العلاقات الروسية ـ الإيرانية وأدوات الجذب العربية

العلاقات الروسية ـ الإيرانية وأدوات الجذب العربية

العلاقات الروسية ـ الإيرانية وأدوات الجذب العربية

 العرب اليوم -

العلاقات الروسية ـ الإيرانية وأدوات الجذب العربية

بقلم - سام منسى

مسألة تزويد إيران لروسيا بمسيّرات وربما بصواريخ لاستعمالها في الحرب ضد أوكرانيا ليست بحد ذاتها محفزاً لمراجعة العلاقات الروسية - الإيرانية، لأن العلاقات الثنائية بين البلدين هي أعمق من مسألة مسيّرات ذات فاعلية محدودة لن تغير بحسب الخبراء مسار الحرب. الأهمية التي يكتسبها هذا الموضوع سببها الأول هو ممارسات إيران المتمادية القديمة والجديدة ضد دول في المنطقة بالخليج العربي والمشرق، والخشية عن خطأ أو صواب من تنامي العلاقة أكثر بين موسكو وطهران وتداعيات ذلك على دول الإقليم، في وقت تبدو فيه علاقات الأخيرة مع أميركا باردة لأكثر من سبب في مرحلة تتميز بالحساسية وحدة التجاذب بين الغرب وروسيا بعامة، وموسكو وواشنطن بخاصة.
العلاقات الروسية - الإيرانية لطالما كانت مدفوعة بالظروف من دون أي رابطة آيديولوجية، سواء زمن الاتحاد السوفياتي أو بعد سقوطه، وبقي الجامع المشترك الثابت بينهما هو العداء لأميركا والرغبة لديهما بمناهضتها على المستويات كافة، إضافة إلى كونهما جزءاً من مجموعة دول تتماهى بأنظمتها السياسية، التي لا تسعى فقط لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الإقليمية، بل القضاء على ما يرون أنه نظام عالمي تهيمن عليه واشنطن.
في هذه المرحلة بالذات، من الواضح أن كلتيهما معزولة ومحاصرة وبحاجة إلى أصدقاء؛ إيران بفعل العقوبات الأميركية بسبب برنامجها النووي وسجلها الرديء في مجال حقوق الإنسان، وروسيا جراء استيقاظ طموحاتها الإمبراطورية واستعادتها لروح التنافس مع أميركا ورغبتها في التوسع الذي بدأ بضم القرم ومن غير المعروف إذا كان سينتهي مع اجتياح أوكرانيا، أم لا.
لا شك أن توطيد العلاقة بين روسيا وإيران سيؤثر في الشؤون العالمية بما يتجاوز الحرب الأوكرانية. طبعاً البلدان ليسا على وئام مطلق، فطموحاتهما تختلف، في سوريا مثلاً، روسيا التي لا تزال تحتفظ بنفوذ ووجود عسكري ليست متحمسة لطموحات طهران الإقليمية هناك ولم تفعل شيئاً يذكر لإحباط الضربات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف والمصالح الإيرانية في هذا البلد، لكنها في الوقت عينه لم تعمل لاحتواء نفوذ طهران بالطريقة التي كانت ترغبها إسرائيل. ومع ذلك، تبقى لإمكانية تغيير ميزان القوى الدقيق في سوريا لصالح إيران عواقب وخيمة على إسرائيل، وبالتالي على علاقتها مع موسكو. ففي حال قررت روسيا نقل أسلحة أكثر تطوراً إلى إيران في سوريا ومساعدتها في تطوير برنامجها النووي مقابل مساعدتها لها في أوكرانيا، سيعطل ذلك الوسطية التي تتموضع فيها إسرائيل حيال الحرب في أوكرانيا لتميل باتجاه كييف.
في المقابل تتعامل إيران وروسيا مع بعضهما كشريكين عندما تتعقد الأمور مع الغرب، علماً بأن صناع القرار في طهران الذين يعملون على تطوير العلاقات الإيرانية - الروسية بطرق مختلفة، ما زالوا حريصين على عدم قطع شعرة معاوية مع الغرب. إن مراجعة مواقف رموز في النظام تظهر أن النخبة السياسية الإيرانية تنقسم حيال روسيا إلى تيارين؛ تيار غالب يحبذ العلاقات القوية مع روسيا كقوة موازنة للوجود العسكري الأميركي بالقرب من الحدود الإيرانية، كما يحرص على تعزيز العلاقات الاستراتيجية معها في مواجهة تكتل تدعمه أميركا، ويمكن أن يميل ميزان القوى في الشرق الأوسط بعيداً عن إيران. تضم هذه المجموعة المرشد علي خامنئي، والمقربين منه مثل مستشار السياسة الخارجية علي أكبر ولايتي ورئيس المجلس محمد باقر غاليباف، وكبار القادة في «فيلق القدس»، وغيرهم كثر. إنهم يشاركون الكرملين مخاوفه بشأن التهديد من الغرب ويسعون إلى تعاون ثنائي أقوى لحماية إيران من العقوبات الغربية والضربات العسكرية.
التيار الثاني المعروف باسم «البراغماتيين»، ويبدو الأضعف راهناً، يتألف من سياسيين معتدلين ومحافظين يرون في روسيا جاراً مهماً لكنهم يرفضون توطيد العلاقات الاستراتيجية معها لاعتقادهم بأنه من المفيد لإيران أن تبقي خياراتها مفتوحة مع الغرب وأن تتجنب الاعتماد المفرط على موسكو. من بين هؤلاء وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف والرئيس السابق حسن روحاني، وعلي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي. تراجع صوت هذا التيار مع تضاؤل فرص العودة إلى الاتفاق النووي وفقدان إيران فرصة رفع العقوبات عنها، ما رماها أكثر في الحضن الروسي. فالعقوبات الغربية ضدهما يقرّب بينهما كعدوين مشتركين لأميركا والإطار الدولي الذي يقوده الناتو. في 22 يوليو (تموز)، صرح ولايتي بأنه بدلاً من محاولة استرضاء الغرب، يجب على طهران اللجوء إلى روسيا للحصول على الدعم والمواءمة الاستراتيجية، مشيراً إلى سجل روسيا الحافل في دعم بلاده.
إلى هذا، يعتقد عدد من القادة الإيرانيين أن اجتياح روسيا لأوكرانيا يمكن أن يهز بنية النظام الدولي بطريقة تصب في مصالح إيران الوطنية. في اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بطهران في 19 يوليو (تموز)، شبه خامنئي دوافع الاجتياح الروسي لأوكرانيا بدوافع تدخل إيران في الشرق الأوسط، وقال: «لو لم ترسل روسيا قوات إلى أوكرانيا، لكانت ستواجه هجوماً لحلف الأطلسي في وقت لاحق»، مانحاً حرب بوتين دعماً قوياً.
وسط ذلك تبرز أسئلة عدة لعل أبرزها يدور حول المدى الذي ستصل إليه العلاقة بين روسيا وإيران، وما إذا كانت ستنتقل من مجرد شراكة إلى علاقة استراتيجية، وما تداعيات ذلك على منطقتنا؟ وهل علاقة عربية تحالفية مع روسيا مفيدة في هذه المرحلة؟
هذه المساحة لا تتيح إجابات وافية، إنما لا يغيب أمران؛ التاريخ ثابت والسياسة متغيرة. سادت تاريخ العلاقات الإيرانية - الروسية الطويل حالة من التردد والتوجس وكثيراً ما كشف سلوك الجانبين عن انعدام الثقة بينهما، وحتى عندما سعى الاثنان إلى بناء علاقات أوثق بينهما، جاء ذلك أولاً أيام الشاه لأهداف اقتصادية وليست سياسية وبعد الثورة وفق سياسة مناهضة واشنطن، وسط توجس روسي من طموحات إيران النووية وتخوف إيراني من عودة روسيا إلى الشرق الأوسط من الباب السوري وزعزعة نفوذها. من جهة أخرى، إذا كانت إيران تحاول اليوم جذب روسيا لجانبها بعد التعثر مع الغرب، فهي في الوقت عينه تنتظر بحذر نتائج الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الحليف الروسي في المديين القريب والمتوسط وتناور من دون أن تضع البيض كله في سلة واحدة.
وتدرك إيران أيضاً كما دول الإقليم، أن روسيا في هذه المرحلة غير مؤهلة للعب أي دور في المنطقة وليست بالقوة التي تسمح لها بتوفير مظلة في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد خسائرها في الحرب الدائرة وانكشاف هزال قوتها وقدراتها العسكرية واللوجيستية وزوال هالة الجبروت التي حققتها في الحرب السورية والتي لم تتحقق لولا التواطؤ الأميركي.
قد تمثل إيران اليوم بالنسبة لروسيا شريكاً استراتيجياً، تقدم لها الدعم في الشرق الأوسط فيما تتلقى منها دعماً مقابلاً في القوقاز وآسيا الوسطى وأوكرانيا.
موسكو وطهران يهدفان كل على طريقته إلى استمالة الجانب العربي، إيران تريد العرب في فلكها وإنشاء نظام أمني إقليمي على قياسها، وروسيا كذلك، وغايتهما الرئيسية إضعاف علاقة واشنطن مع دول المنطقة.
إن نقد الهيمنة الغربية محق، إلا أن ذلك لا يعني مطلقاً التغاضي عن حقيقة أن السياسة الروسية حافلة بالكبرياء السلافية والالتصاق بالنظرة الكهنوتية الدينية، ولا نستطيع كعرب مهما بلغت انتهازية الغرب حيالنا إلا أن نكون على الجانب الجيد من التاريخ، ما يعيدنا إلى السؤال الرئيسي: هل من أدوات جذب لدينا لفك العلاقة بين موسكو وطهران؟ وما الثمن الواجب دفعه؟ وهل جذب الروس يستأهله؟

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العلاقات الروسية ـ الإيرانية وأدوات الجذب العربية العلاقات الروسية ـ الإيرانية وأدوات الجذب العربية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab