الحياد والوساطة في ميزان الربح والخسارة

الحياد والوساطة في ميزان الربح والخسارة

الحياد والوساطة في ميزان الربح والخسارة

 العرب اليوم -

الحياد والوساطة في ميزان الربح والخسارة

بقلم:سام منسى

تشهد المنطقة الشهر الجاري تسارع أحداث مهمة ومفصلية، بدءاً من لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع نظرائه من دول مجلس التعاون الخليجي (الأربعاء) الفائت في الرياض واحتمال مشاركته في قمة عربية خليجية، وصولاً إلى جولة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة، وذلك على وقع توتر متصاعد بين إسرائيل وإيران، إضافة إلى العملية العسكرية التركية المتوقعة في شمال سوريا.
تأتي جولة لافروف في الوقت الذي تسعى فيه موسكو جاهدة لتعويض التداعيات الوخيمة والمتدرجة لإخراجها من المنظومة الرأسمالية، وعن تراخي روابطها الاقتصادية مع الأسواق الغربية جراء العقوبات وتداعيات الحرب في أوكرانيا على الأمن الغذائي والطاقة العالمية والاضطراب في الإمدادات، علماً بأن دول الخليج لم تنحَز إلى أي طرف في هذا النزاع. ولعل ما تصدر جدول المداولات هو الحصول على ضمانات لتوريد المنتجات الزراعية الروسية لدول الشرق الأوسط وحجم إنتاج النفط في ضوء قرار الاتحاد الأوروبي فرض حظر نفطي جزئي على موسكو. والمرجح أن تحتل إيران ودور موسكو التي تنسق معها في محادثات فيينا المتعثرة وتأثيرها على أمن المنطقة بعامة والعلاقات الإيرانية الخليجية بخاصة، مكانة في هذه المحادثات. وجاء كلام وزير الخارجية السعودي بعد الاجتماع ليؤكد وحدة مواقف ومصالح دول الخليج تجاه القضايا والأزمات الدولية ومواجهة «برنامج إيران النووي والصاروخي وتسليحها للميليشيات ودعمها للإرهاب وسلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة».
ولا يغيب عن أحد أن جولة الوزير الروسي في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة، استبقت زيارة بايدن المتوقعة أواخر الشهر، وتسعى من دون شك إلى محاولة تطويق أهدافها أو أقله التخفيف من تأثيرها على أدوار موسكو في المنطقة وتحصين علاقاتها مع دول الخليج. وبات معروفاً أن جولة الرئيس الأميركي هذه تهدف أساساً إلى رأب الصدع في العلاقات الأميركية - الخليجية بعامة والسعودية بخاصة، في تبدلٍ واضحٍ في سياسة واشنطن تجاه منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً دول الخليج العربية، بعد وعي متأخر لأهميتها في مواجهة روسيا والصين وعلى وقع المخاطر الناتجة عن الحرب في أوكرانيا والأزمة في علاقات موسكو مع الغرب. ومن غير المستبعد أن تسعى إدارة بايدن إلى إنشاء إطار أمني استراتيجي مع وبين دول حليفة في المنطقة لمواجهة توترات تَلوح في الأفق مع إيران. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها علاقات متفاوتة مع طهران؛ من جهة، تبذل سلطنة عُمان وقطر جهوداً مشتركة مع الغرب لتقريب وجهات النظر مع إيران وتخفيف حدة الخلافات، وما يعزز هذا التوجه الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مؤخراً إلى السلطنة، حيث وقع عدداً من الاتفاقيات الجديدة، وزيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى طهران، ومن جهة أخرى السعودية والإمارات والبحرين الأكثر تخوفاً وضرراً مباشراً من أجندة إيران الإقليمية، والكويت في مكان ما بين الجهتين.
ويبدو جلياً أن تنافساً قوياً بين موسكو وواشنطن يدور على استقطاب دول المنطقة في نزاعهما الذي لا يحتمل المنطقة الرمادية. وليس من الصعب التكهن بما حمله لافروف من تقدير لموقف دول الخليج الحيادي من جهة، وسعيه إلى تعزيز أواصر التعاون الاقتصادي التي أضحت أكثر من ضرورية وملحة بعد العقوبات الغربية من جهة ثانية. لكن ليس واضحاً ما قدمه لافروف لمجلس التعاون، لا سيما السعودية والإمارات، للمساعدة في تغيير المواقف والممارسات الإيرانية ومخاوفهما الأمنية جراءها. هذه الضبابية تطرح أكثر من علامة استفهام بشأن قدرة موسكو على لعب دور في منع إيران من تعكير أمن دول الخليج واستقرارها، في وقت تتكثف فيه الضغوط على الكرملين من كل حدب وصوب سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بما يضيّق هامش مناورته وقدرته على الضغط على طهران في مسألة شديدة الأهمية والحساسية لها، أي أدوارها وحلفائها في دول الإقليم. وأصدق من عبّر عن ذلك الزميل عبد الرحمن الراشد حين قال الأسبوع الفائت: «كان وجود الروس ضمانة إقليمية بأن سوريا لن تكون قاعدة عسكرية متقدمة لـ(الحرس الثوري) الإيراني وأن الوجود العسكري الإيراني وميليشياته ينتهي بانتهاء الحرب الأهلية. الذي خرج هي روسيا، وإن بقيت قوات ستكون رمزية... في حين يتوسع الوجود العسكري الإيراني مع ميليشياته». والماضي القريب يبرهن أيضاً على أن التعهدات الروسية لإسرائيل تهاوت بعد عجز موسكو عن إبعاد الميليشيات الإيرانية والحليفة عن حدودها الشمالية مع سوريا. ولا يغيب عن البال أنها أساساً لم تكن صاحبة قرار حاسم في دفع مسار السلام.
وعلى خط موازٍ، يُطرح سؤال آخر بشأن قدرة موسكو على لجم التوتر المتصاعد بين تل أبيب وطهران والذي قد يسعّره تقلص الدور الروسي في سوريا. وحتى إذا كان الخروج الروسي متوهماً وغير وارد، ما الذي يمنع موسكو من استخدام سوريا وغيرها في المنطقة وخارجها للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة وإشغالهما؟ ويشار هنا إلى مخاوف حول استهداف الأردن وإلى ضلوع إيران و«حزب الله» فيما يجري في غزة.
إن دِقّة ما آلت إليه العلاقات الدولية وخطورته تتجاوزان منطقتنا ومشكلاتها وأزماتها، لأن النظام الليبرالي القيمي والاقتصادي العالمي بات على المحك. فأوروبا تعيش زلزالاً، على ما أعرب عنه وزير الخارجية الألماني السابق، يوشكا فيشر، حين قال: «إن الوضع الذي كان قائماً قبل ذلك لن يعود. أنت ترى تغييراً كبيراً في أوروبا رداً على روسيا -ليس بناءً على الضغط الأميركي، ولكن لأن تصور التهديد لروسيا اليوم مختلف تماماً: نحن نفهم أن بوتين لا يتحدث عن أوكرانيا وحدها، بل يتحدث عنّا جميعاً». وأضاف فيشر: «سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن أوروبا الحديثة هي الآن في وضع المواجهة مع روسيا التي لم تعد جزءاً من أي نظام سلام أوروبي»، فهناك «فقدان كامل للثقة مع بوتين». وإذا كانت حال أوروبا على ما وصفه فيشر، فكيف يكون موقف أميركا وحلفائها الآخرين من خارج أوروبا؟
الأزمة إذن غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي أزمة معقّدة ومركّبة في آن واحد وسبق للكثير من المحللين والمراقبين أن استبعدوا الحياد كموقف من هذه الحرب وكذلك الوساطة في النزاع التي تعترضها مطبات ومنزلقات قد يقع فيها الوسطاء، لا سيما أولئك الملتزمين «الحفاظ على النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها»، على ما جاء في بيان وزراء خارجية دول مجلس التعاون في الرياض.
الحياد صعب وله تبعات جسيمة أخلاقياً ومصلحياً، والوساطة تفتح أبواباً مغلقة كثيرة للدول التي تعرضت أراضيها للاحتلال وسيادتها للاعتداء، ومنها واقع تحت الوعيد والتهديد، والأمثلة كثيرة من حولنا. المعيار الوحيد بين الصواب والخطأ هو المصالح وحسابات الربح والخسارة. وقائع الحرب الدائرة لا تخفيها اللغة المعسولة ولا المواقف الرمادية ولا تلك التي من شأنها تعميق الشقوق بين العرب والغرب، من دون بدائل مقنعة وقادرة قد تُدخل المنطقة في مرحلة اضطراب تُضعف احتمالات الخروج من أزماتها المستحكمة، وهي متدنية أصلاً.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحياد والوساطة في ميزان الربح والخسارة الحياد والوساطة في ميزان الربح والخسارة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab