتربطهم بهوية آيديولوجية جديدة، وتعزز نظرتهم الانقسامية. وانتهت الدراسة إلى أن مشكلة معاصرة؛ مثل التطرّف في حاجة إلى نهج معاصر، وأئمة معاصرين.
جمعت الدراسة الثالثة، مناقشة لواحدٍ وعشرين بحثاً، تخصصت في مسارات ونظريات تكوين الأئمة في أوروبا الغربية؛ ضمها كتاب حرره ثلاثة من المختصين في الإسلام الأوروبي، راجعت مواطن الخلل الرئيسة؛ وناقشت صناعة المرجعية الإسلامية في أوروبا، والمستفيد منها، وراهنت على قدرة الروح الأوروبية على بناء إسلامها المستقل.
في دراسة تالية، تناولت الإمامة في أوروبا، باعتبارها ضرباً من التطوّع، ولم يكن وضع يد الدولة على أمرٍ ديني سهلاً؛ خصوصاً في السياق العلماني، الذي يحتاج إلى أن يعترف بالدين الوافد؛ ثم يخصص له منصرفاته ونطاقه، لذا استفادت الجماعات التفاوضية، فنشأت أزمات عرضتها دراسة لاحقة أشارت فيها إلى: مخاطر الإرهاب والتكفير والغلو، وفوضى الفتاوى، وخلل الهوية، فتطرقت إلى أجيال الأئمة الوافدين واختلافها، وإشكاليّة الأئمة المتطوعين والوافدين، وارتباطها ببروز سمات الفكر الصدامي، والمؤامراتي. واستعراضاً لتجربة النمسا؛ التي أصدرت قانون الإسلام سنة 1912، وتأسست الجمعية الدينية الإسلامية فيها عام 1979، فإنها أتاحت تعليماً دينياً في جامعة فيينا، إلا أنه لم يصل إلى برامج تدريب الأئمة. أما الأنموذج الألماني فظهرت فيه كلية الإسلام، التي بدأت بالتدريس في عام 2021، بغرض تنشئة الدولة للأئمة الألمان، وانطلق الباحث من ذلك إلى مقترح لتكوين أئمة وصفتهم الدراسة بالمتخصصين!
أحيل إليّ الكتاب وعرضت لأبرز ما ورد في خلاصته، باعتباره ضرورياً لصناع القرار وللباحثين والمسؤولين، فهو يناقش دهاليز الحركية الإخوانية وصناعة القيادات في قارة محتارة من الإسلام السياسي، حمته ولكنها اكتوت بناره، فهي مثل كرة النار التي بدأت تضرب بأمن الدول الأوروبية من الجذر، والغليان الذي يجري بفرنسا مثال واضح على ذلك، لكن من يمكنه إخبار الأوروبيين بخطورة هذه التنظيمات؟!

 

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة القياديين الدينيين في أوروبا صناعة القياديين الدينيين في أوروبا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
 العرب اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:52 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024
 العرب اليوم - كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab